«مشكلة الأحزاب التاريخية القديمة، أنها باتت لا تملك إلا اسمها وشعاراتها ومقاراتها، لكنها تعيش فى الماضى، ولا تمارس أى دور حقيقى وفعّال بالرغم من ثورة 25 يناير، التى فتحت آفاق العمل السياسى والحزبى بعد الإطاحة بنظام مبارك، وثورة 30 يونيو التى أطاحت بالإخوان»، قال جمال عبدالجواد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، موضحاً أن آفة الأحزاب القديمة أنها لا تزال أسيرة حقب سياسية مضت، ومشكلات وصراعات داخلية امتدت على مدار سنين طويلة، لا تستطيع حتى اليوم الخروج منها، «عبدالجواد» استدرك فى الوقت نفسه بالإشارة إلى أن «الوفد» لديه فرصة أكبر من غيره، للانطلاق إلى الأمام، والخروج من هذه الحالة السلبية. حزب سياسى لم يكترث بتعريف نفسه للمواطنين من خلال لافتة تعلو مقره الرئيسى، كأضعف الإيمان، قابله عدم اكتراث من المواطنين فى التعرف عليه، فعل ورد فعل، مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، معادلة أرجعها د. جمال سلامة، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إلى أن المجتمع المصرى لا يعرف فكرة الأحزاب بالمعنى التعددى الغربى، ولا يتقبل فلسفة وجودها ولا يدرك لها أى أهمية، خصوصاً أنه لا توجد كيانات حزبية ذات برامج محددة، وخطط للانتشار والوصول للحكم، استطاعت أن تغيّر هذه الثقافة العامة وتحسن من صورتها لدى المواطن، «منذ أن فتح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الفرصة للأحزاب كى تعمل، بعد حظر دام سنوات فى ظل حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لم نر حزباً واحداً استطاع أن يكسب ثقة المواطنين بناء على انحيازات اقتصادية وسياسية، ونشاط حقيقى فى العاصمة والمحافظات». «جمال» أشار إلى أن ضعف الهياكل التنظيمية للأحزاب، ومحدودية إمكانياتها بشرياً ومالياً، يجعل من الصعب عليها الوصول إلى الشارع، والتأثير فى ثقافة المواطن، وكسب ثقته، ما يوجب على تلك الأحزاب اختيار عناصر جديدة فى صفوفها، ووضع خطط مرحلية للانتشار والنمو، وبناء هياكل تنظيمية قوية ومتماسكة، وإيجاد مصادر شرعية قانونية لتمويلها، حتى لا تظل «فاترينات للعرض فقط». الأحزاب الجديدة التى تأسست فى أعقاب «25 يناير»، التى راهن عليها البعض لسد الفراغ السياسى وبناء قوى مدنية حقيقية، لم تستطع تحقيق وجود ملموس على الأرض، وتواصل فاعل مع المواطنين، وبناء ظهير جماهيرى قادر على ترجيح كفتها فى أى استحقاق انتخابى، بحسب د. هالة مصطفى، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، معتبرة أن الأحزاب عموماً، بصرف النظر عن وصفها بالكبيرة أو الصغيرة، أو أحزاب ما قبل الثورة أو بعدها، ما زالت ضعيفة فى مجملها، والدليل أن تحرك الشعب دائماً يسبقها، وحدث ذلك فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو على السواء، إضافة إلى أنها فشلت فى محاولات اندماجها ضمن كيانات حزبية كبيرة وفاعلة، أو ائتلافها فى تحالفات سياسية وانتخابية ناجحة قادرة على الاستمرار. الدكتور عمرو الشوبكى، أستاذ العلوم السياسية، أوضح أن الأحزاب تحولت إلى مجرد «مقار ولافتات» لا تؤدى دوراً يلمسه المواطن الذى بات ينظر إليها على أنها «مجرد ديكور»، مشيراً إلى أن فكرة «الديكور السياسى» صنعها مبارك خلال فترة حكمه على مدار 30 عاماً، وظلت مستمرة حتى الآن، بالرغم من مرور ثورتين. «الشوبكى» حمّل قيادات الأحزاب جزءاً كبيراً من ضعفها وتدهورها وغياب دورها فى الشارع وفقدان الثقة فيها، لكنه فى الوقت نفسه حمّل الأنظمة السياسية المتعاقبة الجزء الآخر من المشكلة، «الأحزاب تتحمل نص المشكلة، لكن الإرادة السياسية للأنظمة التى توالت حتى الآن، تتحمل الجزء الآخر، لأنها تدفع فى اتجاه عدم وجود حياة حزبية حقيقية وفاعلة، سواء من خلال قوانين تضر بالحياة السياسية والمشهد الانتخابى، أو إجراءات تعسفية تخنق المجال السياسى وتحصره فى عملية معروفة النتائج مسبقاً»، مضيفاً أن مقولة «الأحزاب منقسمة وضعيفة ومالهاش دور» مقولة صحيحة، لكنها لا تبرر ممارسات سلطوية تزيد من ضعف تلك الأحزاب، أو تجاهلها باعتبارها غير موجودة.