حسب التوقيت التجارى نحن فى انتظار مدفع الدراما الرمضانى الذى سيطلق علينا 24 مسلسلاً: «ظرف أسود والكابوس وحق ميت ووش تانى وذهاب وعودة ولعنة إبليس وحالة عشق ولهفة وولى العهد ومولانا العاشق واستيفا ويانا يا انتى وتحت السيطرة وبين السرايات وأرض النعام والعهد وطريقى ومريم والكبير وأستاذ ورئيس قسم وحارة اليهود ومولد وصاحبه غايب». مولد الدراما الرمضانية وأصحابه الحاضرون هل يقدمون مسلسلات تقدم المجتمع بطريقة سوية وبوجهة نظر عميقة أم أنها مجرد قصص «أكشن» وميلودراما أو مستشفيات درامية لمجموعة من الشخصيات الشاذة والمنحرفة؟ أعمال هذا العام هل تكرر خطايا السنوات السابقة؟ الإجابة -للأسف- ربما تكون «نعم» باستثناء الأعمال الكوميدية ومسلسل حارة اليهود الذى يقدم عرضاً اجتماعياً تاريخياً. نحن للأسف على موعد مع الألغام الدرامية التى وصلت لذروتها العام الماضى ونتمنى ألا تكون هناك ذروة ما بعد الذروة. التدنى والرداءة التى رأيناها فى أغلب أعمال السنوات الماضية لا يمكن أن نجدها فى أعمال يقدمها فنانون مثل نور الشريف أو يحيى الفخرانى أو عادل إمام رغم أن هؤلاء النجوم هم أكثر من قدموا تشريحاً للمجتمع وقدموا النقد السياسى والاجتماعى ولكن دون ابتذال وحققوا نجاحات لا تتكرر والدليل أن عادل إمام لا يضاهيه أحد لما يمتلكه من وعى لا يتوافر للأسف لدى أغلب النجوم عند اختيارهم للأعمال على اعتبار أنها جماهيرية حتى لو كانت مدمرة اجتماعياً. كل السيرك الدرامى المنصوب لم يستطع أى فرس رهان أن يقترب من عادل أمام فى النجاح أو فى بورصة الأسعار. نور ويحيى وعادل يدركون أهمية الكلمة ومن ثم يختارون الكاتب والنص العميق وهذا يدل على أن الرسالة والمعنى ليست أشياء معطلة للنجاح ولا لمقاييس التسويق والبيع. ما أفقر وطن يمتلك ثروة كبيرة لكنها تدمره؛ فمصر تمتلك ثروات فنية رائعة على مستوى الأداء التمثيلى وعلى مستوى الكتابة والإخراج والكوادر الفنية. الكارثة أن هذه الثروات العظيمة يُصنع منها ألغام تدمر المجتمع وتفقده الثقة فى نفسه وتحوله إلى بلاعة كبرى وتجسد أسوأ ما فيه وما ليس فيه من انحرافات وعنف وشذوذ وتغييب، وتتجمع كل هذه الأمراض وتكلفتها فى شهر رمضان. وإذا سألنا أنفسنا «ما الفرق بين كثير من كتاب الدراما الآن وأغلبهم يمتلك موهبة متميزة وبين كتاب انتعشت الدراما وتم بناؤها بأفكارهم مثل أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن ومحمد جلال عبدالقوى ومحسن زايد ووحيد حامد؟». هذا الجيل كان لديه كل الجرأة فى نقد المجتمع وتشريحه والوصول إلى أعلى درجة من درجات النقد السياسى والجرأة فيه ولكن بعيون ونفوس وضمائر تحب المجتمع وتمتلك رؤى ولديها وافر من العمق والاستنارة وفى المقابل نجد للأسف أن كثيراً ممن يقدمون دراما توصف بأنها اجتماعية واقعية كارهون للمجتمع وليسوا كارهين للانحرافات التى تحدث. إنهم يحطمون كل القيم الرفيعة ويستبدلونها بقيم رديئة فكل ما يهم الجذب الجماهيرى والمكسب الشخصى دون إدراك خسارة الوطن وكوارث وسموم ما يبث من قيم مدمرة ترسخ العنف والشذوذ والانحراف وتسطيح العقول وتسويق الخرافة وتقديم المجتمع باعتباره مجتمع العقد النفسية. إن هذه الألغام تتجمع وتتكثف فى شهر وتطلق على الشعب دفعة واحدة شديدة الانفجار والتدمير. فالدراما الرمضانية أصبحت كالمخدر نجلس أمامها مسلوبى العقل والإرادة وأياً ما كانت الأسباب التى هى تجارية فى المقام الأول وعادة متوارثة على افتراض حسن النيّات فهناك أغلبية من الناس تجلس شهراً كاملاً لا تفعل شيئاً سوى متابعة الدراما وهذه جريمة ترتكبها القنوات التليفزيونية تجاه الشعب المصرى بصرف النظر عن المحتوى فالتنافس والصراع الشرس تكون نتيجته سيئة، تغييب للناس والكف عن العمل فى شعب من عادته ألا يعمل فى رمضان حتى يتمكن من الصيام وأداء الفريضة وبالتالى فالإنتاج يقل إلى النصف أو يؤجل لما بعد رمضان وكأنه شهر إجازة وخمول يجب أن تكون هناك طريقة لإيقاف هذا التنافس المحموم الذى يلقى بغباره فى اتجاه عقولهم ونفوسهم. وبما أن الواقع يؤكد تواصل هذا المخدر بهذه الكثافة فما نتمنى ألا نراه هو الحوارات الرديئة بما تحتويه من مفردات وإيحاءات واتجاه تفكير مبتذل. ما نتمنى ألا نراه هو تسويق قيم الفهلوة والابتذال والشر والفساد وتقديم نماذج مشوهة باعتبارها الأنجح والأفضل. لا نطالب بالكف عن الأفكار الجريئة والانتقاد فالفن ليس فصلاً تعليمياً ولا تقديم حياة وردية معاكسة للواقع ولكن المؤكد أيضاً أن العكس ليس صحيحاً والمنظومة الثقافية، والدراما أحد أسلحتها، قادرة على عقد قران الوطن على الرقى والثقة وتطليق الابتذال طلقة بائنة.