سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صاحب مصنع تعبئة سابق: كلور المحطات الحكومية يجعل المياه صالحة أطول صاحب كشك: الصيف موسمنا لبيع كميات المياه المخزنة.. وأصحاب «سوبر ماركت»: الفواتير هى الضمانة
معلومة صغيرة حول قيام عدد من الاشخاص بتعبئة المياه العادية على أنها مياه معدنية، داخل زجاجات تحمل علامات تجارية وهمية لشركات كبرى وبيعها للمواطنين، داخل إحدى الشقق «مصانع بير سلم» فى طنطا، كانت هى مفتاح التحقيق الذى حاولت «الوطن» من خلاله اختراق «عالم المياه المعدنية المغشوشة فى مصر»، ففى الوقت الذى أعلنت فيه الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة، أن مصر لا تمتلك آبار مياه معدنية، على الإطلاق، وطبقاً للمواصفة الأخيرة التى أصدرتها الهيئة العامة للمواصفات والجودة عام 2007، والتى تحمل رقم 1589، ظهر فيها أن مياه الشرب المعبأة داخل زجاجات، والتى يتم تداولها فى مصر، هى مياه «غير معدنية طبيعية»، وإنما هى مياه مخصصة للاستهلاك الآدمى، وقد تحتوى على معادن موجودة طبيعياً أو مضافة عمداً، وقد تحتوى على ثانى أكسيد الكربون موجود طبيعياً أو أُضيف عمداً، لكنها لا تحتوى على سكريات أو مواد تحلية أو مكسبات نكهة، أو أى مواد غذائية أخرى. المعلومة التى حصلنا عليها تصف بالضبط المكان الذى يتم فيه تعبئة المياه المغشوشة، وكان علينا أن نستوثق من صحتها. توجهنا إلى المكان الذى تمت الإشارة إليه، وسط حالة من الحذر والحيطة، لنكتشف أنه عبارة عن شقة بالطابق الأرضى فى عقار من 3 طوابق، فى أحد أحياء مدينة طنطا، تخرج منه فتاة بملابس مبتلة قليلاً، بدا عليها أنها من العاملات. وفى الداخل كانت هناك 3 فتيات أخريات يجلسن أمام خزانات متوسطة الحجم لتعبئة المياه فى زجاجات، وشاب يضع غلافاً على غطاء الزجاجة ويلصقها من خلال جهاز تصفيف الشعر «سيشوار»، ويلصق «الاستيكر» على جسم الزجاجة من المنتصف ثم يضعها داخل كراتين. تعرفنا على عامل آخر، وعندما علم أننا عملاء للمصنع، ونريد طلبية زجاجات مياه فارغة، أخبرنا بأنه أحد عمال المصنع وأنهم يعملون فى الخفاء ومستمرون فى إنتاج الزجاج، وإذا أردنا دخول المصنع فعلينا التوجه إلى البوابة الفرعية، وبالفعل توجهنا برفقته ودخلنا بالفعل وصعدنا إلى الطابق الثانى حيث مكتب صاحب المصنع، عبارة عن مكتب صغير وبجواره «ترابيزة» فوقها عينات زجاج مختلفة، وبسؤاله عن نوع معين من الزجاجات المشهورة، أخبرنا صاحب المصنع بعدم وجودها، وأيضاً عدم توافر «الإسطمبة التقليدية لها» حالياً، وعرض علينا عينات مختلفة من الزجاجات الموجودة فوق الترابيزة، لكن مع إصرارنا على نفس نوعية الزجاجة طلب منا التوجه إلى «ا.ب» صاحب مصنع مجاور على بعد نحو 10 دقائق وهناك سنجد ما نريده. توجهنا بالفعل إلى مقر المصنع وتقابلنا مع المدير المسئول «م.ع» وأخبرنا أنه لا يقدر على صناعة الزجاجة الأصلية خوفاً من المساءلة، لكن لديه الإسطمبة التقليدية «اللى عيونك تشوفها على أنها الزجاجة الأصلية ولكن فى الحقيقة هى مقلدة»، لافتاً إلى أن ماكينات مصنعه تعمل فى الوقت الحالى لإنتاج طلبيات زجاجات زيت، وسيبدأ فى صناعة زجاجات المياه المعدنية فى غضون شهر مع بدء دخول موسم الصيف، والذى بطبيعته يشهد زيادة فى عمليات الشراء والبيع بسبب الإقبال الكبير على المياه المعدنية من قبل المواطنين، خاصة فى المصايف، وأضاف: «العينة التى تبحثون عنها متوفر منها كمية نحو 20 ألف زجاجة عند (م.ا)، واحد من العملا اللى بيشتغلوا معانا من كوم حمادة، بحيرة، لكنه غيّر نشاطه دلوقتى وشغال فى مجال تعبئة السكر والأرز والصلصة»، أنهى الرجل حديثه بعد أن أعطانا رقم هاتف صاحب مصنع كوم حمادة للتواصل معه. فى اليوم ذاته تم الاتصال بصاحب المصنع، وتبين أنه فى القاهرة، وبعد أن أبلغناه أننا من طرف مصنع (ا.ب) طلب منا التوجه إلى مدينة كوم حمادة وسيكون فى انتظارنا (ح) أحد العاملين بالمصنع ليسلمنا الكمية المطلوبة، وفى اليوم التالى توجهنا إلى العنوان لنتقابل معه، وحصلنا منه على الكمية المطلوبة (300 زجاجة) مقابل 150 جنيهاً، وغادرنا بها إلى مكان العمل لتبدأ المرحلة الثانية. توجهنا إلى إحدى المطابع بطنطا والتى تتعامل مع مصانع بير السلم فى صناعة الكراتين، وتمت مقابلة المسئولين عنها، وبعرض الأمر عليهم بأننا نريد كراتين لتعبئة مياه معدنية خاصة، فأبلغنا أن الكرتونة الواحدة تكلفتها 2٫5 جنيه وأقل طلبية يمكن تنفيذها 100 كرتونة، بسبب أن ماكينات الطباعة لا تقبل بأقل من ذلك، وبعد الاتفاق معه على نوع الكرتونة وأن تكون البيانات المكتوبة عليها هى نفس بيانات الكرتونة الأصلية، أخبرنا فى حالة الاتفاق ستكون الكمية المطلوبة جاهزة خلال 3 أيام، وبالفعل توجهنا فى الموعد المحدد إلى المطبعة وتم تسلم الكمية المطلوبة. داخل فناء محاط بسور مرتفع ملاصق لمنزل بسيط مكون من 3 طوابق، على مدخله بوابة حديدية صغيرة الحجم يعلوها جملة «ما شاء الله» بشكل زخرفى، وعشة بداخلها بعض الطيور «بط ودجاج» تجرى عملية تعبئة المياه على قدم وساق، فى الداخل كانت هناك غرفة كبيرة بها منضدة فوقها «جردل وكنكة وفوطة وجهاز سيشوار»، وبجوارها مجموعة زجاجات فارغة وكراتين واستيكرات، وفى الجهة المقابلة مجموعة كراتين متراصة ومعدة للبيع، يوجد 3 أشخاص، كل منهم يعرف مكانه وما دوره فى تلك المرحلة. الأول رجل فى العقد الخامس من عمره، يجلس على كرسى خشبى أمامه مجموعة من الزجاجات الفارغة يضع عليها الاستيكرات، ثم يطرحها على الأرض بجواره ليتناولها الثانى صاحب العقد الرابع من عمره، والذى بدوره يملأها بالمياه الموجودة داخل جردل مستخدماً «كنكة» وبعد الانتهاء من تعبئتها، يضعها على المنضدة، ليأتى الثالث صاحب العقد الثانى من عمره والذى يقوم بمسح الزجاجة مستخدماً فوطة، ويضع الغطاء ثم يغلفها مستخدماً جهاز السيشوار للصق أجزاء الغلاف على غطاء الزجاجة، ويتوجه بها لوضعها فى الكرتونة، وبعد استكمال عدد 12 زجاجة من الحجم الكبير، و20 من الحجم الصغير يتم وضعها داخل الكرتونة، يقوم بغلق الكرتونة مستخدماً لاصقاً عريضاً، ثم يقوم بنقلها لآخر الغرفة وتجهيزها للموزع. يقطع الصمت المخيم على المكان، صوت الرجل الخمسينى منادياً نجله صاحب ال 15 عاماً: «الميه اتأخرت ليه، الجردل فاضى، بسرعة شوية، مش عاوزين نعطل، الطلبية كبيرة، ولازم تخلص النهارده». يأتى الطفل وبسبب خطوات قدميه المسرعة يهتز الجردل فتسقط منه المياه ليصيح الرجل الخمسينى: «بالراحة شوية، وركز وانت ماشى، وبسرعة هات الجردل التانى». أحد العمال بادر قائلاً إن وجودهم فى هذا الفناء ليس بشكل دائم وإنما بصفة مؤقتة، نظراً لتجهيز المخزن بالطابق الأرضى والذى كانوا يعملون فيه من قبل وكان يوفر عليهم مشقة نقل المياه فى الجرادل لأنهم كانوا يستخدمون مباشرة «الخرطوم الواصل مباشرة بالصنبور» فى تعبئة زجاجات المياه، إلى جانب أن وجودهم فى الفناء يعرضهم للخطر بأن يراهم أحد من الأهالى فيكشف أمرهم، ولكنهم غامروا بذلك مجبرين لأنهم ملتزمون بطلبية ولا بد من تسليمها ولا يجوز تأخيرها. يعتبر «الموزع» العنصر الرئيسى فى عملية تعبئة المياه وبيعها، وبدونه تفشل العملية، حيث يحمل على عاتقه مسئولية توزيع المياه ويخاطر بسياراته، لذلك تكون نسبته فى سعر بيع الكرتونة الواحدة نحو 10 جنيهات. كان من السهل أن نتعرف على الأماكن التى يتم توزيع تلك المياه فيها وجميعها أماكن عامة تتميز بكثافة المواطنين بها ومنها الأكشاك الموجودة أمام المستشفيات العامة، وكليات جامعة طنطا، ومواقف السيارات، والميادين العامة، وبعض الكافتيريات خاصة الموجودة على الطرق السريعة، وبعض قاعات الأفراح، وغالبية الأكشاك الموجودة فوق أرصفة محطات القطار، والسجون العامة حيث يستغل الموزعون زيارات المواطنين لذويهم المحبوسين على ذمة قضايا وتنفيذ أحكام صادرة ضدهم. توجهنا إلى 3 من تلك الأكشاك وسألنا أصحابها عن مدى احتياجهم لزجاجات مياه، وبسؤالنا عن الأسعار أكد لنا أحدهم أن الأسعار تختلف وفقاً للنوع ومدى إقبال المواطنين عليها، فطلبنا منه قائمة بالأسعار، والثانى تم الاتفاق معه على توريد كميات معينة، والثالث أكد أنه يتعامل مع عدد معين من الأشخاص لتوريد زجاجات المياه له، وأن فصل الصيف يعتبر موسم بيع المياه، وأنه يستعد لهذا الموسم بتخزين كميات كبيرة من تلك المياه داخل مخزن فى بيته، ويومياً يأخذ من المخزن كميات بسيطة إلى الكشك، وذلك تحسباً لأى حملات تموينية يقوم بها المسئولون على الأكشاك، فتكون المضبوطات بسيطة، وليس لديه أى مانع من شراء كمية لكن بسعر 14 جنيهاً للكرتونة الواحدة. وبعيداً عن الأكشاك توجهنا لأصحاب الهايبرات والسوبر ماركت الكبيرة لتتعرف منهم على كيفية شراء المياه ومدى تأكدهم بأنها مياه أصلية وليست مقلدة، فأكدوا جميعاً أنهم يتعاملون مع الشركات الكبرى والحاصلة على تراخيص ومعترف بها لدى جهاز حماية المستهلك، وأنهم لا يتسلمون المنتج إلا بفواتير تحمل اسم وختم الشركة صاحبة المنتج، وهم بشكل دائم على تواصل مع الشركات المنتجة للمياه.