لا شك أن ممارسة الحقوق والحريات دون ضوابط تؤدى إلى فوضى شاملة غير خلاقة، ومن العجيب أن بعض المنتمين لمنظمات المجتمع المدنى وبعض المنتمين للتيار الليبرالى يرفضون تماماً وجود ضوابط لممارسة الحقوق والحريات. وقد حدث هذا عند مناقشة باب الحقوق والحريات العامة بالدستور المصرى الجديد، حيث احتج البعض بالمصادر الدولية لحقوق الإنسان، فإذا رجعنا إلى هذه الاتفاقيات التى ساهمت فى تكوين قواعد قانونية عرفية شكلت ما يُسمى القانون الدولى العرفى لحقوق الإنسان وجدناها تؤكد هذه الضوابط؛ فبالعودة إلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966 يجد الإنسان أمثلة لهذه الضوابط. مثلاً الإعلان العالمى لحقوق الإنسان تقول ديباجته إن الجمعية العامة للأمم المتحدة تنشر على الملأ هذا الإعلان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذى ينبغى أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم، كما نص فى المادة 29/2 على أنه لا يخضع أى فرد فى ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التى يقررها القانون مستهدفاً منها حصراً ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع فى مجتمع ديمقراطى. وأما العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص فى المادة 12/3 الخاصة بحرية التنقل وحرية اختيار مكان الإقامة على أنه لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التى ينص عليها القانون وتكون ضرورية لحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. ووردت الضوابط أيضاً بالمادة 14 الخاصة بالمساواة أمام القضاء، والمادة 18/3 الخاصة بحرية الفكر والوجدان والدين، والمادة 19/3 الخاصة بحرية التعبير، والمادة 21 الخاصة بالتجمع السلمى، والمادة 22/2 الخاصة بحرية تكوين الجمعيات والنقابات. وهى نفس القيود الواردة فى اتفاقية حقوق الطفل (20/11/1989 نفاذ 2/9/1990) فى المواد أرقام 13/2، 14/3، 15/2. بيد أن موقف هذه المصادر الدولية من الحقوق والحريات السلبية هو رفض أى ضوابط أو قيود رفضاً مطلقاً. ففى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10/12/1984 نفاذ 26/6/1987 تنص المادة 2/2: 3 على أنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب، أو تهديداً بالحرب، أو عدم استقرار سياسى داخلى، أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب. ولا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة، أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب. ونصت المادة 3/1 على أنه لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أى شخص، أو أن تقيده، أو أن تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون فى خطر التعرض للتعذيب. إذن نستنتج من العرض السابق أنه ليس من الصحة فى شىء أن المواثيق والعهود الدولية قد أعطت الحقوق بلا ضوابط من الصالح العام أو النظام العام أو قيم المجتمع الأساسية. وهو ما سيأخذ به دستورنا القادم بإذن الله.