«سويلم» لمجموعة البنك الدولي: «سياسات حديثة لمنظومة الري»    أعضاء «النيابة» الجدد يؤدون اليمين القانونية    رسمياً موعد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025 للمعلمين.. هل يتم الصرف قبل بدء الدراسة؟ (تفاصيل)    «فتحي» يبحث آليات زيادة أعداد السائحين الإسبان    بتأييد من أمريكا.. إسرائيل تطلق عمليتها البرية لاحتلال مدينة غزة    قبل أيام من بدء العام الدراسي.. تفاصيل قرارات وزارة التعليم (نظام الإعدادية الجديد وموقف التربية الدينية)    السيطرة على حريق التهم شقة سكنية بالدخيلة في الإسكندرية    خالد جلال وكشف حساب    ترامب يقترح توسيع الضربات ضد مهربي المخدرات من البحر إلى البر    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    ارتفاع سهم تسلا بعد شراء ماسك 2.5 مليون سهم بمليار دولار    مستشار وزير التموين السابق: جرام الذهب سيصل إلى 5500 جنيه قبل نهاية العام    أهمها الثلاجات والميكروويف.. 6 عوامل رئيسية تُساعد على ضعف شبكة الإنترنت في المنزل    ضياء رشوان: الرئيس السيسي وصف إسرائيل بالعدو لأول مرة منذ زيارة السادات للقدس    عاجل القناة 12: إجلاء 320 ألفًا من سكان غزة يفتح الطريق أمام بدء العملية البرية    عاجل- ترامب يفجر مفاجأة: نتنياهو لم ينسق معي قبل قصف قطر    حماس ترد على تصريحات ترامب: انحياز سافر للدعاية الصهيونية    أول رد رسمي من بيراميدز على مفاوضات الأهلي مع ماييلي    «التعليم» تعلن أسعار الكتب المدرسية للعام الدراسي 2025/2026 وتقدم تسهيلات جديدة لأولياء الأمور    فيديو أهداف مباراة إسبانيول و مايوركا في الدوري الإسباني الممتاز ( فيديو)    سجل 35 هدفًا منها.. «صلاح» ملك ركلات الجزاء في «قلعة الريدز»    لقاء تاريخي في البيت الأبيض يجمع البطريرك برثلماوس بالرئيس الأمريكي ترامب    "النقل العام" تشارك في نقل السائحين داخل منطقة الأهرامات - تفاصيل    تحية العلم يوميًا وصيانة شاملة.. تعليمات جديدة لضبط مدارس الجيزة    بسبب المال.. أنهى حياة زوجته في العبور وهرب    أبرزها استبدل البطارية.. 8 خطوات سهلة تجعل جهاز آيفون القديم جديدًا    صور.. حفلة تخريج دفعة بكالوريوس 2025 الدراسات العليا تجارة القاهرة بالشيخ زايد    ليت الزمان يعود يومًا.. النجوم يعودون للطفولة والشباب ب الذكاء الاصطناعي    طرح الإعلان التشويقي الأول لفيلم "السادة الأفاضل" (11 صورة)    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الكلب طاهر.. وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    نجم بيراميدز يكشف: تعرضت لحملة ممنهجة في الزمالك    سعر البطاطس والطماطم والخضروات بالأسواق اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    مسئول صينيى: عزم الصين على حماية حقوقها المشروعة أمر لا يتزعزع    ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد حدة القتال بين روسيا وأوكرانيا    الفنان أحمد إبراهيم يلقى كلمة "اليوم المصرى للموسيقى" بقلم الموسيقار عمر خيرت.. وزير الثقافة يكرم عددا من الرموز.. عادل حسان: أتمنى أن ترافقنا الموسيقى فى كل لحظة.. وخالد جلال يؤكد ألحان سيد درويش علامة فارقة    مسيحيون فلسطينيون في مؤتمر أمريكي يطالبون بإنهاء حرب غزة ومواجهة الصهيونية المسيحية    الشيبي: نريد دخول التاريخ.. وهدفنا مواجهة باريس سان جيرمان في نهائي الإنتركونتيننتال    اكتشاف أول حالة إصابة ب إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة    أهمها قلة تناول الخضروات.. عادات يومية تؤدي إلى سرطان القولون (احذر منها)    سيطرة مصرية في ختام دور ال16 ببطولة مصر المفتوحة للإسكواش    حريق ب مطعم شهير بالدقي والدفع ب 5 سيارات إطفاء للسيطرة عليه (صور)    «مشاكله كلها بعد اتنين بالليل».. مجدي عبدالغني ينتقد إمام عاشور: «بتنام إمتى؟»    الوقت ليس مناسب للتنازلات.. حظ برج الدلو اليوم 16 سبتمبر    مهرجان الجونة السينمائي يكشف اليوم تفاصيل دورته الثامنة في مؤتمر صحفي    4 أبراج «معاهم ملاك حارس».. صادقون يحظون بالعناية ويخرجون من المآزق بمهارة    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «حافظوا على سلامتكم»    قبل كأس العالم.. أسامة نبيه يحدد برنامج معسكر منتخب الشباب في تشيلي    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    تحذير من تناول «عقار شائع» يعطل العملية.. علماء يكشفون آلية المخ لتنقية نفسه    أخبار 24 ساعة.. البيان الختامي لقمة الدوحة: تضامن وإشادة بقطر ورفض التهجير    محافظ الغربية: الثقة في مؤسسات الدولة تبدأ من نزاهة وشفافية أداء العاملين بها    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يعقد اجتماعه بتشكيله الجديد برئاسة المستشار محمد الشناوي    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    "مدبولي" يعلن بدء تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالمنيا    القليوبية تدعم التأمين الصحي بعيادات ووحدات جديدة (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمهيد للعدالة الدينية
نشر في الوطن يوم 21 - 05 - 2015

تحيا الدول بالأفكار السوية، وترتقى حضارات الإنسان بإبداعاته الفكرية، ولذلك نزلت الكتب السماوية فى صورة «هدى» وليست فى صورة «قانون، أو تعليمات»، حتى يستطيع الإنسان فى كل عصر أن يستنبط من هذا الهدى قانونه الذى يناسبه زماناً ومكاناً، وتعليماته التى تلائمه وضعاً وحالاً. يخطئ من يرى القرآن الكريم دستوراً أو قانوناً، وكأنه يتهم الله عز وجل -وحاشاه سبحانه- أن يصف القرآن بغير حقيقته عندما قال: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» (البقرة: 2)، وقال سبحانه: «قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى» (الأنعام: 71)، وقال جل شأنه: «وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأعراف: 52). وكما وصف الله تعالى القرآن بأنه «هدى» وليس دستوراً أو قانوناً أو تعليمات وصف التوراة والإنجيل كذلك بالهدى فقال سبحانه: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِى الْأَلْبَابِ» (غافر: 53-54)، وقال سبحانه: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ» (المائدة: 44)، وقال تعالى: «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ» (المائدة: 46).
وكأن الله عز وجل يقول للإنسان إن كلام الله المقدس فى «التوراة والإنجيل والقرآن» ينير الطرق الفكرية للإنسان ليتخذ قراره بنفسه حتى يتحمل مسئوليته يوم الحساب، كما تنير الشمس الطرق الحسية للإنسان فى الأرض فيتخذ قراره فى السير أو التوقف أو التعامل مع العقبات. وبهذا يكون القرآن الكريم وكلام الله المقدس قد نزل بصفة الهدى لتمكين الإنسان فى كل عصر أن يضع دستوره وقوانينه التى تناسبه فى إدارة الحياة، وتأخذ بالإنسانية إلى الإعمار والحضارة بحكم الطبيعة المخلوقة؛ كما قال سبحانه: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: 61)، أى جعلكم أيها البشر بكل مللكم وأديانكم عمّارها وبانيها.
وأما فى الأحكام العبادية والشعائر الدينية التى يخصها الإنسان لربه سبحانه كالصلاة والصيام والزكاة والحج فهى بحسب أوضاعها التوقيفية، والتى لا تقتصر مرجعيتها فى تفاصيلها على كلام الله المقدس، وإنما يرجع أيضاً إلى روايات نبوية وموروثات تاريخية تلقى قبولاً عند المتدينين؛ لأنهم أصحاب الشأن فى الإيمان الذى لا يمس حقوق الآخرين.
وإذا ثبت أن القرآن الكريم وكلام الله المقدس قد نزل بصفة الهدى لتمكين الإنسان فى شئون حياته من وضع دستوره وقوانينه التى تناسبه، فإن اللبنة الأولى للدستور أو القانون هى الفكرة البناءة، ولذلك كثرت الآيات القرآنية التى تدعو الإنسان إلى إعمال فكره وعقله، ومن ذلك قوله تعالى: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (الأعراف: 176)، وقوله سبحانه: «كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (يونس: 24)، وقوله سبحانه: «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الرعد: 3)، وقوله سبحانه: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (النحل: 44)، وغيره كثير. كما ورد فى الأحاديث النبوية بيان فضل الاجتهاد بالفكرة فيما أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». وأخرج مسلم عن جرير بن عبدالله البجلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء».
ويحصل الإنسان على أجر الفكرة البناءة بابتكارها من عدم، أو بتطوير الفكرة القديمة إلى الأحدث، وهو ما يعرف بالاقتباس، أو حتى باستيراد الفكرة من الخارج؛ لما أخرجه أحمد عن بريدة، والترمذى عن أنس بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدال على الخير كفاعله»، وأخرجه أبوداود بسند صحيح عن أبى مسعود الأنصارى بلفظ: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله».
وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من فكر الروم وفارس فى حكم الغيلة، وهى منع الزوج من لقاء زوجته وهى حامل أو وهى ترضع صغيرها، فيما أخرجه مسلم عن جدامة بنت وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت فى الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئاً» فلم ينه عن الغيلة.
ويجب على الإنسان أن يشكر صاحب الفكرة التى أنقذته من العناء، أو التى أخذت بيده إلى الرفاه، أو التى فتحت له آفاق الأمل؛ لعموم قوله تعالى: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ» (إبراهيم: 7)، وأخرج أحمد عن أبى سعيد الخدرى وأخرجه الترمذى عن أبى هريرة بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله». وأخرجه أحمد وأبوداود بسند صحيح عن أبى هريرة، بلفظ: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».
ولنا أن نسترجع مئات الأفكار التى عشنا فى خيرها اليوم كم لأصحابها علينا من فضل، ومن ذلك فكرة الدستور فى ذاتها التى أحدثت توافقاً مجتمعياً، أو فكرة سيادة القانون التى كانت بداية للعدالة الإنسانية، أو فكرة الجنسية التى كانت أول معانى المواطنة، أو فكرة النظام الانتخابى التى أظهرت حقوق المساواة الإنسانية وألغت سيطرة أصحاب الطبقات الذين وصفوا أنفسهم بأهل الحل والعقد، أو فكرة إلغاء الرق التى هى بداية للارتقاء بالكرامة الإنسانية، وغيرها كثير من الأفكار الفارقة فى تاريخ الحضارة الإنسانية المعاصرة.
صحيح ليست هذه هى الأفكار البشرية الأولى لصالح الإنسانية، فقد سبقتها أفكار منها الحسن ومنها دون ذلك محفوظة فى التاريخ بأسماء أصحابها، ومن ذلك بعد الرسل عليهم السلام فكرة نظام البيعة التى نادى بها عمر بن الخطاب فى خلافة أبى بكر، وفكرة نظام الاستخلاف التى جاء بها أبوبكر فى إمارة عمر، وفكرة نظام الدواوين التى اقتبسها عمر من الفرس، وفكرة نظام توريث الحكم التى جاء بها معاوية بن أبى سفيان، وفكرة نظام الثورة التى قام بها العباسيون على الأمويين، وفكرة نظام توحيد القضاء بتوحيد مذهب القضاة التى جاء بها العثمانيون، وغيرها من الأفكار كثير مما صار اليوم تراثاً لا يكفى لمتطلبات العصر الذى عرف أهله ما يناسبهم مما ذكرنا بعضه، ويطور الأبناء بعضه الآخر فى جيل جديد من الأفكار مثل ما يعرف اليوم بالعدالة الاجتماعية التى هى تطوير لجانب من العدالة الإنسانية، وتسعى تلك العدالة الاجتماعية لكفالة الأغنياء للفقراء فى حوائجهم الأصلية دون الاكتفاء بسقف الزكاة، وإلى مشاركة المواطنين فى النفقات العامة بحسب دخولهم فى نظام ضريبى محكم. ومن هذا الجيل من الأفكار التطويرية ما يعرف بالعدالة الوطنية التى هى تطوير لمعنى المواطنة بما يحقق المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة، وفقاً لضوابط موضوعية عامة.
ومن هذا المنطلق فى سباق الأفكار البناءة فإننى أرى ضرورة دراسة ما يمكن تسميته بالعدالة الدينية كفكرة تحفظ لكل مصرى حقه الدينى، وتقتلع أفكار الإرهابيين المتاجرين باسم الدين وباسم الشريعة، وأرجو من الله التوفيق فى بيان ذلك قريباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.