سعر الريال السعودي بالبنوك اليوم الاثنين 29-4-2024 في البنوك    أسعار الخضروات في سوق العبور اليوم.. «الطماطم تبدأ ب3.5 جنيه»    للتسهيل علي المواطنين ..وزارة العمل تستعد لرقمنة خدماتها    رئيس شركة العاصمة الإدارية يستعرض أكبر مشروعات المدينة أمام نائب رئيس مجلس الوزراء البحرينى    طلب إحاطة حول دور وزارة الصناعة في جذب الاستثمارات الأفريقية    الجيش الأمريكي يشتبك مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر    مساع إسرائيلية وأمريكية لمنع اعتقال نتنياهو.. كيف تفعلها؟    السعودية تصدر بيانًا بشأن حادث مطار الملك خالد الدولي    بسبب الأعاصير.. مقتل 4 أشخاص في ولاية أوكلاهوما الأمريكية    قطر توضح حقيقة دعمها للمظاهرات المناهضة لإسرائيل ماليا    رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    طائرات جيش الاحتلال تهاجم مباني تابعة لحزب الله في جنوب لبنان    مباريات اليوم.. مواجهة في الدوري المصري.. وبرشلونة يلتقي مع فالنسيا    سيراميكا أمل فاركو للهروب من قاع الدوري المصري    بفرمان من الخطيب.. كواليس توقيع عقوبة قاسية على السولية والشحات.. فيديو    صباحك أوروبي.. كواليس جديدة بين صلاح وكلوب.. دفعة معنوية لريال مدريد.. ومستقبل رويس    حرارة شديدة.. الأرصاد تكشف حالة طقس اليوم    إصابة 4 أبناء عمومة بينهم سيدتان في مشاجرة بسوهاج    نمو مبيعات التجزئة في كوريا الجنوبية بنسبة 9ر10% خلال الشهر الماضي    قبل انطلاق عرضه، كل ما تريد معرفته عن مسلسل فرسان قريح    أحمد المرسي بعد فوز باسم خندقجى بجائزة البوكر: فوز مستحق لرواية رائعة    لأول مرة تتحدث عن طلاقها.. طرح البرومو الرسمي لحلقة ياسمين عبدالعزيز في برنامج صاحبة السعادة    اليوم.. انطلاق الدورة ال 33 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب    اليوم.. اجتماع «عربي – أمريكي» لبحث وقف الحرب في غزة    تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية الإثنين 29 أبريل 2024    صحة قنا: خروج 9 مصابين بعد تلقيهم العلاج في واقعة تسرب غاز الكلور    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    عمر عبد الحليم ل«بين السطور»: فيلم «السرب» أثر في وجداني ولن أنساه طيلة حياتي    أدعية للحفظ من الحسد وفك الكرب والهم.. رددها لتحصين نفسك    شبانة: الزمالك يحتاج للتتويج ببطولة تشعر لاعبيه بجماهيرية النادي وحجم الانتصارات    أسماء.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا الجمعة المقبل    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 إبريل 2024 بالمصانع بعد التحديث الأخير    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    «ايه تاريخك مع الزمالك».. ميدو يهاجم مصطفى شلبي    ميدو: هذا المهاجم أكثر لاعب تعرض للظلم في الزمالك    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    وزير الاتصالات: نعمل على زيادة سرعة الإنترنت وتثبيتها وتقوية شبكات المحمول    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    الاستعداد للعريس السماوي أبرز احتفالات الرهبان    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمهيد للعدالة الدينية
نشر في الوطن يوم 21 - 05 - 2015

تحيا الدول بالأفكار السوية، وترتقى حضارات الإنسان بإبداعاته الفكرية، ولذلك نزلت الكتب السماوية فى صورة «هدى» وليست فى صورة «قانون، أو تعليمات»، حتى يستطيع الإنسان فى كل عصر أن يستنبط من هذا الهدى قانونه الذى يناسبه زماناً ومكاناً، وتعليماته التى تلائمه وضعاً وحالاً. يخطئ من يرى القرآن الكريم دستوراً أو قانوناً، وكأنه يتهم الله عز وجل -وحاشاه سبحانه- أن يصف القرآن بغير حقيقته عندما قال: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» (البقرة: 2)، وقال سبحانه: «قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى» (الأنعام: 71)، وقال جل شأنه: «وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأعراف: 52). وكما وصف الله تعالى القرآن بأنه «هدى» وليس دستوراً أو قانوناً أو تعليمات وصف التوراة والإنجيل كذلك بالهدى فقال سبحانه: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِى الْأَلْبَابِ» (غافر: 53-54)، وقال سبحانه: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ» (المائدة: 44)، وقال تعالى: «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ» (المائدة: 46).
وكأن الله عز وجل يقول للإنسان إن كلام الله المقدس فى «التوراة والإنجيل والقرآن» ينير الطرق الفكرية للإنسان ليتخذ قراره بنفسه حتى يتحمل مسئوليته يوم الحساب، كما تنير الشمس الطرق الحسية للإنسان فى الأرض فيتخذ قراره فى السير أو التوقف أو التعامل مع العقبات. وبهذا يكون القرآن الكريم وكلام الله المقدس قد نزل بصفة الهدى لتمكين الإنسان فى كل عصر أن يضع دستوره وقوانينه التى تناسبه فى إدارة الحياة، وتأخذ بالإنسانية إلى الإعمار والحضارة بحكم الطبيعة المخلوقة؛ كما قال سبحانه: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: 61)، أى جعلكم أيها البشر بكل مللكم وأديانكم عمّارها وبانيها.
وأما فى الأحكام العبادية والشعائر الدينية التى يخصها الإنسان لربه سبحانه كالصلاة والصيام والزكاة والحج فهى بحسب أوضاعها التوقيفية، والتى لا تقتصر مرجعيتها فى تفاصيلها على كلام الله المقدس، وإنما يرجع أيضاً إلى روايات نبوية وموروثات تاريخية تلقى قبولاً عند المتدينين؛ لأنهم أصحاب الشأن فى الإيمان الذى لا يمس حقوق الآخرين.
وإذا ثبت أن القرآن الكريم وكلام الله المقدس قد نزل بصفة الهدى لتمكين الإنسان فى شئون حياته من وضع دستوره وقوانينه التى تناسبه، فإن اللبنة الأولى للدستور أو القانون هى الفكرة البناءة، ولذلك كثرت الآيات القرآنية التى تدعو الإنسان إلى إعمال فكره وعقله، ومن ذلك قوله تعالى: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (الأعراف: 176)، وقوله سبحانه: «كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (يونس: 24)، وقوله سبحانه: «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الرعد: 3)، وقوله سبحانه: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (النحل: 44)، وغيره كثير. كما ورد فى الأحاديث النبوية بيان فضل الاجتهاد بالفكرة فيما أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». وأخرج مسلم عن جرير بن عبدالله البجلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شىء».
ويحصل الإنسان على أجر الفكرة البناءة بابتكارها من عدم، أو بتطوير الفكرة القديمة إلى الأحدث، وهو ما يعرف بالاقتباس، أو حتى باستيراد الفكرة من الخارج؛ لما أخرجه أحمد عن بريدة، والترمذى عن أنس بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدال على الخير كفاعله»، وأخرجه أبوداود بسند صحيح عن أبى مسعود الأنصارى بلفظ: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله».
وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من فكر الروم وفارس فى حكم الغيلة، وهى منع الزوج من لقاء زوجته وهى حامل أو وهى ترضع صغيرها، فيما أخرجه مسلم عن جدامة بنت وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت فى الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئاً» فلم ينه عن الغيلة.
ويجب على الإنسان أن يشكر صاحب الفكرة التى أنقذته من العناء، أو التى أخذت بيده إلى الرفاه، أو التى فتحت له آفاق الأمل؛ لعموم قوله تعالى: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ» (إبراهيم: 7)، وأخرج أحمد عن أبى سعيد الخدرى وأخرجه الترمذى عن أبى هريرة بسند صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله». وأخرجه أحمد وأبوداود بسند صحيح عن أبى هريرة، بلفظ: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».
ولنا أن نسترجع مئات الأفكار التى عشنا فى خيرها اليوم كم لأصحابها علينا من فضل، ومن ذلك فكرة الدستور فى ذاتها التى أحدثت توافقاً مجتمعياً، أو فكرة سيادة القانون التى كانت بداية للعدالة الإنسانية، أو فكرة الجنسية التى كانت أول معانى المواطنة، أو فكرة النظام الانتخابى التى أظهرت حقوق المساواة الإنسانية وألغت سيطرة أصحاب الطبقات الذين وصفوا أنفسهم بأهل الحل والعقد، أو فكرة إلغاء الرق التى هى بداية للارتقاء بالكرامة الإنسانية، وغيرها كثير من الأفكار الفارقة فى تاريخ الحضارة الإنسانية المعاصرة.
صحيح ليست هذه هى الأفكار البشرية الأولى لصالح الإنسانية، فقد سبقتها أفكار منها الحسن ومنها دون ذلك محفوظة فى التاريخ بأسماء أصحابها، ومن ذلك بعد الرسل عليهم السلام فكرة نظام البيعة التى نادى بها عمر بن الخطاب فى خلافة أبى بكر، وفكرة نظام الاستخلاف التى جاء بها أبوبكر فى إمارة عمر، وفكرة نظام الدواوين التى اقتبسها عمر من الفرس، وفكرة نظام توريث الحكم التى جاء بها معاوية بن أبى سفيان، وفكرة نظام الثورة التى قام بها العباسيون على الأمويين، وفكرة نظام توحيد القضاء بتوحيد مذهب القضاة التى جاء بها العثمانيون، وغيرها من الأفكار كثير مما صار اليوم تراثاً لا يكفى لمتطلبات العصر الذى عرف أهله ما يناسبهم مما ذكرنا بعضه، ويطور الأبناء بعضه الآخر فى جيل جديد من الأفكار مثل ما يعرف اليوم بالعدالة الاجتماعية التى هى تطوير لجانب من العدالة الإنسانية، وتسعى تلك العدالة الاجتماعية لكفالة الأغنياء للفقراء فى حوائجهم الأصلية دون الاكتفاء بسقف الزكاة، وإلى مشاركة المواطنين فى النفقات العامة بحسب دخولهم فى نظام ضريبى محكم. ومن هذا الجيل من الأفكار التطويرية ما يعرف بالعدالة الوطنية التى هى تطوير لمعنى المواطنة بما يحقق المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة، وفقاً لضوابط موضوعية عامة.
ومن هذا المنطلق فى سباق الأفكار البناءة فإننى أرى ضرورة دراسة ما يمكن تسميته بالعدالة الدينية كفكرة تحفظ لكل مصرى حقه الدينى، وتقتلع أفكار الإرهابيين المتاجرين باسم الدين وباسم الشريعة، وأرجو من الله التوفيق فى بيان ذلك قريباً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.