موعد ومكان تشييع جثمان وزير النقل السابق هشام عرفات    إعلان الفرق الفائزة بختام هاكثون البيئة الذكية بجامعة المنصورة    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًا للمستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    رئيس هيئة الأنفاق: الرحلة من المهندسين إلى الأهرام تستغرق 20 دقيقة    أرشيف الأخبار | قمة «أنشاص».. سر إطلاق الجامعة العربية على «بيت العرب»    مصطفى شلبي يشارك في جزء من مران الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    تعليم القاهرة تبدأ استعدادات امتحانات الشهادة الإعدادية 2024    محسن أحمد ضيف إيمان أبو طالب في "بالخط العريض"    محو الذاكرة فى العقل الفارغ    وفاة هشام عرفات وزير النقل السابق بعد صراع مع المرض    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    كوارث النقل الذكى!!    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    طبيب مصرى محترم    ياسمين عبد العزيز بفستان زفاف في أحدث ظهور.. ما السر؟    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    مباشر الدوري المصري - بيراميدز (0)-(0) سيراميكا.. بداية اللقاء    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    اعرف قبل الحج.. حكم الاقتراض لتأدية فريضة الحج    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    صحة المرأة بأسيوط تعلن تركيب اللولب بالمجان أثناء الولادة القيصرية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    ملك قورة تعلن الانتهاء من تصوير فيلم جوازة توكسيك.. «فركش مبروك علينا»    الصورة الأولى لأمير المصري في دور نسيم حميد من فيلم Giant    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    موعد بدء إجازة عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    6 يوليو.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمركز التعلم المدمج ببني سويف    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    مصادر فلسطينية: انسحاب القوات الإسرائيلية من حي الزيتون جنوب غزة    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    الداخلية: سحب 1539 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة التوحيد وإسلام الأمم السابقة
نشر في الوطن يوم 18 - 12 - 2014

الإسلام هو دين الله الذى أرسل به جميع رسله إلى البشرية برسالة التوحيد وشرائع متدرجة بلغت كمالها وتمامها بخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويرجع اسم الإسلام إلى تسليم مقاليد الأمور إلى الله تعالى بوحدانيته كما قال تعالى: «بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 112)، وقال تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً» (النساء: 125)، وقال تعالى: «فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للهِ» (آل عمران: 20). وإسلام الوجه لله لا يتحقق إلا بإقرار التوحيد له سبحانه، ومن هنا كانت دعوة جميع الرسل والأنبياء كما قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء: 25).
ويجب تسمية كل دين نزل من السماء على أحد رسل الله صلوات الله عليهم بأنه دين الإسلام؛ لقوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» (آل عمران: 19)، وقوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (آل عمران: 85). ولذلك كان أمر الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو المنحرفين من أهل الكتاب إلى العود لأصل الإسلام وهو توحيد الله سبحانه حتى يكونوا مسلمين، فقال سبحانه: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران: 64)، وإعمالاً لمفهوم المخالفة الذى يراه الجمهور حجة أنهم إن استجابوا لتوحيد الله فقد صاروا فى نظرنا مسلمين إلا أنه إسلام دون إسلام؛ لأن النقص ليس كالكمال، وكما أن الكفر يحتمل ما دونه فكذلك الإسلام يحتمل ما دونه.
وقد أتى الإسلام الخاتم الذى جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فى صورة لبنة الكمال لدين الإسلام من قبله كما قال تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (المائدة: 3)، ولا يجوز وصف الإسلام الخاتم بأنه دين من جنس آخر غير جنس الإسلام الذى جاء به الرسل السابقون كما قال تعالى: «قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ» (الأحقاف: 9)، وقال سبحانه: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» (الأنعام: 90)، وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلَّا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».
ولم يتحرج سيدنا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أن يتواصل مع ما يطمئن إليه قلبه من شرائع السابقين فيما لم يؤمر فيه بشىء آخر؛ لاتحاد جنس الدين وهو الإسلام، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء»، وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد»، كما أخرج الشيخان عن ابن عباس أنه لما قدم النبى إلى المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بنى إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. فقال صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه.وعندما احتاج النبى صلى الله عليه وسلم إلى معرفة حكم الغيلة وهى لقاء الزوجة الحامل، أو لقاء الزوجة فى سنتى الرضاعة لطفلها، استأنس بفعل أهل الأمم السابقة وكان فى مكنته أن يسأل الوحى الذى ينزل عليه، فقد أخرج مسلم عن جدامة بنت وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت فى الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً»، فلم يَنْهَ عن الغيلة. وعندما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وجد اليهود تتعامل بالسلف، وهو بيع السلعة بثمن مقدم قبل تسليمها بعام أو أكثر، وهو يخالف ما كان قد نهى عنه حكيم بن حزام عندما قال يا رسول الله: يأتينى الرجل يسألنى من البيع ما ليس عندى أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك» (أخرجه أحمد والترمذى وأبوداود وابن ماجة بسند صحيح)، فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة التى كان يسكنها كثير من اليهود وجدهم يسلفون بالتمر، وفى رواية يسلفون فى الثمار السنتين والثلاث، فقال: «من أسلف فى شىء ففى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» (أخرجه الشيخان عن ابن عباس).
وإذا ثبت أن دين السماء من يوم أن نزل على أول رسل الله للبشرية إلى أن تم كماله على خاتم رسل الله، صلوات الله عليهم، اسمه الإسلام فالواجب أن يوصف المؤمنون به بوصف المسلمين كما ورد فى القرآن الكريم عن السابقين واللاحقين كما يلى:
(1) قال تعالى عن نوح عليه السلام: «فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (يونس: 72).
(2) وقال تعالى عن إبراهيم وبنيه، عليهم السلام: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إَِلَهاً وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة: 131-133).
(3) وقال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل، عليها السلام: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ» (البقرة: 127-128).
(4) وقال تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» (الأنعام: 162-163)، وقال تعالى: «قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ» (الزمر: 11-12).
(5) وقال تعالى عن المؤمنين بالدين الخاتم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (آل عمران: 102).
وقد أجمع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم على أن الإسلام الخاتم الذى جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقوم على أركان أولها النطق بالشهادتين «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولا تغنى إحداهما عن الأخرى، مما يجعل كل بيان أو تصريح بهذا الشأن مهما كانت جهة إصداره ما هو إلا تحصيل حاصل أو تعريف بالمعرّف. ويستدل المسلمون على ذلك بآيات كثيرة منها قوله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ» (البقرة: 285)، وقوله تعالى: «وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً» (الفتح: 13)، وحديث الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «بُنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله»، وعند البخارى بلفظ: «إيمان بالله ورسوله». الحديث. ويستدل غير المسلمين على ركن الشهادتين للمسلمين فى الدين الخاتم بواقعهم فى الدنيا أنهم آمنوا برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع توحيدهم لله. إذن قضية الشهادتين «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ليست محل نزاع، فهى أول أركان الإسلام الخاتم شرعاً وعقلاً، وليست محل تشكيك كما يحاول البعض أن يتاجر بها لإثارة الفتنة والوقيعة بين عوام الناس.
إنما القضية التى طمسها الخطاب الدينى الوصائى هى وصف المؤمنين بالتوحيد على ملة أحد الرسل السابقين كموسى وعيسى عليهما السلام إلى قيام الساعة بأنهم مسلمون أو غير مسلمين؟ على ثلاثة اتجاهات فقهية حكاها الإمام جلال الدين السيوطى، المتوفى 911 ه، فى كتابه «الحاوى للفتاوى»، ووصف من ينكر هذا الخلاف فى تلك المسألة بالجهل بنصوص العلماء وأقوالهم، ونقل الإمام ابن حجر الهيتمى، المتوفى 974 ه، فى كتابه «الفتاوى الحديثية» عن السيوطى الخلاف فى المسألة. وكان الإمام ابن تيمية، المتوفى 728 ه، قد جمع بين قولى الفقهاء من قبله فى اتجاه فقهى انفرد به فى كتابه «مجموع الفتاوى». وأوجزت «الموسوعة الفقهية» الصادرة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية تلك الاتجاهات الثلاثة فى مصطلح «إسلام». ونذكر تلك الاتجاهات وفقاً لمنهج الأمانة العلمية فيما يلى:
(1) يرى فريق من الفقهاء، وانتصر له الإمام السيوطى، ت 911 ه، أن وصف المسلم ليس إلا للأنبياء السابقين دون أتباعهم، ثم لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وأمته تشريفاً لها وتكريماً، وذكروا لذلك أدلة منها قوله تعالى: «مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ» (الحج: 78). قالوا: إن الضمير فى قوله تعالى «هو سماكم» يرجع إلى إبراهيم الذى سأل الله تعالى هو وابنه إسماعيل أن يجعل من ذريته أمة مسلمة فى قوله تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ» (البقرة: 127-128). قالوا: فكانت هذه الأمة الخاتمة ببركة دعائهم: «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ» (البقرة: 129).
(2) ويرى فريق آخر من الفقهاء، وانتصر له ابن الصلاح، ت 643 ه، أن وصف المسلم إذا ثبت للرسل السابقين فيجب جريان هذا الوصف على أتباعهم؛ عملاً بالقاعدة الأصولية «التابع تابع»، ولأن الدين الذى جاء به جميع الرسل هو الإسلام كما قال تعالى: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (الشورى: 13)، وقوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» (الأنعام: 90).
(3) والاتجاه الثالث الذى انفرد به ابن تيمية، ت 728 ه، هو الجمع بين الاتجاهين السابقين المعروفين فى عصره. حيث يرى أن الاختلاف فى هذه المسألة هو اختلاف لفظى، بمعنى أن من قال بوصف الأمم السابقة بأنهم مسلمون لا يقصد مساواتهم بالمسلمين فى الدين الخاتم، فإسلامهم دون إسلام، ومن لم يرضَ بوصف الأمم السابقة بالمسلمين لا يقصد مساواتهم بالكفار فكفرهم دون كفر. ومن هنا انطلق ابن تيمية إلى رؤيته الفقهية الجامعة بين القولين فقال: إن للإسلام إطلاقين خاص وعام. أما الإطلاق الخاص فهو الذى بعث الله به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن، وأما الإطلاق العام فهو المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً فإنه إسلام كل أمة متبعة لنبى من الأنبياء كما قال تعالى: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» (النحل: 36).
والعجب من أمر المصادرين على هذا الفقه وتلك التعددية التى استوعبها السابقون أمثال ابن الصلاح، ت 643 ه، وابن تيمية، ت 728 ه، والسيوطى، ت 911 ه، وابن حجر الهيتمى، ت 974 ه. وكان المنطق كلما تطورت حضارة الإنسان أن تجد استيعاباً أكثر للقواسم المشتركة مع الآخر، إلا أننا نجد فى ظل الخطاب الدينى الوصائى رفضاً لكلام الأئمة السابقين ومحاولة لتأويل بعض ألفاظهم على أن المقصود بالأمم السابقة ما كان فى أزمنتهم قبل بعثة النبى محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتدمير فكرة التعددية الفقهية وحتى تظل العصبية الدينية متأججة بين الناس، وكأن هؤلاء الأوصياء هم مصدر الفهم والتفسير للبشرية، ويجب على أصحاب العقول والأفهام أن يعطلوها تقديساً لهؤلاء الأوصياء الذين أعلنوا احتكار الدين وعلومه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن إيمان المرء لا يكتمل إلا إذا استقل بقلبه ونيته وعقله وفهمه عن قلوب ونوايا وعقول وأفهام الآخرين، كما قال تعالى: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًاً. قْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (الإسراء: 13-15)، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد فيما أخرجه أحمد بإسناد حسن: «استفتِ نفسك استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». فعلى الأوصياء أن يمتنعوا حتى يصح دين الناس، وعلى الناس أن يستوعبوا بأنفسهم لأن أحداً لن يغنى عنهم من الله شيئاً.
وحتى لا يغتر أحد بكلام الأوصياء فإننى سأنقل حرفياً ما ورد فى أربعة مراجع معتمدة فى هذه المسألة لإبراء ذمتنا أمام الله تعالى، وحتى يعود من أراد الله له الهداية من هؤلاء الأوصياء إلى رشده.
(1) يقول ابن تيمية فى «مجموع الفتاوى»، ج3، ص 94، ما نصه: «قد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟ وهو نزاع لفظى، فإن الإسلام الخاص الذى بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا. وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبى من الأنبياء. ورأس الإسلام مطلقاً شهادة «أن لا إله إلا الله» وبها بُعث جميع الرسل».
(2) ويقول السيوطى فى «الحاوى للفتاوى»، ج2، ص 109، ما نصه: «قد وقع السؤال: هل كان الأمم السابقة يوصفون بأنهم مسلمون أو لا؟ فأجبت بما نصه: اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على كل دين حق أو يختص بهذه الملة الشريفة؟ على قولين أرجحهما الثانى، فبلغنى بعد ذلك أن منكراً أنكر ذلك وأنه استدل بأشياء على كون الأمم السابقة يوصفون بأنهم مسلمون فعجبت من ذلك عجبين. الأول من إنكاره، فإن كان أنكر أن للعلماء فى ذلك قولين فهذا دليل على جهله بنصوص العلماء وأقوالهم.. والعجب الثانى من استدلاله..».
(3) ويقول ابن حجر الهيتمى فى «الفتاوى الحديثية»، وهو جزء واحد (ص 126) ما نصه: «سئل نفع الله به بما لفظه: اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على سائر الملل السابقة حين حقيقتها أو يختص بهذه الأمة، فما الراجح فى ذلك؟ فأجاب بقوله: رجح ابن الصلاح الأول، وسيأتى ما يصرح به من لفظ القرآن، ورجح غيره الثانى وهو أنه لا يوصف به أحد من الأمم السابقة سوى الأنبياء فقط، وشرفت هذه الأمة بأن وصفت بما يوصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً. واستدل الحافظ السيوطى على رجحان الثانى بأمور مبسوطة».
(4) وجاء فى «الموسوعة الفقهية» الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية سنة 1993 م، ج 4، ص 260، مصطلح «إسلام» تحت عنوان: «إطلاق الإسلام على ملل الأنبياء السابقين وأتباعهم»: «اختلف علماء الإسلام فى ذلك، فبعضهم يرى أن الإسلام يطلق على الملل السابقة.. ويرى آخرون أنه لم توصف به الأمم السابقة وإنما وصف به الأنبياء فقط وشرفت هذه الأمة بأن وصفت بما وصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً.. وقال الإمام ابن تيمية: وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟ فالإسلام الحاضر الذى بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا. وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً فإنه إسلام كل أمة متبعة لنبى من الأنبياء».
بقى أن نقول لأوصياء الفهم والتأويل: من أين جئتم بأن مقصود الفقهاء فى ذكر الخلاف السابق كان مقصوراً على الأمم السابقة فى أزمنتها، هل من قول ابن حجر الهيتمى «الملل السابقة حين حقيقتها»؟ لو عاودتم القراءة والفهم ربما تقتنعون بأن المقصود منه هو حين ظهورها أو حين تحققها فى دنيا الناس، وهذا ما استوعبته لجنة الموسوعة الفقهية الكويتية وهم من كبار الفقهاء، ولذلك وضعوا عنوانهم «إطلاق الإسلام على ملل الأنبياء السابقين وأتباعهم»، فما معنى الأتباع إلا أنهم المتبعون إلى قيام الساعة. ثم إن ابن حجر الهيتمى، ت 974 ه، قد أخذ عن الحافظ السيوطى، ت 911 ه، وعبارة الحافظ السيوطى لم تشتمل على عبارة «حين حقيقتها» وإنما قال: «اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على كل دين حق أو يختص بهذه الملة الشريفة»، وهذا يدل على عدم التقييد بزمن ما قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأخيراً فإن كلام ابن تيمية، ت 728 ه، فى تقسيم لفظ الإسلام إلى عام وخاص قد حل إشكالية الاختلاف، فجعل الإسلام بالإطلاق العام لكل أمة متبعة لنبى من الأنبياء، وجعل الإسلام بالإطلاق الخاص لأمة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
وقد يشاغب البعض بأنه قد ورد فى القرآن الكريم ما يدل على كفر أهل الملل السابقة لتحريفهم فيها، ومن ذلك قوله تعالى: «لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» (المائدة: 17- والمائدة: 72)، وقوله تعالى: «لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» (المائدة: 73)، وقوله تعالى: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (التوبة: 30).
والجواب عن هذا الشغب هو أن الكفر ثابت فى مورده لا يتعداه، فمن قال هذا القول المنكر فقد قال قولاً كفرياً، ويوصف بالكفر فى محل قوله هذا لا ينسحب إلى غيره، ولذلك يرى الإمام نظام الدين النيسابورى، ت850 ه، فى «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» أن الإيمان أساس الحسنات، والكفر أساس السيئات. ويترتب على ذلك أن تكون اللبنة الأولى للإيمان هى الحسنة واللبنة الأولى للكفر هى السيئة، ولا تضيع حسنة بكفر فى غيرها كما لا تضيع سيئة بإيمان فى غيرها. وهذا بالتأكيد يختلف عن نظر ابن تيمية، ت 728 ه، الذى يرى أن الكفر يحبط جميع الحسنات، كما أن التوبة تحبط جميع السيئات، وقد صرح بذلك فى بعض كتبه ومنها «أسباب رفع العقوبة» و«الإيمان الأوسط». والعجب الذى يجب التنبيه إليه هو أن المسلمين فى الدين الخاتم جميعهم يدعون بالرحمة فى صلاتهم لأتباع الملل السماوية السابقة، ثم يأتى بعضهم فيمنعهم من صفة الإسلام، فهل هو يردد الدعاء دون وعى أم أنه يعمد إلى الدعاء بالرحمة للكافرين فى نظره؟ إننا نقول فى تشهدنا فى الصلاة ما أخرجه الشيخان عن كعب بن عجرة، أنهم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلى عليك؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». والآل هم الأهل والأتباع، فيشمل ذلك أتباع موسى وعيسى عليهما السلام، ولا يقال إن الأتباع لآل إبراهيم يقفون عند بعثة النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأصل العموم إلا إذا وُجد دليل قاطع، ولا يوجد. بل إن من لم تبلغه دعوة النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم -وهم كثر- ولا يزال على ملة موسى أو عيسى عليهما السلام فإنه لا يزال على دين حق. وفى حكمه من بلغته الدعوة الخاتمة على يد المنفرين حتى تشكك فى صدقها لسوء العرض وليس لمجرد العناد أو الجحود.
إن أوصياء الدين يهدفون إلى تجذير الشقاق والفُرقة بين بنى البشر الموحدين بالله والمؤمنين بشريعة سماوية؛ لاستمرار اشتعال نار الفتنة والعصبية الدينية، مع أن الله تعالى قد أمر كل أمة بتحكيم كتابها السماوى فى نطاق الاستطاعة البشرية، ولا يكون هذا إلا بأن نعترف بأنهم على الإسلام بالمعنى العام لأن الله تعالى لا يأمر بدين إلا الإسلام، وأيضاً أن نعتقد بأن اتباعهم للتوراة والإنجيل ليس منة من أهل الإسلام الخاتم عليهم، وإنما هو حق سماوى كحقنا فى الإيمان بالقرآن الكريم وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، من دون تدخل أحد فى شأن غيره لوقف تبادل اتهامات التحريف والتكفير فيما يتعلق بحق الله الذى يفصل بين الجميع يوم القيامة، وذلك فى آيات متتابعة فى سورة المائدة كما يلى:
(1) قال تعالى عن التوراة وأهلها: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهَ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» (المائدة: 44).
(2) وقال تعالى عن الإنجيل وأهله: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (المائدة: 47).
(3) وقال تعالى عن القرآن وأهله: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة: 48).
وكل هذا يؤكد أنه يجب على الناس جميعاً أن يرفعوا أيديهم عن أمر الدين إلا على أنفسهم بحسب قناعة كل إنسان بقلبه وثقته فى نفسه، وما على أحدهم تجاه الآخرين إلا النصيحة بضوابضها اللائقة؛ حتى يكون الدين لله كما أمر فى قوله سبحانه: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ» (الأنفال: 39)، وما كان لله فى الأرض فهو لكل بنى آدم بالسوية، كما تقول إن هذا الطريق ملك للحكومة، وتقصد أن لكل مواطن فيه حقاً مثل الآخر. وأما فرض البعض نفسه على الآخرين وصياً دينياً فهذا ينازع الله تعالى فى سلطانه، ويعصى الله تعالى فى أمره. أما منازعته لله فلأن الله تعالى جعل الفصل فى الأديان له، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17). وأما معصيته لله فلأن الله سبحانه أمر المؤمنين به أن يلزموا حدودهم عند أنفسهم وألا يتدخلوا فى شئون غيرهم الذاتية ومنها الدين، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (المائدة: 105).
إن العقبة الكئود أمام طاعة الناس وتلبيتها لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13) هى أوصياء الدين الذين يفرضون أنفسهم بفضولية لاحتكار الدين واحتكار تفسير نصوصه على الوجه الذى يقنعهم ولو كان مخالفاً لقناعات الآخرين. ليس أمامنا إلا احترام عقولنا لأنفسنا، وأفهامنا لذواتنا حتى لا نفقد احترام أنفسنا لأشخاصنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.