تجديد الثقة في الدكتور محمد أبو السعد وكيلًا لصحة كفر الشيخ    الغربية تستجيب لمطالب أولياء الأمور وتُخفض الحد الأدنى للقبول بالثانوي العام    محافظ الجيزة يوجه بإنهاء أعمال تغيير الكابلات المتضررة بساقية مكي وإعادة التيار الكهربائي في أسرع وقت    وزير السياحة: 22% زيادة في إيرادات السياحة خلال النصف الأول من 2025    رئيس الوزراء يوجه بإجراء مراجعة شاملة لأعمال الصيانة بجميع الطرق    «المنصور للسيارات» تطرح فئة جديدة من «إم جي7 موديل 2026».. وتخفيضات تصل ل 75 ألف جنيه    نتانياهو: "لا أعذار بعد اليوم" في غزة    إنزال جوي لمساعدات من الأردن و الإمارات في غزة    رابطة الأندية تعلن تعديل عقوبة الانسحاب في لائحة الدوري المصري    أحمد دياب يعلن انطلاق الدوري يوم 8 أغسطس وقرعة جديدة للدور الثاني    الأهلي يستأنف تدريباته غدًا استعدادًا للدوري    رسميًا.. موعد مواجهتي مصر ضد إثيوبيا وبوركينا فاسو في تصفيات كأس العالم 2026    سائق ينهي حياته شنقًا داخل منزله في الفيوم    رانيا فريد شوقي في ذكرى رحيل والدها: "27 سنة من غير حضنك.. ولسه بدوّر عليك في كل حاجة"    تجديد الثقة في الدكتور عمرو دويدار وكيلاً لوزارة الصحة بسوهاج    تجديد الثقة بوكيل صحة الإسماعيلية: استقبلت الخبر أثناء زيارتي لزميل بالمجمع الطبي    المغرب.. إخماد حريق بواحة نخيل في إقليم زاكورة    حماس: خطة الاحتلال بشأن الإنزال الجوي إدارة للتجويع لا لإنهائه وتمثل جريمة حرب    بورسعيد تودع "السمعة" أشهر مشجعي النادي المصري في جنازة مهيبة.. فيديو    نتنياهو: نقاتل في قطاع غزة ولدينا قتلى ومصابون    درجات الحرارة تزيد على 45.. توقعات حالة الطقس غدا الاثنين 28 يوليو 2025 في مصر    "تعليم أسوان" يعلن قائمة أوائل الدبلومات الفنية.. صور    الداخلية تضبط 254 قضية مخدرات فى القاهرة والجيزة    إصابة 9 أشخاص إثر انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي الشرقي ببني سويف    تاجيل محاكمه ام يحيى المصري و8 آخرين ب "الخليه العنقوديه بداعش" لسماع أقوال الشهود    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية جنوب نابلس.. وتطلق قنابل صوت تجاه الفلسطينيين    القصة الكاملة لعلاقة وفاء عامر بإبراهيم شيكا.. بدأت بدعم إنساني وانتهت باتهامات صادمة بتجارة الأعضاء    نجوى كرم تتألق في حفلها بإسطنبول.. وتستعد لمهرجان قرطاج الدولي    «فتح»: غزة بلا ملاذ آمن.. الاحتلال يقصف كل مكان والضحية الشعب الفلسطيني    غدًا.. وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان الدورة العاشرة لمعرض الإسكندرية للكتاب    الثلاثاء.. سهرة غنائية لريهام عبدالحكيم وشباب الموسيقى العربية باستاد الإسكندرية الدولي    ارتفاع المؤشر الرئيسى للبورصة بنسبة 1.3% ليغلق أعلى مستوى عند 34500 نقطة    رئيس اقتصادية قناة السويس يستقبل وفدا صينيا لبحث التعاون المشترك    7 عادات صباحية تُسرّع فقدان الوزن    داليا مصطفى تدعم وفاء عامر: "يا جبل ما يهزك ريح"    الدكتور أسامة قابيل: دعاء النبي في الحر تربية إيمانية تذكّرنا بالآخرة    أمين الفتوى: النذر لا يسقط ويجب الوفاء به متى تيسر الحال أو تُخرَج كفارته    "دفاع النواب": حركة الداخلية ضخت دماء جديدة لمواكبة التحديات    بالصور- معاون محافظ أسوان يتابع تجهيزات مقار لجان انتخابات مجلس الشيوخ    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    قرار وزاري بتعيين الدكتور حمودة الجزار وكيلا لوزارة الصحة بالدقهلية    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    وزير البترول يبحث خطط IPIC لصناعة المواسير لزيادة استثماراتها في مصر    «مصر تستحق» «الوطنية للانتخابات» تحث الناخبين على التصويت فى انتخابات الشيوخ    تنسيق الجامعات 2025 .. تعرف علي قائمة ب71 معهدا للشعبة التجارية بدائل للكليات    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    تفاصيل تشاجر 12 شخصا بسبب شقة فى السلام    وزارة الصحة توجة نصائح هامة للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر.. والإدعاء بحِلِّه تضليل وفتح لأبواب الانحراف    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة التوحيد وإسلام الأمم السابقة
نشر في الوطن يوم 18 - 12 - 2014

الإسلام هو دين الله الذى أرسل به جميع رسله إلى البشرية برسالة التوحيد وشرائع متدرجة بلغت كمالها وتمامها بخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويرجع اسم الإسلام إلى تسليم مقاليد الأمور إلى الله تعالى بوحدانيته كما قال تعالى: «بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 112)، وقال تعالى: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً» (النساء: 125)، وقال تعالى: «فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للهِ» (آل عمران: 20). وإسلام الوجه لله لا يتحقق إلا بإقرار التوحيد له سبحانه، ومن هنا كانت دعوة جميع الرسل والأنبياء كما قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» (الأنبياء: 25).
ويجب تسمية كل دين نزل من السماء على أحد رسل الله صلوات الله عليهم بأنه دين الإسلام؛ لقوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» (آل عمران: 19)، وقوله تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (آل عمران: 85). ولذلك كان أمر الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو المنحرفين من أهل الكتاب إلى العود لأصل الإسلام وهو توحيد الله سبحانه حتى يكونوا مسلمين، فقال سبحانه: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران: 64)، وإعمالاً لمفهوم المخالفة الذى يراه الجمهور حجة أنهم إن استجابوا لتوحيد الله فقد صاروا فى نظرنا مسلمين إلا أنه إسلام دون إسلام؛ لأن النقص ليس كالكمال، وكما أن الكفر يحتمل ما دونه فكذلك الإسلام يحتمل ما دونه.
وقد أتى الإسلام الخاتم الذى جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فى صورة لبنة الكمال لدين الإسلام من قبله كما قال تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» (المائدة: 3)، ولا يجوز وصف الإسلام الخاتم بأنه دين من جنس آخر غير جنس الإسلام الذى جاء به الرسل السابقون كما قال تعالى: «قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ» (الأحقاف: 9)، وقال سبحانه: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» (الأنعام: 90)، وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلَّا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».
ولم يتحرج سيدنا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أن يتواصل مع ما يطمئن إليه قلبه من شرائع السابقين فيما لم يؤمر فيه بشىء آخر؛ لاتحاد جنس الدين وهو الإسلام، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء»، وأخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد»، كما أخرج الشيخان عن ابن عباس أنه لما قدم النبى إلى المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بنى إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. فقال صلى الله عليه وسلم: «فأنا أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه.وعندما احتاج النبى صلى الله عليه وسلم إلى معرفة حكم الغيلة وهى لقاء الزوجة الحامل، أو لقاء الزوجة فى سنتى الرضاعة لطفلها، استأنس بفعل أهل الأمم السابقة وكان فى مكنته أن يسأل الوحى الذى ينزل عليه، فقد أخرج مسلم عن جدامة بنت وهب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت فى الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً»، فلم يَنْهَ عن الغيلة. وعندما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وجد اليهود تتعامل بالسلف، وهو بيع السلعة بثمن مقدم قبل تسليمها بعام أو أكثر، وهو يخالف ما كان قد نهى عنه حكيم بن حزام عندما قال يا رسول الله: يأتينى الرجل يسألنى من البيع ما ليس عندى أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك» (أخرجه أحمد والترمذى وأبوداود وابن ماجة بسند صحيح)، فلما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة التى كان يسكنها كثير من اليهود وجدهم يسلفون بالتمر، وفى رواية يسلفون فى الثمار السنتين والثلاث، فقال: «من أسلف فى شىء ففى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» (أخرجه الشيخان عن ابن عباس).
وإذا ثبت أن دين السماء من يوم أن نزل على أول رسل الله للبشرية إلى أن تم كماله على خاتم رسل الله، صلوات الله عليهم، اسمه الإسلام فالواجب أن يوصف المؤمنون به بوصف المسلمين كما ورد فى القرآن الكريم عن السابقين واللاحقين كما يلى:
(1) قال تعالى عن نوح عليه السلام: «فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (يونس: 72).
(2) وقال تعالى عن إبراهيم وبنيه، عليهم السلام: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إَِلَهاً وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة: 131-133).
(3) وقال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل، عليها السلام: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ» (البقرة: 127-128).
(4) وقال تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» (الأنعام: 162-163)، وقال تعالى: «قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ» (الزمر: 11-12).
(5) وقال تعالى عن المؤمنين بالدين الخاتم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (آل عمران: 102).
وقد أجمع أهل الأرض من المسلمين وغيرهم على أن الإسلام الخاتم الذى جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقوم على أركان أولها النطق بالشهادتين «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولا تغنى إحداهما عن الأخرى، مما يجعل كل بيان أو تصريح بهذا الشأن مهما كانت جهة إصداره ما هو إلا تحصيل حاصل أو تعريف بالمعرّف. ويستدل المسلمون على ذلك بآيات كثيرة منها قوله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ» (البقرة: 285)، وقوله تعالى: «وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً» (الفتح: 13)، وحديث الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «بُنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله»، وعند البخارى بلفظ: «إيمان بالله ورسوله». الحديث. ويستدل غير المسلمين على ركن الشهادتين للمسلمين فى الدين الخاتم بواقعهم فى الدنيا أنهم آمنوا برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع توحيدهم لله. إذن قضية الشهادتين «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ليست محل نزاع، فهى أول أركان الإسلام الخاتم شرعاً وعقلاً، وليست محل تشكيك كما يحاول البعض أن يتاجر بها لإثارة الفتنة والوقيعة بين عوام الناس.
إنما القضية التى طمسها الخطاب الدينى الوصائى هى وصف المؤمنين بالتوحيد على ملة أحد الرسل السابقين كموسى وعيسى عليهما السلام إلى قيام الساعة بأنهم مسلمون أو غير مسلمين؟ على ثلاثة اتجاهات فقهية حكاها الإمام جلال الدين السيوطى، المتوفى 911 ه، فى كتابه «الحاوى للفتاوى»، ووصف من ينكر هذا الخلاف فى تلك المسألة بالجهل بنصوص العلماء وأقوالهم، ونقل الإمام ابن حجر الهيتمى، المتوفى 974 ه، فى كتابه «الفتاوى الحديثية» عن السيوطى الخلاف فى المسألة. وكان الإمام ابن تيمية، المتوفى 728 ه، قد جمع بين قولى الفقهاء من قبله فى اتجاه فقهى انفرد به فى كتابه «مجموع الفتاوى». وأوجزت «الموسوعة الفقهية» الصادرة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية تلك الاتجاهات الثلاثة فى مصطلح «إسلام». ونذكر تلك الاتجاهات وفقاً لمنهج الأمانة العلمية فيما يلى:
(1) يرى فريق من الفقهاء، وانتصر له الإمام السيوطى، ت 911 ه، أن وصف المسلم ليس إلا للأنبياء السابقين دون أتباعهم، ثم لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وأمته تشريفاً لها وتكريماً، وذكروا لذلك أدلة منها قوله تعالى: «مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ» (الحج: 78). قالوا: إن الضمير فى قوله تعالى «هو سماكم» يرجع إلى إبراهيم الذى سأل الله تعالى هو وابنه إسماعيل أن يجعل من ذريته أمة مسلمة فى قوله تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ» (البقرة: 127-128). قالوا: فكانت هذه الأمة الخاتمة ببركة دعائهم: «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ» (البقرة: 129).
(2) ويرى فريق آخر من الفقهاء، وانتصر له ابن الصلاح، ت 643 ه، أن وصف المسلم إذا ثبت للرسل السابقين فيجب جريان هذا الوصف على أتباعهم؛ عملاً بالقاعدة الأصولية «التابع تابع»، ولأن الدين الذى جاء به جميع الرسل هو الإسلام كما قال تعالى: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (الشورى: 13)، وقوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ» (الأنعام: 90).
(3) والاتجاه الثالث الذى انفرد به ابن تيمية، ت 728 ه، هو الجمع بين الاتجاهين السابقين المعروفين فى عصره. حيث يرى أن الاختلاف فى هذه المسألة هو اختلاف لفظى، بمعنى أن من قال بوصف الأمم السابقة بأنهم مسلمون لا يقصد مساواتهم بالمسلمين فى الدين الخاتم، فإسلامهم دون إسلام، ومن لم يرضَ بوصف الأمم السابقة بالمسلمين لا يقصد مساواتهم بالكفار فكفرهم دون كفر. ومن هنا انطلق ابن تيمية إلى رؤيته الفقهية الجامعة بين القولين فقال: إن للإسلام إطلاقين خاص وعام. أما الإطلاق الخاص فهو الذى بعث الله به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن، وأما الإطلاق العام فهو المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً فإنه إسلام كل أمة متبعة لنبى من الأنبياء كما قال تعالى: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» (النحل: 36).
والعجب من أمر المصادرين على هذا الفقه وتلك التعددية التى استوعبها السابقون أمثال ابن الصلاح، ت 643 ه، وابن تيمية، ت 728 ه، والسيوطى، ت 911 ه، وابن حجر الهيتمى، ت 974 ه. وكان المنطق كلما تطورت حضارة الإنسان أن تجد استيعاباً أكثر للقواسم المشتركة مع الآخر، إلا أننا نجد فى ظل الخطاب الدينى الوصائى رفضاً لكلام الأئمة السابقين ومحاولة لتأويل بعض ألفاظهم على أن المقصود بالأمم السابقة ما كان فى أزمنتهم قبل بعثة النبى محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتدمير فكرة التعددية الفقهية وحتى تظل العصبية الدينية متأججة بين الناس، وكأن هؤلاء الأوصياء هم مصدر الفهم والتفسير للبشرية، ويجب على أصحاب العقول والأفهام أن يعطلوها تقديساً لهؤلاء الأوصياء الذين أعلنوا احتكار الدين وعلومه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن إيمان المرء لا يكتمل إلا إذا استقل بقلبه ونيته وعقله وفهمه عن قلوب ونوايا وعقول وأفهام الآخرين، كما قال تعالى: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًاً. قْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» (الإسراء: 13-15)، وكما قال النبى صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد فيما أخرجه أحمد بإسناد حسن: «استفتِ نفسك استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». فعلى الأوصياء أن يمتنعوا حتى يصح دين الناس، وعلى الناس أن يستوعبوا بأنفسهم لأن أحداً لن يغنى عنهم من الله شيئاً.
وحتى لا يغتر أحد بكلام الأوصياء فإننى سأنقل حرفياً ما ورد فى أربعة مراجع معتمدة فى هذه المسألة لإبراء ذمتنا أمام الله تعالى، وحتى يعود من أراد الله له الهداية من هؤلاء الأوصياء إلى رشده.
(1) يقول ابن تيمية فى «مجموع الفتاوى»، ج3، ص 94، ما نصه: «قد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟ وهو نزاع لفظى، فإن الإسلام الخاص الذى بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا. وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبى من الأنبياء. ورأس الإسلام مطلقاً شهادة «أن لا إله إلا الله» وبها بُعث جميع الرسل».
(2) ويقول السيوطى فى «الحاوى للفتاوى»، ج2، ص 109، ما نصه: «قد وقع السؤال: هل كان الأمم السابقة يوصفون بأنهم مسلمون أو لا؟ فأجبت بما نصه: اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على كل دين حق أو يختص بهذه الملة الشريفة؟ على قولين أرجحهما الثانى، فبلغنى بعد ذلك أن منكراً أنكر ذلك وأنه استدل بأشياء على كون الأمم السابقة يوصفون بأنهم مسلمون فعجبت من ذلك عجبين. الأول من إنكاره، فإن كان أنكر أن للعلماء فى ذلك قولين فهذا دليل على جهله بنصوص العلماء وأقوالهم.. والعجب الثانى من استدلاله..».
(3) ويقول ابن حجر الهيتمى فى «الفتاوى الحديثية»، وهو جزء واحد (ص 126) ما نصه: «سئل نفع الله به بما لفظه: اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على سائر الملل السابقة حين حقيقتها أو يختص بهذه الأمة، فما الراجح فى ذلك؟ فأجاب بقوله: رجح ابن الصلاح الأول، وسيأتى ما يصرح به من لفظ القرآن، ورجح غيره الثانى وهو أنه لا يوصف به أحد من الأمم السابقة سوى الأنبياء فقط، وشرفت هذه الأمة بأن وصفت بما يوصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً. واستدل الحافظ السيوطى على رجحان الثانى بأمور مبسوطة».
(4) وجاء فى «الموسوعة الفقهية» الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية سنة 1993 م، ج 4، ص 260، مصطلح «إسلام» تحت عنوان: «إطلاق الإسلام على ملل الأنبياء السابقين وأتباعهم»: «اختلف علماء الإسلام فى ذلك، فبعضهم يرى أن الإسلام يطلق على الملل السابقة.. ويرى آخرون أنه لم توصف به الأمم السابقة وإنما وصف به الأنبياء فقط وشرفت هذه الأمة بأن وصفت بما وصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً.. وقال الإمام ابن تيمية: وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا؟ فالإسلام الحاضر الذى بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم المتضمن لشريعة القرآن ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا. وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبياً فإنه إسلام كل أمة متبعة لنبى من الأنبياء».
بقى أن نقول لأوصياء الفهم والتأويل: من أين جئتم بأن مقصود الفقهاء فى ذكر الخلاف السابق كان مقصوراً على الأمم السابقة فى أزمنتها، هل من قول ابن حجر الهيتمى «الملل السابقة حين حقيقتها»؟ لو عاودتم القراءة والفهم ربما تقتنعون بأن المقصود منه هو حين ظهورها أو حين تحققها فى دنيا الناس، وهذا ما استوعبته لجنة الموسوعة الفقهية الكويتية وهم من كبار الفقهاء، ولذلك وضعوا عنوانهم «إطلاق الإسلام على ملل الأنبياء السابقين وأتباعهم»، فما معنى الأتباع إلا أنهم المتبعون إلى قيام الساعة. ثم إن ابن حجر الهيتمى، ت 974 ه، قد أخذ عن الحافظ السيوطى، ت 911 ه، وعبارة الحافظ السيوطى لم تشتمل على عبارة «حين حقيقتها» وإنما قال: «اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على كل دين حق أو يختص بهذه الملة الشريفة»، وهذا يدل على عدم التقييد بزمن ما قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وأخيراً فإن كلام ابن تيمية، ت 728 ه، فى تقسيم لفظ الإسلام إلى عام وخاص قد حل إشكالية الاختلاف، فجعل الإسلام بالإطلاق العام لكل أمة متبعة لنبى من الأنبياء، وجعل الإسلام بالإطلاق الخاص لأمة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
وقد يشاغب البعض بأنه قد ورد فى القرآن الكريم ما يدل على كفر أهل الملل السابقة لتحريفهم فيها، ومن ذلك قوله تعالى: «لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» (المائدة: 17- والمائدة: 72)، وقوله تعالى: «لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» (المائدة: 73)، وقوله تعالى: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (التوبة: 30).
والجواب عن هذا الشغب هو أن الكفر ثابت فى مورده لا يتعداه، فمن قال هذا القول المنكر فقد قال قولاً كفرياً، ويوصف بالكفر فى محل قوله هذا لا ينسحب إلى غيره، ولذلك يرى الإمام نظام الدين النيسابورى، ت850 ه، فى «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» أن الإيمان أساس الحسنات، والكفر أساس السيئات. ويترتب على ذلك أن تكون اللبنة الأولى للإيمان هى الحسنة واللبنة الأولى للكفر هى السيئة، ولا تضيع حسنة بكفر فى غيرها كما لا تضيع سيئة بإيمان فى غيرها. وهذا بالتأكيد يختلف عن نظر ابن تيمية، ت 728 ه، الذى يرى أن الكفر يحبط جميع الحسنات، كما أن التوبة تحبط جميع السيئات، وقد صرح بذلك فى بعض كتبه ومنها «أسباب رفع العقوبة» و«الإيمان الأوسط». والعجب الذى يجب التنبيه إليه هو أن المسلمين فى الدين الخاتم جميعهم يدعون بالرحمة فى صلاتهم لأتباع الملل السماوية السابقة، ثم يأتى بعضهم فيمنعهم من صفة الإسلام، فهل هو يردد الدعاء دون وعى أم أنه يعمد إلى الدعاء بالرحمة للكافرين فى نظره؟ إننا نقول فى تشهدنا فى الصلاة ما أخرجه الشيخان عن كعب بن عجرة، أنهم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلى عليك؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». والآل هم الأهل والأتباع، فيشمل ذلك أتباع موسى وعيسى عليهما السلام، ولا يقال إن الأتباع لآل إبراهيم يقفون عند بعثة النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأصل العموم إلا إذا وُجد دليل قاطع، ولا يوجد. بل إن من لم تبلغه دعوة النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم -وهم كثر- ولا يزال على ملة موسى أو عيسى عليهما السلام فإنه لا يزال على دين حق. وفى حكمه من بلغته الدعوة الخاتمة على يد المنفرين حتى تشكك فى صدقها لسوء العرض وليس لمجرد العناد أو الجحود.
إن أوصياء الدين يهدفون إلى تجذير الشقاق والفُرقة بين بنى البشر الموحدين بالله والمؤمنين بشريعة سماوية؛ لاستمرار اشتعال نار الفتنة والعصبية الدينية، مع أن الله تعالى قد أمر كل أمة بتحكيم كتابها السماوى فى نطاق الاستطاعة البشرية، ولا يكون هذا إلا بأن نعترف بأنهم على الإسلام بالمعنى العام لأن الله تعالى لا يأمر بدين إلا الإسلام، وأيضاً أن نعتقد بأن اتباعهم للتوراة والإنجيل ليس منة من أهل الإسلام الخاتم عليهم، وإنما هو حق سماوى كحقنا فى الإيمان بالقرآن الكريم وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، من دون تدخل أحد فى شأن غيره لوقف تبادل اتهامات التحريف والتكفير فيما يتعلق بحق الله الذى يفصل بين الجميع يوم القيامة، وذلك فى آيات متتابعة فى سورة المائدة كما يلى:
(1) قال تعالى عن التوراة وأهلها: «إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهَ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» (المائدة: 44).
(2) وقال تعالى عن الإنجيل وأهله: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (المائدة: 47).
(3) وقال تعالى عن القرآن وأهله: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة: 48).
وكل هذا يؤكد أنه يجب على الناس جميعاً أن يرفعوا أيديهم عن أمر الدين إلا على أنفسهم بحسب قناعة كل إنسان بقلبه وثقته فى نفسه، وما على أحدهم تجاه الآخرين إلا النصيحة بضوابضها اللائقة؛ حتى يكون الدين لله كما أمر فى قوله سبحانه: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ» (الأنفال: 39)، وما كان لله فى الأرض فهو لكل بنى آدم بالسوية، كما تقول إن هذا الطريق ملك للحكومة، وتقصد أن لكل مواطن فيه حقاً مثل الآخر. وأما فرض البعض نفسه على الآخرين وصياً دينياً فهذا ينازع الله تعالى فى سلطانه، ويعصى الله تعالى فى أمره. أما منازعته لله فلأن الله تعالى جعل الفصل فى الأديان له، فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17). وأما معصيته لله فلأن الله سبحانه أمر المؤمنين به أن يلزموا حدودهم عند أنفسهم وألا يتدخلوا فى شئون غيرهم الذاتية ومنها الدين، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (المائدة: 105).
إن العقبة الكئود أمام طاعة الناس وتلبيتها لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13) هى أوصياء الدين الذين يفرضون أنفسهم بفضولية لاحتكار الدين واحتكار تفسير نصوصه على الوجه الذى يقنعهم ولو كان مخالفاً لقناعات الآخرين. ليس أمامنا إلا احترام عقولنا لأنفسنا، وأفهامنا لذواتنا حتى لا نفقد احترام أنفسنا لأشخاصنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.