انزعج الكثيرون من كلام المستشار محفوظ صابر وزير العدل -وحق لهم أن ينزعجوا- حول تعيين القضاة، حين أشار إلى أنه يرفض تعيين أبناء «الزبالين» فى القضاء لأن الوسط غير مناسب لهم! هاجمه الجميع وأحسوا بقدر كبير من العنصرية فى كلامه، وكانت النتيجة أن تقدم باستقالته إلى رئيس الوزراء، وقبل الأخير الاستقالة، ولم ينسَ «محلب» أن يتحفنا بعبارة لطيفة على هامش هذه الأزمة قال فيها: «ماينفعش أقول أنا خدام الشعب وحد من حكومتى يتكبر عليه».. يدوم العز يا دولة الرئيس! حقيقة الأمر أن الوزير المستقيل لم يقل شيئاً أكثر مما يحدث فى الواقع، وربما كان الفارق بينه وبين غيره أنه امتلك الجرأة على أن يشنف مسامع المصريين بما يعاينونه فى حياتهم ليل نهار من وجود قدر كبير من العنصرية فى التعيين فى المناصب، وخصوصاً المناصب القضائية. لعلك تابعت الأزمة المتعلقة برفض تعيين أكثر من مائة من خريجى الجامعات المصرية كمعاونى نيابة بعد أن تم قبول بعضهم فعلياً واستيفاء كافة الإجراءات المطلوبة، بل وأُدرجت أسماؤهم ضمن الأسماء التى تضمّنها الكشف المرسل إلى وزير العدل، ولكن بعد صدور تشكيل مجلس القضاء الأعلى تم استبعاد هؤلاء دون سبب مقبول أو مبرر سوى أن بعض آبائهم لا يحملون مؤهلاً عالياً، أو بسبب الانتماء إلى أسرة بسيطة الحال. هذا ما يؤكده الواقع للمصريين فى كل لحظة، فالفقراء ليس لهم نصيب فى مواقع وظيفية معينة، بسبب بساطة حالهم، أو تواضع حال الأسر التى ينتمون إليها. والفارق بين الكلام المعسول الذى ردده محلب: «أنا خدام الشعب» والكلام الخشن المستفز الذى ردده المستشار محفوظ صابر، أن وزير العدل «جاب م الآخر»، و«محلب» يعلم أكثر من غيره أن الواقع الوظيفى والمعيشى فى مصر معجون ب«العنصرية»! استقالة الوزير لن تغير من الواقع شيئاً، و«بردو» لن يسمح لأبناء عمال النظافة بالتعيين فى مواقع قضائية، الكل يعرف ذلك، المواطنون والمسئولون واثقون كل الثقة أن استقالة الوزير هى مجرد عقوبة على «فلتان لسانه» بقول أو ترديد أو وصف الواقع الذى يعلمه جيداً كل من يعيش فوق تراب المحروسة، وليس عقاباً على مجاوزة الرجل للحقيقة، أو بسبب ترديده كلاماً يتناقض مع ما يعيشه المصريون من مساواة «فى الحقوق والحريات والواجبات العامة» وأنه «لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر»، كما يقول الدستور. فكلنا يعلم أن هناك تمييزاً على مستويات عديدة، ويبدو أن الدستور الذى يرعاه المسئولون ينتهج نفس نهج أصحاب مصانع «العسلية» الذين يجيدون إنتاج الكلام «المعسّل» الذى يسطل رأس الجمهور، من فصيلة: «عزيزى المواطن.. نحن خدامك ولسنا حكامك»، كما جاء على لسان «سئيل الندمان» فى مسرحية «تخاريف»، لكنهم ينسون باستمرار استكمال «الديالوج» الذى يُختتم بعبار «الكلام ده أدامك»!.. واللى فى القلب فى القلب يا ابن «الشعب».. وربنا عالم بالنية!