المسيحيون يمثلون جزءاً من نسيج المجتمع المصرى، تتآلف وتتشابك خيوطه فى شكل بديع ورائع مع إخوانهم المسلمين، ليس فى الحى الواحد أو الشارع الواحد أو البناية الواحدة، وإنما فى الدور الواحد.. يعيشون جنباً إلى جنب، يختلطون معاً، اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ويشارك بعضهم بعضاً أفراحهم وأتراحهم.. اهتماماتهم تكاد تكون واحدة، وأسلوب معيشتهم واحد، بل يتبنون نفس الأعراف والتقاليد، ولا يتصور أحد أن يكون هناك تقدم أو رقى أو ازدهار لمصر دون أن يكون لإخواننا المسيحيين دور فعّال فى ذلك، فليس من المعقول ولا من المقبول أن تحرم مصر من كفاءات وقدرات بعض أبنائها الذين لا يقلون وطنية ولا حرصاً على بناء مصر الفتية من المسلمين. كثيراً ما حاول المستعمرون، أعداء الوطن، أن يفرقوا بين أبنائه.. هذا مسلم، وذاك مسيحى، بهدف التحكم والسيطرة على مقدرات الوطن كلها وذلك بتطبيق ما عرف، آنذاك، بسياسة «فرِّق تسُد».. كانوا ينجحون أحياناً، لكنهم كانوا فى الغالب الأعم يفشلون، خاصة بعد أن تمكن المخلصون من أبناء الوطن من كشف حيلهم وألاعيبهم.. ولا شك أن الجهلة والحمقى والمتعصبين من الجانبين كانوا -ولا يزالون- يستثمرون ويوظفون من قِبل أعداء الوطن فى إذكاء الفتنة وإشعال نار التوتر والاحتقان، وهو ما يجب أن ننتبه له ونحذر منه، إذ إن معظم النار من مستصغر الشرَر. يجب أن نقرر حقيقة ثابتة وهى أن إخواننا المسيحيين مواطنون من الدرجة الأولى، ولهم كافة حقوق المواطنة، وقد صارت بطاقة الهوية التى تعطيها الدولة لمواطنيها تحل محل مفهوم أهل الذمة فى الإسلام، وبناء على ذلك يصبح تولى الوظائف العامة فى الدولة أساسه الكفاءة والقدرة والتميز، وليس الدِّين أو المذهب أو الجنس. تهانينا وتبريكاتنا لإخواننا المسيحيين باختيار البابا الجديد، فى انتخابات شهد لها الجميع بالحرية والنزاهة، ونأمل أن ينعكس ذلك على مزيد من الاندماج فى الحياة السياسية والاجتماعية المصرية، فمصر لكل أبنائها.. هى الوعاء الذى يحتوينا والسماء التى تظلنا جميعاً.. نريد أن يزول تماماً مصطلح «شعب الكنيسة»، فكلنا -مسلمين ومسيحيين- شعب واحد، هو الشعب المصرى الذى أذهل العالم بثورة من أعظم ثورات التاريخ، حيث وقف الجميع -الشيخ إلى جوار القسيس- فى ملحمة أثارت إعجاب الزعماء والقادة فى كل أرجاء الدنيا.. على الجانب الآخر، يجب على التيار الإسلامى بفصائله المختلفة أن يتيح الفرصة كاملة ويفسح المجال واسعاً لإخواننا المسيحيين فى الترشح على قوائمهم، سواء فى انتخابات البرلمان أو انتخابات النقابات.. هناك مشكلات يعانى منها إخواننا المسيحيون، وهذه يجب أن ينظر إليها بعين الاعتبار، فى ظل أخوَّة الوطن الواحد والهدف المشترك. أتصور أن هناك إجماعاً، أو شبه إجماع، من كل ألوان الطيف السياسى على المادة الثانية من الدستور، التى تنص على أن «دين الدولة الإسلام، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، واللغة العربية لغتها الرسمية».. وأعتقد أن المادة بهذا النص لن تتغير فى الدستور الجديد.. الخطاب السياسى يجب أن يكون هادئاً ومطمئناً، وألا يدع فرصة للأصوات النشاز تعلو.. علينا أن نتعامل بحكمة وسماحة ورفق ولين.. فقد جاء فى الحديث: «إن الله رفيق، يحب الرفق فى الأمر كله، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف».. نحن نريد أن تتضافر كل الجهود وتتكاتف كل القوى من أجل مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.. نريد أن نبنى وطناً حراً عزيزاً كريماً خالياً من الكراهية والأحقاد والبغضاء.. نريد روحاً جديدة، تبنى ولا تهدم.. تتقدم ولا تتأخر.. تنتصر ولا تنكسر.. حفظ الله مصر، ووقاها من كل سوء.