قسم 27 رجال، مخصص لمرضى الفصام، يضم 25 غرفة، لكن إدارة المستشفى منعتنا من الدخول، وطلبت إجراء المقابلة مع المرضى خارج العنبر. على «مصطبة» مجاورة لعنبر 27، جلسنا إلى جوار «ر. أ. ر»، يبلغ من العمر 60 سنة، وقضى فى المستشفى 25 سنة، وبابتسامة ودودة وكلمات متزنة، قال: «كنت طالب فى كلية الهندسة بالمطرية، وصاحب ورشة موبيليا وديكور فى الفجالة، وكان عندى ورشة تانية فى غمرة، بقالى فى المستشفى 25 سنة، وكنت زمان طالب متفوق فى دبلوم صنايع، وجبت مجموع ودخلت كلية هندسة، لكن للأسف تركت الدراسة وأنا فى آخر سنة، وده عملى عقدة كبيرة ومالقيتش وظيفة تليق بيا، الكل كان بيقول لى عايزين مهندس متخرج، وانت طالب ماتنفعش تشتغل، لكن اشتغلت فى شركة أو اتنين أو تلاتة، وكنت باسيب الشغل على طول وماكنتش أقدر أستمر فى أى شغلانة، كنت باعانى من قلة النوم، وأفكر ليل نهار، وكان تشخيص الحالة أنى عندى نقص فى كيميا دم المخ، ورحت مستشفى (الرخاوى) فى المقطم، وكانت تكلفة الشهر الواحد 1400 جنيه، وبعد سنين خرجت منه، بعدها حصلت خناقة بينى وبين صاحب البيت، كان عايز 20 ألف جنيه عشان يسيبنى فى الشقة أو يطردنى منها، وده مبلغ كبير، فجالى ضغط عصبى شديد، ورجعت للمستشفى الخاصة، وبعدين خرجت منه وجيت مستشفى العباسية». وأضاف: «أنا خلاص اتطبعت بطبع المستشفى، وبقيت هادى من كتر السنين اللى قعدتها فيه وكمان أمى ماكانتش عايزانى أرجع البيت، منعاً للمشكلات اللى كنت باعملها مع صاحب العمارة والجيران، وبعدين دلوقتى أنا بقيت خايف أخرج بره، والناس يقولوا عليا مريض، ويرفضوا يتعاملوا معايا أو يشغّلونى أى شغلانة، بس أنا عندى أمل فى الحياة إنى أخرج وأشتغل وآخد سكن لوحدى، أو حتى لو زهقت من مستشفى العباسية، هطلب نقلى لمستشفى الخانكة، إخواتى ناس طيبين، لكن معظمهم مش فى مصر».