يتسم موقف دولة الجزائر بالغموض من عمليات قوات التحالف العربي ضد مليشيات الحوثي في اليمن، يقابله حسابات مدروسة منها بشأن طريقة التعامل فيما يخص الأزمة اليمنية، مع دعمها للحوار بين كافة أطراف النزاع في اليمن، "الوطن" تستطلع غموض الموقف الجزائري من التدخل العسكري في اليمن، وفقاً لما نشره المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية تستند مبررات رفض "الجزائر" من المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" لأمرين: 1-مواقف معلنة: من خلال تصدير السلطة الجزائرية دستورها لتبرير موقفها من عملية عاصفة الحزم والذي جاء استخدامه على النحو التالي: -العقيدة القتالية للجيش الجزائري: تلزمه بعدم خوض أي معركة خارج حدود الدولة، وفقا للمادة 25 التي تنص على أن " تنتظم الطاقة الدفاعية للأمة، ودعمها، وتطويرها، حول الجيش الوطنى الشعبي، وتتمثل المهمة الدائمة للجيش الوطنى الشعبي في المحافظة على الاستقلال الوطنى، والدفاع عن السيادة الوطنية، كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد، وسلامتها الترابية، وحماية مجالها البري والجوي، ومختلف مناطق أملاكها البحرية". خصوصية الداخل:- وهو مبرر تستند فيه السلطات الجزائرية إلى الدستور، باعتباره يمنع السلطة عن اللجوء إلى الحرب، والمساس بسيادة الدول الأخرى، وحسم الخلافات الخارجية سلميا وفقا للمادة 26 من الدستور الجزائري، كما أن هذا المبرر قد يكون تفادياً لمخاطر داخلية قد تتطور مستقبلاً نتيجة الاضطرابات الراهنة في الجنوب الجزائري بسبب المواجهة بين سكان الجنوب والسلطات الرافضين لمشروع الغاز الصخري. 2-توجهات غير معلنة تتعلق بطموحات قيد التشكيل: من المرجح أن يكون اتباع السلطة الجزائرية في تقديم الحلول السلمية للنزاعات الإقليمية يعبر عن طموح جزائري للعب دور إقليمي يعتمد فقط على الوساطة المفقودة بين الأطراف المتصارعة، وهذا الدور قد لقي دعما من واشنطن، حيث تضمن البيان المشترك الذي صدر عقب الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي– الجزائري المنتهي منذ أيام على "إدراك" واشنطن للدور الذي تقوم به الجزائر في اللجوء للحلول السلمية والتقريب بين الأطراف المتنازعة في المنطقة. ومن ضمن ذلك نتائج وساطتها بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة في شمال مالي، وكذلك محاولة التقارب بين الأحزاب الليبية، واتفاق الجزائر والولايات المتحدة على أن حكومة وحدة وطنية في ليبيا تمثل ضرورة لوضع حد للتهديدات الليبية، بالاضافة إلى التزام الطرفين بمساعدة طرفي النزاع حول الصحراء الغربية من أجل التوصل إلى حل سياسي يقبله الطرفان. تداعيات الموقف الجزائري: تتشكل ملامح تداعيات موقف الحكومة الجزائرية الرافض للمشاركة العسكرية في "عاصفة الحزم" سواء على مستوى علاقتها بالأطراف في الداخل، وعلاقتها بالأطراف العربية المشاركة في الضربة العسكرية، ويمكن تحديدها على النحو التالي: -تداعيات الداخل: بما يعني دعم أحزاب السلطة لموقفها في ظل رفض قوى من المعارضة التي تتمثل في ما يعرف ب"تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي"، التي تجمع ما بين أحزاب الإسلام السياسي الستة (حركة مجتمع السلم حمس، وحركة النهضة، والإصلاح الوطني، والبناء الوطني، العدالة والتنمية، جبهة التغيير)، وبين أحزاب القوى المدنية المعارضة التي منها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وسيؤدي ذلك إلى: 1-مزيد من التقارب بين تيار الإسلام السياسي والتيار المدني في الجزائر خاصة بعد انفصال حركة حمس عن التحالف الرئاسي وتقدمها لصفوف المعارضة، ومزيد من ضغوطها على السلطة بمطالبتها بانتخابات رئاسية مبكرة، وتطبيق المادة "88" من الدستور، وهو الأمر الذي قد ينتهي إلى مضاعفة مستوى معارضة النظام، خاصة بعد تهديد الرئيس "بوتفليقة" لتلك الأحزاب باستخدام الصرامة والحزم في مواجهتها منذ أيام. 2-مزيد من التقارب بين حركات الإسلام السياسي السلمية التي تحولت إلى ما يشبه خلية انشطارية تفرخ كل بضعة أشهر تشكيلة سياسية جديدة، حيث اعتبروا أن عاصفة الحزم "حربا مقدسة" وأن رفض السلطة المشاركة فيها هو دعما ل"الذراع الإيراني الصفوي"." -تداعيات الخارج: من المرجح أن تقتصر تداعيات الموقف على مستوى مكانة الجزائر عند دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، ويرجع ذلك إلى أن الجزائر بالاضافة إلى موقفها من المشاركة، أكدت على اعتبار الحوثيين طرف أساسي في المعادلة السياسية اليمنية. فقد تتعرض الجزائر في حالة ثباتها على موقفها لعزلة سياسية من دول الخليج، تنتهي بتغييرات محدودة في مسارات وشكل التحالفات الجزائرية مع دول الإقليم، فمن المحتمل أن تكون الجزائر خلال الفترة المقبلة أكثر انسجاما مع إيران. حدود التغيير في ملامح السياسية الخارجية الجزائرية: ثوابت تحركات السياسية الخارجية الجزائرية في الفترة الأخيرة، وتبنيها سياسة تمكين التوسع في دائرة الحوار لجعله هيكلا يقوم على تنمية العمل السياسي، بالإضافة إلى احساس السلطة الجزائرية الدائم بنجاح تجربتها في مكافة الإرهاب وتصديرها للسلم قد يجعلها تحاول أن تلعب دورا في سياق دبلوماسية الحوار بين المملكة العربية السعودية وإيران لمحاولة تقريب وجهات النظر. وبالتالي يمكن القول أن الموقف الجزائري الرافض للمشاركة في العمل العسكري لن يتغير على المدى القريب، وأنه في حالة الفشل في تحقيق هذا التقارب، والذي قد يمتد نطاقه إلى ما بين الأطراف المتصارعة في الداخل اليمني، فستضطر الجزائر إلى أن تتزحزح يمينا في موقفها السياسي من الضربة العسكرية.