«أبرياء فى سجن النساء»، كان هذا هو عنوان الحملة التى بدأتها الكاتبة الصحفية الكبيرة والأديبة نوال مصطفى منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً فى مؤسسة «أخبار اليوم»، بعد أن ذهبت إلى سجن النساء بالقناطر لعمل تحقيق صحفى عن السجينات، وبالفعل انتهت من التحقيق، ولكن لفت نظرها أطفال لا يتعدى عمرهم السنتين يجرون وبعضهم يحبو فى فناء السجن، والبعض الآخر يمسك بذيول جلابيب أمهاتهم. وفى البداية اعتقدت الصحفية الشابة التى تتلمذت على يد عمالقة الصحافة، مثل الأساتذة مصطفى وعلى أمين وجلال الحمامصى وموسى صبرى وغيرهم، أن هؤلاء الأطفال فى زيارة لأمهاتهم وسوف يعودون إلى منازلهم مع ذويهم، ولكن مأمور السجن فاجأها بالحقيقة المرة والصادمة: إن هؤلاء الأطفال ولدوا داخل السجن، ويعيشون مع أمهاتهم لمدة سنتين من عمرهم، ثم يتم فصلهم عن حضن أمهم، فإما أن يتم تسليمهم إلى الزوج أو بعض الأقارب، وإذا ما رفضوا استلام الطفل، فإنه يوضع فى إحدى مؤسسات رعاية الأحداث، فلا يبرد قلب أمه، ولا ينال الرعاية الكافية من أجل تربيته وتنشئته، مثل باقى أطفال الدنيا، ومنذ ذلك الحين تبنت نوال مصطفى إنشاء «جمعية رعاية أبناء السجينات» لكى تتمكن من العناية بالأم والطفل معاً، من أجل أن ينشأ عضواً صالحاً فى المجتمع الذى يعيش فيه. ولعل من الظلم أن يخرج هذا الطفل الوليد من الظلمات الثلاث التى أحاطه بها الخالق عز وجل بعنايته ورعايته من أجل حمايته ونموه واكتمال تكوينه فى رحم أمه كما ذكر المولى عز وجل فى الآية الشريفة «يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ» [الزمر: 6]، ليجد نفسه فى ظلمات أخرى قاسية وموحشة هى ظلمات السجون دون حماية أو رعاية أو نظرة عطف أو لمسة حنان لا حالياً ولا مستقبلاً، فقد كان هؤلاء الأطفال يقيدون فى شهادات ميلادهم على أساس أن محل ميلادهم هو السجن، لتظل سبة السجن التى دفعت الأم ثمنها عاراً يطارد الطفل المولود بقية حياته حتى يلاقى ربه، ولم يكن هؤلاء الأطفال يقيدون على ما يسمى بإيراد السجن، أى أنهم لا يصرف لهم أى ميزانية من أجل أكلهم وشربهم ورعايتهم وعلاجهم، واستطاعت الكاتبة نوال مصطفى من خلال جمعية رعاية أبناء السجينات أن تدرجهم مع أمهاتهم على ميزانية السجن، بالإضافة إلى الزيارة الشهرية التى تقوم بها مع بعض الشخصيات المعروفة حاملة معها -من خلال تبرعات أهل الخير- الألبان والغذاء والملابس الجديدة والكساء والدواء لهؤلاء الأطفال المساكين فى كل مناسبة أو عيد، كما بذلت جهوداً عديدة مع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب من القانونيين من أجل محاولة استصدار تشريع يمكن الأم الحامل من تأجيل تنفيذ الحكم حتى تلد ويتم الطفل عامه الثانى، ولكن للأسف، فقد توقف تنفيذ هذا المشروع بسبب قيام ثورتى يناير ويونيو، وكم أتمنى أن يتبنى أحد الأعضاء الذين سوف ينجحون فى الوصول إلى مقاعد البرلمان هذا المشروع من أجل الأم والطفل والمجتمع معاً. وفى يناير الماضى، شاركت غادة والى، وزيرة التضامن الاجتماعى فى حفل توزيع 60 ماكينة خياطة على عدد من النساء المعيلات بالاشتراك مع الإعلامى المحترم عمرو الليثى، ونوال مصطفى، رئيس جمعية رعاية أبناء السجينات من أجل تعليم هؤلاء النساء صنعة تكفلهم بعد خروجهم من السجن، بالإضافة إلى سداد بعض القروض الصغيرة من أجل دعم المرأة الغارمة، لإتاحة فرص عمل لها بعد الخروج من السجن للإنفاق على أبنائها بالحلال، لكى يقمن برعاية أطفالهن فى بيت كريم آمن. كم أتمنى أن ينظر أهل الخير بعين الاعتبار لهذه الجمعية من أجل أن تستطيع تحقيق أهدافها النبيلة.