سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
+أزمة الثورة.. السلفية الجديدة تقع فى مأزق «الديمقراطية الحرام» نظرية «برهامى» للخروج من الأزمة: يمكن الانتفاع من «النظم البشرية».. والرسول قدم «تنازلات»
نشأت السلفية الجديدة فى مصر، بعيدة تماماً عن مساحة العمل السياسى، معتقدة أن معارضة الحكام لا جدوى من ورائها، وتبنت استراتيجية محددة لتغيير المجتمع، تبدأ بتربية المجتمع وتنقيته وتصفيته، إلى أن تتكون الفئة المؤمنة التى تفاصل الحكام الذين لا يحكمون بشرع الله، إلا أن هذه المرحلة كانت بعيدة زمنياً فى وعى تلك المجموعات. وظل شبح المحنة يتراقص أمام أعين قادة السلفية ومشايخهم، وهم يظنون أن النظام السياسى وهبهم مساحة من حرية الدعوة لا بأس بها، وأن تيارهم يتمدد ولو ببطء، وأن مشروع الدولة السلفية يسير فى مرحلته الأولى، وحين حدثت الثورة لم يتوقع السلفيون نجاحها ولا فى الأحلام -حسب تعبير ياسر برهامى نائب الدعوة السلفية- وقرروا البعد عن المشاركة فيها، تحت ضغط الشبح المتراقص من جهة، ولأن من قام بها ليسوا بالفئة المؤمنة التى يعكف المشايخ السلفيون على تربيتها، من جهة أخرى. بعد نجاح الثورة، شعر السلفيون أنها لحظة مفصلية فى تاريخ الأمة تغرب خلالها شمس دولة وتشرق أخرى، بعد أن أطاح الله بنظام فاسد، ورفعوا راية الثورة التى لم يشاركوا فيها، وقرروا أن يتداخلوا حتى ولو لم يستطيعوا أن يدفعوا للأمام، فعلى الأقل يحافظون على مكتسبات دعوتهم. وصارت معضلة.. «كيف نقبل بآليات الديمقراطية بعد أن كانت كفراً، وكيف نخوض الانتخابات على أساسها؟» وخرج برهامى بعدها ليقول: «الديمقراطية التى قَبِلنا آلياتها هى كما صرح به برنامج حزب النور، منضبطة بضوابط الشريعة»، مضيفاً: «لن نقبل أن يكون الحكم لغير الله». ولم يقبل السلفيون، حسب برهامى، الفكرة الفلسفية للديمقراطية فى أن الشعب هو مصدر السلطة التشريعية، وما فى الديمقراطية من كفر «فى أصل فكرتها»، وذلك لاعتقادهم الجازم بأن «الحكم لله». وأوضح برهامى للمعترضين عليهم أن «النظم البشرية» يمكن أن ننتفع بما يوافق الشرع منها، مستدلاً بالنظم الإدارية التى كانت عند الفرس، مثل «الديوان»، التى عمل بها عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- لتنظيم مصالح المسلمين، وضرب مثلاً بما كان من «تنازلات» فعلها النبى محمد فى صلح الحديبية، حين قبل محو «بسم الله الرحمن الرحيم» وتغييرها إلى «باسمك اللهم»، وأيضاً «محمد رسول الله» إلى «محمد بن عبدالله»، استجابة لما اشترطه مشركو قريش مع كونه قالها بلسانه: «إنى رسول الله وإن كذبتمونى»، وكذلك قبوله أن يرد مَن جاءه مسلماً إلى المشركين، وقال: «كانت هذه المفسدة مغمورة إلى جنب المصلحة. ويؤكد برهامى على أن الموقف الذى اتخذه السلفيون تجاه «الديمقراطية» لم يخالف العقيدة لا فى مسألة الحكم، ولا فى مسألة الولاء والبراء، وخاطب المعترضين عليه من بعض شيوخ السلفية، ممن يرفضون الديمقراطية جملة وتفصيلاً، قائلاً: «لا تحاكمونا إلى مصطلحات القوم التى وضعوها، ونحن فصلنا فيما قبلناه وما احتملناه لأجل مصلحة أعظم، وما رددناه من فكرتها الفلسفية؛ فالمصطلحات البشرية يُقبل فيها مثل هذا التقسيم (يشير إلى تقسيم ثلاثى وضعه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لمصطلح الفناء ليجذبا قطاعاً كبيراً إلى السنة النبوية) حتى لو طالب أهله بأن نقبله كما هو. وجاءت الانتخابات التشريعية، واشترط القانون الدفع ب«امرأة» على قوائم الأحزاب، ووضع حزب «النور» فى مواجهة المأزق الشرعى الذى يمنع ذلك؛ كون أنه لا ولاية لمرأة. وأمام المأزق السياسى والقانونى الذى يفوت عليهم فرصة اقتناص عدد من مقاعد البرلمان لا بأس به، خرج الشيخ برهامى ليفتى أنه لا مانع من ترشيح امرأة على قوائم الحزب؛ لأنه لا يجوز أن يكون هذا المانع الشرعى سبباً فى تعطيل الخير الكبير من وراء كسره، وهو الموقف ذاته الذى تبنته جماعة الإخوان المسلمين حين أصدروا «رسالة المرأة فى الإسلام» قبل دخولهم انتخابات عام 1984. وجاء موقف حزب النور من إسرائيل وموقفهم من اتفاقية السلام معها، ليقرب موقف النور من الإخوان فى هذا الصدد وتصدر «الهيئة العليا» لحزب النور فى بيان لها: إن الحزب يقف بقوة ضد محاولات التطبيع والحوار، بجميع صوره، وضد إقامة علاقات حزبية أو شعبية مع كيان يريد طمس هويتنا. وأوضحت الهيئة، فى بيانها، أنه ونظراً لأن حزب «النور» يرى أنه لا يصح الإقدام على ما فيه مضرة لمصر وأبنائها، ويرى خطورة أن تنقض الدولة اتفاقية دولية من جانب واحد، وإن كانت أُبرمت فى ظل نظام ديكتاتورى، فقد أعلن الحزب أنه سوف يحترم هذه الاتفاقية مع السعى الدائم لتعديل بنودها الجائرة بالسبل المشروعة. وفى بيانه، اتهم الحزب وسائل الإعلام بتعمد توجيه أسئلة من شأنها وضع الحزب فى أحد موقفين مرفوضين من الرأى العام: الأول إظهار الحزب فى موقف من سيورط مصر فى حروب خارجية، والثانى: أن الحزب خرج عن التوافق العام بمقاطعة أشكال التطبيع والحوار مع الكيان الصهيونى. وقال إن هذه المساعى جاءت أملاً فى تحجيم شعبية الحزب أو إيقاف تقدمه فى الانتخابات، وبصورة أعمق وأخطر إبراز المرجعية الإسلامية للحزب؛ وكأنها معوق عن القيام بدوره فى بناء مصر الحديثة.