لا ينكر جاحد، مهما بلغ عظم جحوده، ولا حاقد، مهما وصل مدى حقده، أن المؤتمر الاقتصادى العالمى لدعم مصر «مؤتمر شرم الشيخ» قد نجح فى تحقيق أهدافه نجاحاً منقطع النظير.. بل قد أكّد الكثيرون من الخبراء أنه حقق أضعاف النتائج التى كانت مرجوة ومتوقعة منه، كحجم صفقات استثمارية ومشاريع عملاقة كفيلة بأن تقفز بمصر اقتصادياً وحضارياً إلى مكانة كانت تستحقها منذ عقود طويلة. ودعونا نقر ونعترف بأن نتائج هذا المؤتمر الناجح كانت نتاجاً لجهود جبارة ومكثفة ومخلصة من مؤسسة الرئاسة ومن الرئيس عبدالفتاح السيسى (الذى نرى منه إخلاصاً وتفانياً ومجهودات مضنية للخروج بمصر من أزماتها الطاحنة والذى أعتقد أنه شديد الإخلاص والعشق لتراب مصر وشعبها)، ومن حكومة المهندس إبراهيم محلب الذى أكاد أؤكد أنه من أكفأ وأخلص رؤساء وزراء مصر وأكثرهم تفانياً فى عمله، وكذلك أكثرهم إبداعاً فى عمله.. ودعونا نؤكد أن مؤتمر شرم الشيخ ونتائجه المبهرة ليس هو آخر المطاف، بل هو بكل تأكيد الخطوة الأولى فى خطوات لا بد أن تكون سريعة الإيقاع ومتلاحقة وجادة لتحقيق الإنجازات المنشودة من هذا المؤتمر الكفيلة بأن تنقل مصر نقلة حضارية واقتصادية كبيرة وعملاقة. ودعونى أؤكد أننى متفائل للغاية بعد ما لمسته من نتائج مبهرة لمؤتمر شرخ الشيخ، لكنى أيضاً أكاد أرتعد رعباً وفزعاً وقلقاً.. والسبب أننى أعتقد، وأكاد أؤمن، أنها الفرصة الأخيرة لمصر لأن تخرج من غياهب جُب الأزمات ومن قاع الزجاجة إلى رحاب ازدهار ونقلة حضارية عملاقة.. نعم، لا بد أن نعترف أنها فرصتنا الأخيرة لأن نكون أو لا نكون أبداً.. لأن نتائج هذا المؤتمر ومشاريعه العملاقة وحجم الاستثمارات المتفق عليها من المستحيل أن تتاح لمصر إذا ما «لا قدر الله» فشلنا فى العمل على أرض الواقع دون تعقيدات بيروقراطية وبخطوات سريعة وجادة.. وصراحة ما يجعلنى أرتعد رعباً من احتمالية تضييعنا لمثل هذه الفرصة الماسية، والفرصة الأخيرة، ثلاثة أشياء هى عماد نجاح أو فشل تحقيق هذه المشاريع العملاقة. أول هذه الأشياء: منظومة الإعلام التى لا بد أن نعترف بخطورة وأهمية دورها.. فقد أصبح الإعلام يكاد يشكل ضمير الأمة والوقود المحرك لتروس المجتمع.. ومنظومة الإعلام لا بد أن تخرج من نطاق التطبيل والإثارة إلى نطاق إعلام الحرب والتأهيل المجتمعى للمرحلة الفارقة الجديدة وتحفيز الهمم وتسليط الضوء على السلبيات وكيفية علاجها دون إثارة.. أما إذا استمرت منظومة الإعلام فى اتباع أساليب التطبيل وأساليب الإثارة لمجرد الإثارة لمزيد من نسب المشاهدة وجلب الإعلانات، فستكون أداة هدم وأداة بلبلة (ونحن فى أمسّ الحاجة للبعد تماماً عن أى بلبلة فى المرحلة الفارقة الحالية). إننا بالفعل فى مرحلة فارقة.. فى حرب لأن نكون أو لا نكون أبداً، ويجب أن تعى وسائل الإعلام، خاصة القنوات الفضائية، مقتضيات هذه المرحلة الفارقة فى تاريخ مصر.. ولا بد من اجتماع على وجه السرعة بين الرئيس ورئيس الحكومة وكبار المسئولين مع أصحاب ورؤساء هذه القنوات والصحف ووسائل الإعلام لتبصرتها بأهمية دورها وكيفية أداء دورها فى مثل هذه اللحظات الفارقة. أما ثانى هذه الأشياء التى تجعلنى أرتعد من احتمالية الفشل بسببها فهو منظومة الإدارة فى مصر.. فلا بد أن نعترف بأن منظومة الإدارة، خاصة إدارة المشروعات فى مصر، فى الدرك الأسفل، وأننا نفتقر تماماً لأساليب الإدارة العلمية الحديثة فى كل شىء.. والدليل على ذلك أننا لو كنا نمتلك أساليب إدارة علمية حديثة ما كان حالنا قد وصل إلى ما وصل إليه الآن.. وجميعنا ندرك أن الإدارة وإدارة المشاريع لدينا تسير من منطلق السبهللة والفهلوة وكذلك الفذلكة والتفنن فى وضع العراقيل والافتقار إلى روح الإنجاز والابتكار والإبداع، وإلى كل ما يمت لعلم وفنون إدارة المشاريع بصلة.. وكدليل قوى على ذلك أن مشروع تطوير قناة السويس والمشاريع الكبرى يتم إسنادها للقوات المسلحة، بما أنها تُعتبر الجهة الوحيدة فى مصر الأكثر تميزاً فى اتباع أساليب الإدارة الحديثة والجادة.. وأعتقد موقناً أن مشروعاً كمشروع العاصمة الجديدة لو اصطدم المستثمرون به ببيروقراطية وتعفن الإدارة الحكومية لن يكتمل، بل لن يخرج إلى النور ولو بعد عشرة آلاف عام، وبالتأكيد سيفضل هؤلاء المستثمرون أن «ينفدوا» بجلدهم وبملياراتهم من مستنقع تعفن الإدارة لدينا.. لذلك أقترح على السيد الرئيس وعلى السيد رئيس الحكومة، وحتى يتم إنشاء جهات إدارة على مستوى المسئولية، الاستعانة بكبريات شركات إدارة المشاريع العالمية لإنجاز مثل هذه المشاريع العملاقة التى تحتاج إلى إدارة متفتحة وواعية ومبتكرة ومبدعة ومخلصة.. وتكون هذه الشركات مشرفة إشرافاً تاماً على تنفيذ هذه المشاريع. أما ثالث هذه الأشياء التى تجعلنى فى قلق شديد من احتمالية الفشل فهو نحن.. نعم.. نحن جميعنا كشعب مصرى من كثرة عقود الفساد التى عشناها أصبحنا نتنفس الفساد، أو بمعنى أدق أصبحنا جميعنا فاسدين.. جميعنا نريد أن نعمل قليلاً ونأخذ كثيراً.. كلنا نعتمد على الفهلوة فى إنجاز أعمالنا.. النجار والسباك والكهربائى والمهندس والطبيب.. كلنا أصبحت مهاراتنا متواضعة بالنسبة للعمالة فى دول أخرى.. فمن إذن سينفذ هذه المشاريع العملاقة؟! هل هو نحن بقلة مهاراتنا وقلة ضميرنا فى العمل؟! أم نستورد شعباً آخراً ينجز لنا هذه المشاريع؟! أعتقد أننا لو ربطنا الدخل النقدى بالكفاءة والمهارة الجدية فى إنجاز الأعمال ستستقيم الأمور وسينجز هذا الشعب أضعاف هذه المشاريع العملاقة.. بل سنرى العامل والمهندس وكل فرد منتج يجتهد فى تنمية مهاراته وقدراته، وسيعمل بمنتهى الجدية لأن يحقق عائداً مادياً أكبر.. نعم، لو فعلنا ذلك لتم إنجاز هذه المشاريع العملاقة مع توافر الإمكانيات المادية على أحسن صورة فى زمن قياسى.. وسأضرب مثلاً عن مدى تأثير ربط الدخل والحافز المادى بالمهارة وبالمجهود وجدية العمل، إذ قامت مجموعة شركات «بروت» للهندسة فى الصين بإنجاز هو الأعظم فى تاريخ الإنشاءات المعمارية فى تاريخ البشرية حين ربطت حافز الدخل بالمهارة والإنجاز فى العمل، وقد استغلت ذلك، وكذلك حسن الإدارة واتباعها لأحدث تقنيات الإدارة العلمية، فى إنجاز وتشييد وبناء وتشطيب وفرش وتجهيز فندق «أراك» الذى يطلقون عليه الفندق المعجزة على ضفاف بحيرة «تونج تينج» فى مقاطعة «هونان» والذى يبلغ عدد طوابقه ثلاثين طابقاً بسعة فندقية 360 غرفة وجناحاً فى زمن هو الأسرع فى البناء على كوكب الأرض، إذ تم إنجاز جميع أعمال تشييد الفندق منذ لحظة أن كان عبارة عن قطعة أرض وحتى افتتاحه كامل البناء والتشطيب والتجهيزات والفرش فى خمسة عشر يوماً.. نعم، 15 يوماً = 360 ساعة.. نعم، فى 360 ساعة تم إنجاز كل شىء ليكون أسرع بناء على سطح الأرض، وقد صُمم الفندق ليكون مقاوماً للهزات العنيفة ويمكنه تحمل زلزال بقوة 9 درجات، أى بمعدل خمسة أضعاف تحمل المبانى العادية.. وكذلك تم تزويد الفندق بنظام عزل الصوت والحرارة، وتم تزويده بنظام خاص لرصد نوعية الهواء فى كل غرفة.. وكما ذكر تقرير قناة «عربية» التى تابعت بناء الفندق أن بناء الهيكل الأساسى للفندق استغرق 46 ساعة فقط، وقد تم إنهاء الهيكل الخارجى فى 90 ساعة.. وخُصص باقى الساعات ال360 لأعمال التشطيبات والتجهيزات والفرش.. وذكرت القناة فى تقريرها المصور أن من يتساءل عن ساعات الراحة أثناء إنجاز فندق أراك المعجزة فإن توقعات الكثيرين تخيب لأن أعمال الإنشاء كانت تتوقف كل يوم فى تمام الساعة العاشرة ليلاً وحتى صباح اليوم التالى.. أى تم الإنجاز فى 15 يوماً بما فيها ساعات الراحة الليلية. وأعتقد عن يقين أن إرادة الشعب المصرى لا تقل عن إرادة الشعب الصينى، ولكن ينقصنا أن نربط الحافز المادى بالمهارة والإنتاج كما فعلت شركة بروت فى إنجاز فندق «أراك» (30 طابقاً *360 غرفة وجناحاً * 15 يوماً فقط لا غير).. وكان الحافز المادى هو الدافع لخلية نحل من عمال ومهندسى مجموعة بروت للهندسة فى إنجاز أسرع بناء على وجه الأرض.. وكذلك كان أحد أسباب هذا الإنجاز هو حسن الإدارة.. وأعتقد إذا قمنا بتوفير شركات إدارة ذات خبرة ومصداقية وكذلك إذا ربطنا الحافز المادى بالإنجاز والمهارة فإننا سننجز هذه المشاريع العملاقة فى زمن قياسى وعلى أحسن وأفضل ما يكون. فقط، بإعلام يشحذ الهمم ويلهب المشاعر لإنجاز حقيقى.. وإدارة واعية ومبتكرة وصاحبة خبرة.. وربط الحافز المادى بالإنتاج والإنجاز والمهارة، سنحقق المعجزة وسنُخرج مصر من قاع الزجاجة إلى رحاب نهضة اقتصادية وحضارية عملاقة. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.