الدكتور أحمد عكاشة الخبير العالمى للطب النفسى، لديه فى كل وقت مشرط مميز لجراحة الواقع النفسى، لأشخاص أو شعوب، أو حالات عامة، لذا يصبح تشريحه للواقع المصرى كل فترة، مهماً للغاية، فى فهم ومعالجة ظواهر نفسية، ضمن واقع مرتبك، يملأه العنف والدم والإرهاب والفقر ومحاولات إثارة الفوضى والشائعات. يؤكد «عكاشة» فى حواره ل«الوطن» أن مصر فى طريقها للتعافى، بشرط التخلى عن عادة المصريين فى الميل إلى مذهب «اللذة الفورية» والخمول بعدها، مؤكداً أن الوطن فى محنة وأن على الجميع أن يظهروا هذا بوضوح للشعب، للتمسك بثقافة العمل، مشيراً إلى علاقة ما تربط بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والشعب، جعلته يمضى على الطريق الصائب لخدمة وحماية الوطن، دون معارضة أو مظاهرة رفض، رغم القرارات المؤلمة التى يتخذها، والتى تجعل من أى رئيس شخصاً «مكروهاً»، وإلى نص الحوار. ■ ثورة 25 يناير وإزاحة نظام «مبارك» والفوضى التى أعقبتها، ثم مرحلة انتقالية قلقة، وبعدها 30 يونيو، ثم انتشار الإرهاب والتفجيرات.. هل يمكن أن يتحمّل أفراد أى مجتمع كل هذا على نفسيتهم وأعصابهم؟ - تغيب عن المواطن المصرى ثقافة الثورات، إذا تذكرنا ما حدث فى الثورة الفرنسية من فوضى استمرت لمدة 13 عاماً، حتى جاء نابليون وبدأ يقضى على هذه الفوضى. أى ثورة فى العالم تنتج أسوأ وأحسن ما فيها من الأفراد، وللأسف الشديد فإن الثورة تأكل نفسها، لأن غالبية من ماتوا مثلاً فى الثورة الفرنسية كانوا من المثقفين والعلماء، وهم من قاموا بالثورة، والثورة السوفيتية أيضاً، المشكلة أننا لا نتعلم من التاريخ، لأن الشعب المصرى والإعلام يتبعان (مذهب اللذة الفورية) أو الإشباع الفورى، المصرى أشبه بالقرص الفوار، يفيض ويثور وسرعان ما يخمد، وبالتالى قدرته على الإصرار والمثابرة بسيطة. ولذا أطالب الإعلام بأن يوجه هذا الشعب إلى أن هذه المرحلة ستخمد، وأن كل إرهاب معناه التخويف والترويع. نحن قمنا بحروب كثيرة وكل من هو موجود فى مصر لم يحس بها، لأنه كان يعيش فى رغد، ويبدو أن الحكام فى هذا الوقت لا يريدون إشعال أى نوع من أنواع الحماس بين الشعب حتى يستمروا فى الحكم، وأنا أرى أنه يجب على الإعلام والرئيس أن يجعلوا كل فرد فى مصر يشعر بالمحنة التى تمر بها البلاد من أزمة فى الطعام والمسكن وغيره من الأزمات مثلما حدث فى أمريكا وألمانيا وفرنسا خلال أربع سنوات، فمثلاً السياسى البريطانى «تشرشل» لديه جملة مشهورة «إنى لا أعدكم إلا بالجوع والدموع والعرق حتى النصر»، لدرجة أن الفرد كان يأكل بيضة واحدة فى الأسبوع. رأيى أن الضمير الجمعى والإحساس والوعى الذى رأيناه فى السنة الأخيرة فى مصر كفيل بأن هذا الشعب، مهما حاول أحد ترهيبه وترويعه، سينال الانتصار بعد معاناة شديدة جداً. ■ كيف يخرج الناس ضد «مبارك» ثم «الإخوان» احتجاجاً على أشياء كثيرة، من بينها الحالة الاقتصادية والغلاء، ثم يصمت نفس الناس، رغم استمرار ارتفاع الأسعار؟ - هذا ما أعنيه بتكوين الضمير الجمعى الذى كان ينقصنا، فهناك شىء مهم اسمه «الأخلاق العلمية»، وأنا توجهت بها إلى المجلس الاستشارى الرئاسى بالنصيحة، إننا لا يمكن أن ننهض فى هذا البلد دون أخلاق، ولن تنهض مصر إن لم تلتزم بالأخلاق العلمية والارتفاع بمستوى رأس المال الاجتماعى، وهو الثقة والمحبة بين المواطنين، كأساس لنهضة الأمم، فإن نهضة أى أمة لا تعتمد على الناحية الاقتصادية أو العسكرية أو الموارد الطبيعية فقط، بل على أخلاق المواطن، والملفات التى تقدّمنا بها، سواء الطاقة أو الاستثمار أو التعليم، سيقوم بتنفيذها المواطن المصرى الحالى، الذى تغيب عنه ثقافة العمل والانتماء، ومركزها الأخلاق، دعنا نضع الأولويات كما يتطلب الأمر، فدون غطاء أخلاقى يصبح عائد كل هذه المشروعات متواضعاً. هنا بداية الضمير الجمعى والانتماء والمواطنة، نحن نقول فى علم النفس إنك لا تنتمى إلى بلدك إلا إذا كانت تتوافر لديك الأشياء البيولوجية مثل المأكل والمشرب والمسكن، وبعد ذلك الأمن، ثم الانتماء، سواء إلى دين أو غيره، والشرذمة التى روّجت إلى أن الانتماء ليس إلى الوطن، وإنما إلى الجماعة أو إلى الحزب، بدأ أثرها يتغير تماماً، لأن المواطن ليس لديه لا أمن ولا طعام، ولكن حدث له ضمير جمعى. ■ ماذا تقصد بالأخلاق العلمية؟ - المصداقية، بمعنى تحمّل المسئولية، العمل بإخلاص وإتقان والانضباط، للأسف الشديد لا شىء من هذا موجود فى مصر، كل البلاد التى تقدّمت يوجد لديها روح الفريق، لكن المصريين يعملون كأفراد، لذلك أعتقد أننا إذا غيّرنا أخلاقنا سنأخذ بطولة العالم مثلاً فى الإسكواش والتنس والسباحة وغيرها من الأنشطة، بشرط أن نعمل كفريق، جائزة «نوبل» فى أى مجال لا تُعطى لشخص واحد، بل تقسّم على أكثر من فرد، الدكتور أحمد زويل الوحيد الذى حصل على جائزة «نوبل» منفرداً، وعلى الرغم من هذا قال فى خطاب تسلم الجائرة: «إننى لا أستطيع أن أقول إننى حصلت على هذه الجائزة دون مساعدة»، وذكر أسماءً من مساعديه. والأهم تجاوز الذات (النفس)، أى أن كل فرد لا يفكر إلا فى نفسه، على الرغم من أن كل الأديان والروحانيات تؤكد أن السعادة هى العطاء، وأن العطاء للآخر يعطى سعادة للشخص المعطى أكثر من الذى يأخذ، والبابا شنودة الراحل لديه مقولة شهيرة: «إذا لم يكن لديك مال، فالعطاء يكون من نفسك». ■ ولماذا صمتت الجماهير بعد كل هذه الأحداث؟ - هذا يؤكد ما قلته، فعندما بدأ التفكير مثلاً فى رفع الدعم، وكنت وقتها فى الخارج، وجدت أن جميع الجرائد الأجنبية لديها ارتياح شديد بقيام ما سموه «الثورة الثالثة»، لأنه بخبرتهم المسبقة عن المصريين لا يوجد رئيس سابق استطاع أن يُزيل هذا الدعم، لأنه لا يهم أحد منهم إلا البقاء فى الحكم، فيجب أن يُسكتوا الشعب بأن يوفّروا له المأكل والمشرب حتى من دون كرامة، لكن الوحيد الذى أخذ على عاتقه أن يكون مكروهاً من الشعب هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، لأنه يريد الفائدة لمصر، لكن الباقين كانت الفائدة لأنفسهم. «السيسى» قال «لا توجد أى مشكلة فى أن أترك الحكم، لكن لن أترك مصر تواجه مشكلة، لأنهم خربوها»، لكن الرجل الذى أحبه الشعب بهذه الطريقة، ويعرف أنه يحب مصر أكثر مما يحب نفسه، لم يقم بإضراب واحد مع رفع الدعم، ضده، حتى قالوا بعد ذلك إنه توجد علاقة غريبة بين هذا الشخص وهذا الشعب، فى علاقة رأس المال الاجتماعى، بدليل أنه ليس هناك دولة فى العالم استطاعت أن تجمع 64 مليار جنيه فى عشرة أيام كما فعل، وليس لأن الفائدة 12.5%، فهناك آباء يشتكون من أن كل أولادهم يريدون أن يشتروا شهادة ب500 جنيه، ليضعوها فوق مكاتبهم، ليشعروا بأنهم أسهموا فى قناة السويس. ■ من الشخصيات المناهضة للمجتمع؟ - يوجد فى كل مجتمع من 6 إلى 8 شخصيات تُسمى الشخصيات المناهضة للمجتمع أو المستهينة بتقاليد المجتمع أو (السيكوباتية) أو الإجرامية، وهذه الشخصيات مكانها السجن، لكنهم حالياً فى مصر خارجه، لأن الإخوان عندما أخرجوا كل المجرمين من السجون كان عددهم كبيراً جداً، طبعاً أعيدت مجموعة منهم إلى السجن من جديد، لكن الباقين أحرار، وهذه المجموعة تعمل على تشغيل الصغار، فإذا نظرنا إلى أماكن العشوائيات التى تحتوى على أكثر من 15 مليون نسمة، نجد أنها تعتبر أرضاً خصبة للإرهاب، أساسها البطالة والفقر، لأنهم حالياً لا ينتمون إلا إلى ذاتهم، بمعنى أنهم ينتمون إلى الذى يدفع. ■ تآكل هيبة الدولة، هل يكون سبباً لظهور الانهيار الأخلاقى فى رأيك؟ - الانفلات الأخلاقى الذى حدث فى مصر ليس سببه الثورة، لكن سببه ما فعلته الثورة فى إزالة هيبة الدولة، والسؤال هنا: كيف تزال هيبة الدولة؟ والإجابة بأن نحارب الشرطة والقضاء، فالمخطط الذى وُضع بحرق 73 قسم شرطة فى وقت واحد وقتل الضباط وتهميش الشرطة لمدة سنة أو سنتين، وجعل الشعب لا يحترم رجل الشرطة ويعتدى عليه ويحرق المحاكم ويحاصر المحكمة الدستورية العليا التى تعتبر أكبر شىء فى القضاء، جعل المصرى فى حل من أن يقترف أى جريمة فى ظل بطء العدالة، حيث يستطيع أى فرد أن يفعل أى شىء يريده، فكلنا لدينا مخ حيوان، ونشترك معه فى أشياء كثيرة، لكن الذى يميزنا أن الله خلق للإنسان الفص الأمامى فى المخ، هذا الفص وظيفته الأخلاق والضمير والحب والعطاء، وهذا الفص لا يعمل إلا فى إطار قانون، فمثلاً عندما يتعاطى الشخص المخدرات يتعطل لديه هذا الفص، لذلك نرى أباً يحاول الاعتداء على ابنته أو ابناً يقتل أمه. نرجع إلى القول إن الانفلات الأخلاقى ليس بسبب الثورة، لكن الذين قاموا بالثورة وكان عندهم قصد إلغاء هيبة الدولة مثل خطة الإخوان الشيطانية، بمعنى أنه إذا قضينا على الشرطة والجيش والعدل أصبحنا أمة إسلامية مثلما كانوا يسعون. ■ كيف ترى خروج متهمين سابقين فى قضايا فساد من رموز النظام السابق، ومحاولتهم العودة للظهور والترشّح للبرلمان؟ - لا يوجد فى القانون ما يمنع أى شخص من الترشّح فى الانتخابات البرلمانية، طالما أنه لا يوجد لديه قضايا مخلة، هؤلاء الأشخاص عندما يصابون بأزمة شديدة فى حياتهم عادة ما يمرون بأربع مراحل، يقفون أحياناً عند مرحلة منها، وهى (الإنكار والغضب والاكتئاب والقبول). كما يحدث إذا قلنا لمريض إنه مصاب بمرض خطير، فتحدث له عملية إنكار للمرض، ثم تتطور إلى غضب ثم تنقلب إلى اكتئاب، وفى آخر مرحلة يتقبّل الأمر الواقع، وهذا ما حدث لهذه المجموعة، فهم مقتنعون تماماً بأنهم كانوا يريدون مصلحة البلد، والذى حدث فى بلدنا أننا ليس لدينا قانون، ولا فى أى دول العالم، بمعنى أنه إذا أخطأ السياسى لا يُحاكم، وإلا كان «بوش» حُوكم على دخوله العراق، ونجد هنا أن الذين أخذوا براءة لم يصلوا إلى مرحلة القبول، وعادوا من جديد إلى التعويض للمهانة. ■ كيف يمكن أن نُحلل شخصية إنسان «تشفّى» فى عملية ذبح المصريين فى ليبيا؟ - هناك مرض اسمه «الكرب التالى للصدمة»، وهذا يحدث للجنود فى الحروب، حيث يدخلون الحرب ليس بنية الاستشهاد، وهذا حدث للأمريكان عندما أرسلوا جنوداً إلى أفغانستان، فعاد 17% منهم بهذا المرض، وهو عبارة عن تبلّد فى العواطف وعصبية شديدة وذاكرة رجعية لما حدث لزملائهم من مشاهد دموية، وليس كل هذا، بل عند مشاهدة عنف وقتل يحدث شىء اسمه البلادة النفسية، أو تجمّد العواطف، ويجب أن نعترف جميعاً بأننا نعانى من هذا المرض، فعندما حدث الهجوم على أفغانستانوالعراق كان يموت يومياً أكثر من ثلاثين شخصاً، وكانت الناس تبكى ولا تتحمّل الكارثة، الآن لو قُتل كل يوم خمسون شخصاً لا إحساس ولا شعور، وأنا ضد عرض الجرائد والتليفزيون طريقة قتل «داعش» للأبرياء، لأنه لا يوجد تليفزيون فى العالم أذاع هذا الفيديو، وإذا لاحظنا عند عرض «التنظيم» عملية حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، لم أجد سوى العرب فقط هم من أذاعوه، لكن الأوروبيين لم يذيعوا الفيديو، حفاظاً على مشاعر أطفالهم. التشفّى الذى يحدث من هذه المجموعة إلى حد ما، نوع من أنواع السادية أو التمتع بآلام الغير، وهذا يعمل على فرز طاقة، لأن المخ يعمل على فرز نوع من أنواع المنبّهات تشابه النشوة الجنسية، مثل الشخص الذى يتعاطى المخدرات، فإن الجرعة الواحدة تعادل ثلاثين مرة من ممارسة الجنس. ■ هل توجد معايير لاختيار من ينفّذون عملية الذبح فى «داعش»؟ - لا يستطيع أى شخص أن يقوم بعملية ذبح إنسان، فهم يقومون بانتقاء شخص لديه سادية، بحيث تتسم شخصيته بالقسوة والقناعة بأنه نصف إله، أى إنه يقول لنفسه أنا الذى أذبح ولا يمكن ذبحى. ■ عاش المصريون ليلة سوداء بعد عرض فيديو الذبح، لكن فى الصباح تبدّلت الصورة.. هل يمكن أن يتغير المزاج العام بهذه السرعة؟ - يوجد شىء اسمه التغيُّر المزاجى أو الذبذبات المزاجية، بمعنى أن كلاً منا لا بد أن يتعرّض لهذه الذبذبات من شعور بالتشاؤم واليأس لمدة يومين، وبعدها يشعر بالتفاؤل، وهذا أمر طبيعى، لكن للأسف الشديد، كل من يشكون من أن لديهم اكتئاباً يمنحهم بعض الأطباء أدوية للاكتئاب، وهم ليسوا بحاجة إليها، كما توجد (الشخصية النوابية)، ويوجد منها خمسة أمزجة وهى «السوداوى والتشاؤمى والنكدى والمزاجى العصبى والقلق الخائف والمزاجى الدورى والمزاجى الانبساطى». ■ وما عقدة الماسادا؟ - «الماسادا» جبل موجود بين الأردن وإسرائيل، كان الرومان يعذّبون اليهود، ففروا إليه، وكان عددهم حوالى ألف شخص، فعملوا على بناء مستعمرة فوق الجبل، وعندما علم الرومان حاصروهم، وما كان من اليهود سوى أنهم قالوا إننا لنا الشهادة، ولا يمكن أن نستسلم، فكانوا يجعلون فرداً يقتل عشرة منهم ثم ينتحر، وقتلوا الحيوانات وحرقوا الزرع. ويعرف الطب النفسى عقدة «الماسادا» بأن الإنسان يؤمن بعقيدة خاطئة، ويعتقد أن الوطن والعالم كله ضده، وأنه هو الوحيد الذى يدخل الجنة، ونرى مثلاً أن الأمريكان عندما دخلوا أفغانستان وجدوا أن الأفراد هناك تريد الموت، وهم يريدون الحياة، الشىء نفسه فى «داعش»، فهدفهم الموت والشهادة من وجهة نظرهم. ■ أحد قيادات «الإخوان» المحبوسين على ذمة قضايا، أعلن إضراباً مفتوحاً عن الطعام، ونشر له موقع «الوطن» فيديو وهو يأكل، وآخر حلق «دوجلاس»، وأعلن أنه لم يحرّض على العنف عقب ضبطه، ثم غيّر كلامه وهاجم «30 يونيو».. هل يحتاج قيادات الإخوان إلى التردد على طبيب نفسى؟ - تأكدى أن بداخل كل هؤلاء حسرة وندماً ويأساً على أنهم لم يعودوا ثانية، لكن عملية الإنكار عندهم هى ما جعل لديهم أملاً، كل هذه أعمال دعائية، المصيبة الكبرى فى «فيس بوك» و«توتير» وغيرهما من وسائل التواصل، فهم لديهم أجهزة إعلامية متخصصة فى إثارة الشائعات والفوضى. ■ لو خيروك بين أن تجلس مع واحد من اثنين، بصفتك طبيباً نفسياً عالمياً، أيهما تختار: حازم أبوإسماعيل أم خيرت الشاطر؟ - إذا كان للفحص النفسى، فلا شك سأحاول أن أجلس مع الاثنين، لأنهما من الشخصيات القابلة للفحص والتحليل، بسبب سلوكيات ليس لها أى علاقة بالدين، لكن إذا كانت جلسة صداقة فإننى أفضّل ألا أجلس مع أى أحد منهما، إما إذا كان إجباراً وواجباً وطنياً فأفضل الجلوس مع خيرت الشاطر، لأن لديه عقلاً تدبيرياً إلى حد ما، ولديه سمات فى الشخصية ممكن أن تضر بالوطن وتضر بنفسه وبالجماعة التى ينتمى إليها أكثر من «حازم» الذى يتميز بنوع من خفة الدم. ■ لو جلس أمامك رئيس سابق كان حائراً بين كرسى الحكم وجماعة تنتزع منه الصلاحيات، حتى أطاحت به ثورة إلى السجن.. كيف تحلل نفسيته؟ - أى رئيس سابق لديه عقدة اسمها «متلازمة السلطة» أو الغطرسة والتعالى، بمعنى أن الرئيس الذى يجلس فى السلطة سنوات طويلة يصبح الالتصاق بالكرسى هو كل حياته، ويعتقد أنه مبعوث الألوهية لخدمة الوطن، ويعتقد أنه يجب على الوطن أن يشكره، ليس ذلك فقط، بل إنه يتخيل أن أى مساءلة تكون من عند الله، وليس من الشعب، وأن الشعب ليس له أى حق عليه، وبالتالى أى شخص يحاول أن ينتقده يعتبر مجرماً وخائناً، لذلك كل برلمانات العالم تنص على أن الرئيس يُنتخب مرة أو مرتين على الأكثر، لكن يوجد أشخاص لديهم القابلية للشهرة والسلطة كما حدث مع الرئيس السابق للإخوان، صدّق أنه رئيس رغم إمكانياته الضعيفة جداً، وأصيب بصدمة دخوله السجن، بعد أن كان رئيساً، لذا يريد أن يخرج من جديد ويحكم. ■ هل يمكن لأى شخص سُجن لمدة طويلة أن يعود من جديد ويحكم بسهولة، أم يحتاج إلى فترة تأهيل؟ - طبعاً هذا يحتاج إلى شخصيات ناضجة جداً تكون متجاوزة لذاتها، مثل نيلسون مانديلا، وغاندى الذى لم يأخذ سلطة، لكنه كان قوياً جداً، وأذكر أن «مانديلا» قال بعد اندلاع الثورة «أرجوكم لا داعى للانتقام ولا الشماتة، أرجو الرحمة والتعاون مع من عزلتموهم، وهذا يجلب نتيجة أفضل»، لكن للأسف القدرة على التسامح تحتاج إلى شخصية ليست موجودة فى الوقت الحالى. ■ بصفتك عضواً فى المجلس الاستشارى العلمى للرئيس، ما أهمية وجود هذا المجلس؟ وممن يتكون؟ - هذا المجلس مكون من 16 عالماً مصرياً فى العالم، غير محتاجين إلى النفوذ أو المنصب أو الشهرة، هو مجلس «تطوعى» وكل أعضائه سنهم فوق السبعين، يوجد عندنا اثنان فى المجموعة مستشاران ل«أوباما»، هما الدكتور محمد العريان رجل الاقتصاد البارع والدكتور أحمد زويل مستشار «أوباما» فى الناحية العلمية لمنطقة الشرق الأوسط، ويزيد على النصف أقباط، عندما سمعوا باحتياج مصر إليهم حضروا بسرعة وعلى حسابهم الشخصى، ومن مصر ثلاثة: أنا والدكتور محمد غنيم والدكتورة ميرفت الديب، ونتقابل كل شهرين لمدة ثلاثة أيام متواصلة، للتشاور، وبعد ذلك نتقابل مع الرئيس ونطرح أفكارنا عليه. ■ كيف نُحلل شخصية حاكم دويلة صغيرة يشترى كل شىء بالمال، بداية من لاعبى الكرة والسياسيين، إلى الإرهابيين، أعنى أمير قطر؟ - أى شخص فى وظيفة يكون فيها صغير الحجم، نجد أنه يحاول أن يعوّض هذا النقص بأن يكون عدوانياً وشديداً ويتمتع بنوع من أنواع المجابهة، فمن الطبيعى أن دولة ليست لها حضارة ولا ثقافة وليس لديها أى شىء سوى المال، أن يثبت قادتها أنفسهم من خلال الفلوس، وهذه ظاهرة طبيعية جداً، والمفروض أننا نتفهمها ونتعامل معهم على أساس أنهم شىء صغير، بحيث إنها لا تحتل أبداً جزءاً من وقتنا، وكل يوم يظهر اسم قطر فى الجرائد والمجلات، لا أعتقد أن هذا من الصحة النفسية، أما بالنسبة إلى القطريين كشعب، فهم من أجمل الناس، لكن السياسيين غير الشعوب. ■ هل شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسى قابلة للنقد؟ - أى إنسان ذكى عنده مرونة ورؤية مستقبلية يرحب ويقبل النقد غير الجارح، و«السيسى» يتميز بهذه السمات، الرئيس عمل فى السياسة كثيراً جداً حوالى سبع عشرة سنة فى المخابرات الحربية، وعلى علاقة بكل مخابرات العالم الحربية. ■ ما روشتة العلاج التى تطرحها للحالة المصرية؟ - أن يتمسّك المصريون بثقافة العمل والتسامح وقبول الرأى الآخر، مغلفة بالأخلاق العلمية.