دعا الدكتور سعد الكتاتنى إثر فوزه برئاسة حزب الحرية والعدالة فى يوم الجمعة 19/10/2012، إلى لمّ الشمل، وهذه دعوة جميلة من الحزب الحاكم. ولكن لمّ الشمل له متطلبات ومقتضيات إذ يبدأ فى ظنى بحوار جاد نحو تفعيل مصلحة مصر العليا. حوار يكون فيه صوت العقل أقوى من العاطفة، وهو التوازن الذى أشار إليه الإمام البنا، رحمه الله تعالى، فى «رسالة المؤتمر الخامس»: «أيها الإخوان المسلمون، ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق فى أضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة. ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هى منكم ببعيد» انتهى كلام البنا. لقد رأيت شباباً فى التحرير والقرى من الإسلاميين خصوصاً بعد فوز الرئيس مرسى فى انتخابات الرئاسة، كانت نزوات عاطفته فى الحوار أقوى من نظرات عقله، وكان يعيش فى الخيال، وكأن كل الآمال والأحلام والطموحات قد تحققت بعد فوز الرئيس مرسى أو مجىء الإسلاميين للحكم، ولكن الواقع كان صادماً لتطلعات هذا الشباب بعد أن اتضحت بعض الحقائق له. لا يستطيع فرد واحد ولا حزب واحد، أن يفى بمتطلبات الواقع ومقتضياته على الوجه الأكمل وخصوصاً بعد المرحلة المريرة التى تلت ثلاثين سنة من الظلم والقهر والاستبداد والفساد. إن لمّ الشمل فى ظنى يحتاج إلى حوار شامل بين كل المفكرين والمعنيين بمصلحة هذا الوطن. ولكى ينجح الحوار ينبغى أن تتوفر له أركان أربعة، هى إجمالاً، الهدف من الحوار ثم أجندة الحوار، ومكان الحوار، وإدارة الحوار. كما ينبغى أن تتعدد الحوارات وفق الأهداف الموضوعة واستثماراً للكفاءات المصرية. كم من حوار دار دون هدف فأصابه الفشل حتى قبل البدء، وكم من حوار حدد أهدافاً أكبر من القدرات والإمكانات فظلت أحلاماً. وكم من حوار دار دون أجندة واضحة أو كان المكان الذى يدور فيه الحوار غير ملائم فقضى نحبه فى المهد، وكذلك تفشل الحوارات من قبل أن تبدأ بسبب الإدارة المسئولة عن الحوار أو نظرة الاستعلاء والشك إلى الآخر، ولنأخذ العبرة والدروس من لقاءات مجلس الشعب «المنحل» ومن لقاءات الجمعية التأسيسية للدستور، وغيرهما من الحوارات التى بدأت ثم ماتت لأن أركان النجاح لم تكتمل لها فتصبح حوارات هدامة تزيد الصفوف تمزيقاً والشعب تفريقاً. لقد كان برنامج د. سعد الكتاتنى فى الانتخابات لرئاسة حزب الحرية والعدالة مميزاً وليته يحققه بعد الفوز، وإلا فيكون قد وعد بما لا يستطيع. ويكون البرنامج مجرد دعاية انتخابية. استوقفنى منه على وجه الخصوص عدة نقاط منها: البند الثالث التمكين بالشأن السياسى للمرأة، وهو أمر يحتاج إلى تفصيل كثير من الكتاتنى وخصوصاً فى ضوء الموقف الفقهى والفكرى والنظرة إلى المرأة فى المشروع الإسلامى، وفى مقدمتها مسألة الولاية العظمى وخصوصاً فى فهم «الإخوان المسلمين». أما مسألة لمّ الشمل فيخدمها فى البرنامج البند الخامس بشأن مد جسور التفاهم والأحزاب ومشاركة جميع القوى الوطنية. كما استوقفنى البند الأخير فى البرنامج وإن لم يكن من الأولويات، وهو تعزيز الدور الريادى لمصر على المستوى الدولى، وهذا الهدف أكبر من أى حزب ولو كان حاكماً فى مصر، ولا يخص حزباً بعينه بل يعمل له جميع المواطنين، ويفعّله العاملون فى الدولة سواء فى الحكومة أو القطاع العام أو الخاص أو من كان فى البيت قاعداً. أما ما لفت نظرى فى برنامج الدكتور عصام العريان نائب رئيس الحزب فهو البند الثالث بشأن الحكم الرشيد لأن متطلبات الحكم الرشيد تحتاج إلى ذلك الأساس القوى الذى أشار إليه الإمام البنا -رحمه الله تعالى- فى «رسالة نظام الحكم» بدءاً بتحديد مسئولية الحاكم واحترام إرادة الأمة والسعى إلى وحدتها لا تجزئتها. وقد قال عمر بن عبدالعزيز الخليفة الزاهد أو خامس الخلفاء الراشدين فى خطبة الحكم: «ألا إنى لست بخيركم، ولكنى رجل منكم غير أن الله جعلنى أثقلكم حملاً»، هذا الشعور يجب أن يسرى فى نفوس الإسلاميين ليكونوا قدوة للشعب. كما أن الحكم الرشيد لا يقوم على حزبية عمياء مثل التى نشاهدها فى مصر بعد الثورة التى لم تكتمل. «إن نار الخصومة والحقد قد اضطربت فى نفوس الحاكمين والمحكومين على السواء بفعل هذه الحزبية الخاطئة التى لم نفهمها نحن فى مصر فى يوم من الأيام على أنها خلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، كما قال الإمام البنا -رحمه الله تعالى- ولا يزال الحال على ما هو عليه يحتاج إلى تغيير حيث إن الحكم الرشيد يحتاج إلى قيادة رشيدة.