كان مساء الأحد موجعاً، كئيباً، قاسياً على قلوب المصريين وعقولهم. مرت مصر فى الأشهر الماضية بفواجع كثيرة، بكت شهداءها وكفّنتهم بعلمها ولملمت جراحها وعادت تضحك وتغنى وهى تعرف أن لها جيشاً يحميها. لكنها بوغتت بأن أبناءها يُذبحون خارج حدودها. بث تنظيم «داعش» الإرهابى فيديو لعملية ذبح جماعية لواحد وعشرين مصرياً من العاملين فى ليبيا. كان هول الصدمة أعنف من أن تتأخر القيادة السياسية فى رد عسكرى ودبلوماسى حاسم، وسريع، ثأراً لشهداء الإرهاب. ظهر الرئيس السيسى فى الثانية عشرة من مساء اليوم نفسه، وألقى كلمة أشبه ب«بيان حرب»، حدد فيه حزمة من الإجراءات الفورية. كان الرئيس غاضباً، مكفهراً، وثابتاً فى الوقت نفسه، وبدا أن ثمة عملاً عسكرياً متوقعاً وقريباً. ثم تبين أن الرئيس يريد أن يستيقظ المصريون على «ضربة» تشفى غليلهم. عقد الرئيس اجتماعاً فورياً لمجلس الدفاع الوطنى برئاسته، استمر حتى حتى الثالثة من صباح الاثنين، وخلال ساعة واحدة أقر المجلس توجيه ضربات جوية مكثفة ضد معاقل تنظيم «داعش» الإرهابى، بدأت قرب الفجر. لكن الأنباء تضاربت حول أعداد القتلى من «التنظيم»، فرئيس أركان سلاح الجو الليبى، اللواء الركن صقر الجروشى، قال إن العدد يتراوح بين 40 و50 متشدداً جراء الغارات على أهداف فى مدينة درنة، فيما نقلت «سكاى نيوز» عن مصادر ليبية أخرى أن الضربات أسفرت عن مقتل 7 على الأقل من التنظيم الإرهابى. الرئيس الفرنسى «أولاند» كان أول المبادرين إلى الاتصال بالرئيس السيسى، معلناً دعم بلاده الكامل لمصر فى حربها ضد الإرهاب، فيما أيد رئيس وزرائه «مانويل فالس» احتمال تورط قطر فى تمويل شبكات الإرهاب، وطالبها -مع تركيا- بمحاربة «داعش». الحركات القبطية ستنظم اليوم جنازة شعبية لشهداء المذبحة فى دوران شبرا، والكنائس باركت الضربة الجوية واعتبرتها أبلغ رد على أن دماء المصريين عزيزة. وارتفعت صورة المسيح مصلوباً إلى جوار صور الشهداء فى كنيسة السيدة العذراء فى قرية «الغور» بمركز سمالوط شمال المنيا. وها هم العائدون بأعمار جديدة من هذا الجحيم يتحدثون بوجوه تختلط فيها فرحة النجاة.. بالأسى على انقطاع الرزق: «فخورون بجيشنا.. وكنا سخرة». المؤسسات الدينية ندّدت وأعلنت أن «داعش» يفترى على الإسلام بأحاديث وروايات باطلة، والسياسيون حذّروا من تزايد عمليات استهداف أقباط مصر فى الخارج، والضربات لن تتوقف، فقد دقت ساعة الحرب: ساعة مصر التى علّمت الإنسانية شرف الخصومة.. مثلما علمتها إرادة الحياة.