أكاد أجزم أن نصف الذين سيكفرون بالله العظيم أو نبى الإسلام الكريم، أو سيكرهون الإسلام هذه الأيام، ستتحمل داعش وزرهم. لقد تفكرت طويلاً فى كلمة الشيخ الغزالى رحمه الله «إن نصف الذين يكفرون بالله يتحمل وزرهم دعاة نفروهم عن الحق، أو عرضوا عليهم الإسلام بطريقة خاطئة». وقد عشت حياتى كلها متأملاً فى تاريخ الإسلام القديم والحديث، فلم أر فى كل تاريخه جماعة أو مجموعة يمكن أن تصرف الناس عن الإسلام مثل داعش، أو تنفرهم عنه مثلها أو تبغضهم فيه مثلها. فهذه الجماعة بلغت من النزق والحمق والشطط والشيطنة مبلغاً لم يبلغه إبليس نفسه.. ولو أن إبليس نفسه جمع كل أتباعه وأشياعه فى أن يصرفوا الناس عن الإسلام ورسالته ما استطاعوا طوال عمرهم أن يفعلوا فى الناس فعل داعش فيهم.. وقد جعلت داعش الأردن بالأمس على قلب رجل واحد تكره داعش وأخواتها وأولاد عمومتها، واليوم يتكرر الموقف مع مصر، وقبل ذلك تكرر مع اليابان وأمريكا وبريطانيا وأستراليا ولبنان والعراق وسوريا.. فأين ذهب عقل هؤلاء إن كان لهم عقل؟ لقد خلصت حقاً إلى أن الإسلام قضيته عادلة يتولاها محامون فشلة عجزة حمقى، فتخسر هذه القضية باستمرار.. وأن الإسلام تجارة رابحة يتولاها عادة تجار فاشلون يسيئون عرضها ولا يعرفون شيئاً من مزاياها فتخسر باستمرار. ولو تركت قضية الإسلام العادلة تدافع عن نفسها، وتجارته الرابحة تتاجر وحدها ما أضير الإسلام أبداً. فهذه داعش تقدم أعظم إساءة للإسلام والمسيحية والأديان بذبحها لهؤلاء الصعايدة المسيحيين المسالمين الغلابة والفقراء، الذين ذهبوا إلى ليبيا من أجل لقمة العيش بعد أن ضاق بهم العيش فى وطنهم.. وبعضهم أسرته تتضور جوعاً. ما ذنب هؤلاء حتى يقتلوا؟ وأى جريرة حتى ينكل بهم هؤلاء؟ فهؤلاء مواطنون بسطاء ليسوا فى خصومة مع أحد؟.. وليسوا من أهل الصراع السياسى ولا من محترفى السياسة أو طالبى المناصب.. فكل همهم فى الحياة هو أن يعيشوا مستورين، وأن يكون لكل واحد منهم بيت يؤويه وطعام يكفيه وعمل يستره عن تكفف الناس. وهل تستباح الأنفس المعصومة هكذا؟ وما علاقة هؤلاء بأمريكا ولا بغيرها من الدول؟ وهل الإنسان مسئول شرعاً وقانوناً عن أى دولة.. وهو الذى لن يسأل فى الدنيا والآخرة عن أبيه ولا أمه ولا ابنه ليصبح لدى داعش بين عشية وضحاها مسئولاً عن دول لا يعرفها.. وملة ليس من أهلها.. فجهل داعش جعلهم لا يعرفون أن هؤلاء حتى من ملة غير ملة مسيحيى أمريكا؟ ألم يقرأ هؤلاء يوماً فى أى كتاب عن شخصية المسئولية والعقوبة التى جاء بها الإسلام قبل القانون الوضعى بقرون طويلة وهتف بها القرآن «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى». وهل يرضى هؤلاء أن يطبق الغرب والشرق على الأقليات المسلمة نفس المنطق، فيذبحوهم عند المحيطات لأنهم أقلية تخالفهم الدين والعقيدة؟ ألم يقرأ هؤلاء أن أهم «مقاصد الشريعة» التى نص عليها العلماء والفقهاء هى «حفظ النفس».. كل الأنفس.. وأى نفس.. فالنفوس سواء.. وقد أطلق القرآن الخطاب فى قوله تعالى «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ».. فكل النفوس سواسية.. وكل الأنفس معصومة، كما قال علماء الإسلام، ولا تزول هذه العصمة إلا بدليل أنصع من شمس النهار من قرآن وسنة لا يحتمل تأويلاً. النفوس البشرية هى بنيان الله الذى خلقه بيده ونفخ من روحه.. ومن أحيا هذا البنيان أحياه الله.. ومن هدمه هدمه الله وعذبه فى الدنيا والآخرة.. ومن قتل هذه النفس فكأنما قتل الناس جميعاً. وقد جاء القرآن وكل الرسالات بالإحياء «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً». والغريب أن داعش التى تقرأ الإسلام ب«الشقلوب»، تزج باسم الرسول الكريم الرحيم فى هذا الفيديو السيئ المقزز. يا داعش.. اتركوا الرسول ورسالته.. ولا تشوهوا رسالته.. دعوه يتحدث عن نفسه.. دعوه يجمع إذا أصررتم أن تكونوا من المفرقين.. دعوه يبشر وأنتم تنفرون.. دعوه ييسر وكفى تعسيركم.. دعوه يرحم وأنتم تحرقون.. دعوه يحنو وأنتم تظلمون.. دعوه يرفق وأنتم تفجرون.. دعوه يصفح ويعفو وأنتم تظلمون وتنتقمون.. دعوه يصل وأنتم تقطعون. يا رسول الله عذراً، إن داعش قرأت أوصاف القرآن عنك بطريقة عكسية وكأنها تقرأ «وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ».. فتقرأها «وما أرسلناك إلا ذابحاً للعالمين.. أو مفجراً للعالمين.. أو مدمراً للعالمين».. إنها عمياء لا تبصر معانى القرآن وقلبها قاس لا يعيش مثل هذه المعانى الرقيقة. يا رسول الله عذراً فقد أرسلك الله رحمة للعالمين.. وجاءت داعش قسوة وتفجيراً وتدميراً وذبحاً للعالمين. عذراً يا رسول الله فقد حذرت الأمة قائلاً: «لا تعذبوا بعذاب الله».. وهم يعذبون المسلمين بالنار. عذراً يا سيدى، فداعش لم ولن تفهم أن الإسلام أدخل امرأة النار فى هرة لأنها حبستها ومنعتها الطعام والشراب.. وهى الآن تحبس وتذبح مئات المسلمين والمسيحيين ذبح الشياه من غير رحمة ولا شفقة، ودون سند من شرع أو قانون إلا شريعة الغاب. عذراً يا رسول الله فقد ناديت «أفشوا السلام بينكم».. ففهمتها داعش «أفشوا الدمار والقتل والدماء فى العالم كله». عذراً يا رسول الله فقد عفوت فى يوم حنين عن 6 آلاف أسير مرة واحدة، وعفوت عمن ظلمك من قريش قائلاً: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ولكننا لم نسمع أن داعش صفحت عن أى أحد أو رحمت أى إنسان، مسلماً كان أو غير مسلم.. فقلوبها كجلمود صخر. لقد فجرت داعش وزاد بغيها.. فلا يفل الحديد إلا الحديد.. ومن لا يصلحه الخير أصلحه الشر.. ومن أصابه العطب فى عقله ونفسه فلا يصلحه إلا سيف ودرة عمر بن الخطاب التى تدق رأسه وتخرج الوساوس والشياطين منها.