لا أعرف هل تابعت مؤسسة الرئاسة والحكومة بالأمس "حديث إسراء ومريم".. طفلتان لم يتجاوز عمر الواحدة منهن 10 سنوات.. الأولى ابنة أمين الشرطة شهيد بمذبحة كرداسة رضا عبدالوهاب، والثانية هي ابنة أمين شرطة استشهد في نفس المذبحة اسمه محمد السيد أحمد عبدالله. كان حديث الطفلتين قويًا.. صادقًا.. مبهرًا.. أقوى من أي حديث يقوله رئيس أو رئيس وزراء أو حتى وزير داخلية عن "إرهاب الإخوان" وعنفهم.. كان حديثًا من "قلب" طفلتين.. وصل إلى مسامع وعقول وقلوب الجميع.. الحديث كان مع الإعلامي البارز وائل الإبراشي في برنامجه "العاشرة مساء" الذي بكى وبكى معه الجميع. رسالة "مريم وإسراء" أقوى من بيانات الخارجية وبكاء الداخلية وحديث السفراء في الخارج.. الرسالة أقوى من كلمات: "سنحارب الإرهاب.. ونقضي عليه ونجتزه".. أعظم من كلمات يترنح.. يتهاوى.. النزع الأخير. رسالة صافية.. "مشفية" بعيدة عن اللت والعجن.. رسالة وحديث يجب أن يُترجم إلى كل لغات العالم.. ويُوزَّع في السفارات بالخارج.. ويُعرض على "أهل حقوق الإنسان" الذين أصدروا 4 بيانات إدانة عن حكم كرداسة وأشاروا إلى السيدة الوحيدة المحكوم عليها بالإعدام مع 182 آخرين في قضية مذبحة كرداسة.. إنها السيدة سامية شنن التي خلعت "شبشها" وضربت به العميد عامر عبدالمقصود وهو يُعذَّب ويُنكَّل بجثته.. وعندما طلب مياه.. سقته ماء نار. إسراء.. كانت ابنة 8 سنوات حين لم يودعها والدها أمين الشرطة رضا عبدالوهاب صباح يوم 14 أغسطس 2013 وتوجَّه إلى عمله مسرعًا في مركز شرطة كرداسة.. نعم يوم المذبحة. إسراء.. نحيفة.. متهالكة نفسيًا.. مدمَّرة.. رغم سنوات عمرها الصغيرة وبراءة من في هذا السن. كانت تتحدث مع "الإبراشي" وكأن عمرها يتجاوز الخمسين.. مهمومة.. مصدومة.. غائب عن وجهها "الابتسام".. نظرات العينين تقول إن تلك الابتسامة غابت كثيرًا وستظل غائبة وربما لن تعود.. ذهبت مع أب غاب عن الحياة في مشهد مأساوي ومذبحة مسجلة ب"الصوت والصورة". تقول إسراء: "أنا كنت عايزة أطلع دكتورة بس بعد اللي حصل لبابا أنا عايزة أشتغل في الشرطة عشان أجيب حق بابا، أنا مبقاش عندي أب، كل أصحابي في المدرسة عندهم أب إلا أنا، مبقتش بنادي على بابا ولا بشوفه". "أنا بحب الرئيس السيسي بس هحبه أكتر لو جاب حق بابا من اللي قتله، وأعدمهم قدامنا زي ما هما قتلوا بابا قدام الناس كلها، أنا بابا مسلِّمش عليا قبل ما ينزل الشغل في اليوم دا مع إنه كل يوم كان بيسلِّم عليا، أنا عايزة حق بابا". إلى جوارها كانت مريم.. ومريم هذه ابنة 9 أو 10 سنوات.. قوية.. لبقة.. رائعة.. شجاعة.. مفوهة.. بريئة.. كلماتها خرجت من قلبها في نفس الحلقة.. خرجت من بين شفتي طفلة ذاقت "المر" على مدار عام ونصف ولم تزل.. خرجت كلماتها كسهام استقرت في قلوب من شاهد ومن سمع اللقاء.. وربما أبكت الجميع. قالت مريم: "أنا كل أصحابي عندهم أب، أنا خلاص مبقتش بعرف أنام كل يوم بعيط قبل ما أنام، عشان بابا مبقاش ييجي يسلم عليا قبل ما أنام، أنا خلاص مش هشوف بابا تاني.. أنا من ساعة أبويا ما مات مشفتش صورته في جورنال أو في تلفزيون.. كل الناس بتجيب ناس تانية.. ومعرفش أبويا ليه محطوش صورته". مريم ب"ثبات وفخر وصبر" تواصل: "أنا أبويا بطل.. وأنا فخورة بيه.. أبويا مستخباش.. واجه الموت وكان قوي.. اتغدر بيه.. وبعدما ضربوه بسكاكين وعذبوه.. خنقوه بحبل كبير.. أنا زي ما شفت أبويا وهو بيتعمل فيه كده عايزة اللي قتلوه يتعمل فيهم كده.. وولادهم يشوفوا زي إحنا ما شفنا.. أنا اللي قتل أبويا كان بيكلمني في التليفون من تليفون بابا.. ويقول تعالوا على كرداسة.. أنا لسه حافظة رقم أبويا.. ومسجلاه عمري.. ما أمسحه.. أنا بس هاطلع ضابط.. ومش هتنازل عن ده.. وهاخد حق أبويا.. أنا عايز أبويا يرتاح في رقدته.. بس لازم الريس اللي أنا بحبه.. يجيب حق أبويا.. يجيبه بسرعة.. إحنا ضعنا خلاص.. أمي محدش عينها لحد دلوقتي.. ليه اتأخروا مش عارفة.. إحنا مش قادرين نعيش.. مش موجودين أصلًا.. بس هنعيش هنعيش لحد ما حق أبويا يرجع". هل تترجم كلمات "الصغيرتين".. هل تصل رسالتهما إلى "الخارج" في وقت لا تتوقف جماعة الإخوان عن الترويج الكاذب.. والتضليل. ظني أن الرسالة لن تصل.. وأن "حكومتنا" غائبة تعمل بمنطق رد الفعل وليس الفعل.. تعمل بهذا المنطق.. ولا تتابع حديث "إسراء ومريم" ولن تتابع رسالة صادقة.. صافية تذهب مباشرة دونما استئذان لأي قلب.