رصد المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فى دراسة بعنوان «النزاع فى السودان: أزمة لجوء جديدة فى انتظار أفريقيا»، أوضاع اللاجئين فى السودان بعد الأزمة المشتعلة بسبب النزاع المسلح بين الجيش وميليشيا الدعم السريع. مفوضية اللاجئين عبَّرت عن قلقها من فرار النساء والأطفال إلى المناطق الحدودية وتجاوز العدد ل400 ألف لاجئ يحتاجون للدعم والمساعدة العاجلة ويستعرض المركز أحدث بيانات المفوضية السامية لشئون اللاجئين، التى تبين أن عدد اللاجئين تحت مظلة المفوضية فى السودان تجاوز 1.1 مليون لاجئ فى 2022. ويمثل اللاجئون من جنوب السودان الغالبية العظمى منهم، ويتبعهم فى الترتيب اللاجئون من إريتريا ثم سوريا وإثيوبيا، إلا أن العدد الفعلى قد يتجاوز مليونى لاجئ وفقاً لمنظمة العمل الدولية، يضاف إليهم ما يزيد على 1.8 مليون نازح داخلياً بسبب الصراع أو التغيرات المناخية. وعلى الرغم من أن 70% من اللاجئين فى السودان يعيشون خارج معسكرات أو مخيمات اللاجئين، فإنهم يعانون بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية، وشح الدعم الذى يتلقونه من المنظمات الأممية العاملة فى السودان، وبرغم أن السودان يمتلك خطة استجابة تهدف إلى حماية اللاجئين وتوفير المساعدات اللازمة لهم لسد احتياجاتهم والمساهمة فى بناء قدراتهم منذ 2020، فإن سوء الأوضاع الاقتصادية هناك مثل تحدياً أمام السلطات والمنظمات غير الحكومية السودانية للوفاء بالتزاماتها تجاه اللاجئين. وتشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن اللاجئين، خاصةً فى شرق دارفور، يعانون من التمييز العنصرى عند تلقى الخدمات، بجانب أن فرص إشراكهم فى سوق العمل ضعيفة جداً، ويرجع ذلك إلى عدم كفاية الخدمات الحكومية فى الإقليم وزيادة احتمالية الصراعات القبلية. ويؤكد ذلك التقرير الصادر عن «اليونيسيف» بشأن النظام الصحى فى السودان، حيث أوضح التقرير أن 30% من السكان لا يمكنهم الوصول للمرافق الصحية فى غضون 30 دقيقة، وتفصل 20% من السكان ساعة كاملة عن أقرب مقدم خدمة صحية؛ ما يعنى أن هناك تفاوتات كبيرة فى تقديم الخدمات الصحية بسبب النطاق الجغرافى أو الوضع الاقتصادى للأفراد. وأسفر الصراع الدائر بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع عن مقتل ما يزيد على 300 وإصابة نحو 3200 شخص وفقاً لبيانات مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فى السودان «أوتشا»، بينما خرج العديد من المستشفيات «70% من مستشفيات مناطق الاشتباكات» من الخدمة، وانقطعت الكهرباء عن الخرطوم بالتزامن مع استمرار نقص المياه والغذاء، الأمر الذى دفع آلاف السكان للنزوح نحو الريف. وبدأت معظم دول العالم فى إجلاء رعاياها ودبلوماسييها من الخرطوم بعد 6 أيام من الاشتباكات هناك، الأمر الذى يشير بوضوح إلى أن الأوضاع فى طريقها نحو مزيد من التدهور، كما أنه من المتوقع أن تتزايد موجات النزوح الداخلى واللجوء لدول الجوار بأعداد كبيرة. وكانت تشاد أولى الدول المتأثرة بموجات اللجوء بسبب الصراع فى السودان، حيث عبرت مفوضية اللاجئين عن قلقها بسبب تصاعد العنف الذى أدى خلال أسبوع واحد إلى فرار ما يقدر بنحو 10 إلى 20 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، إلى المناطق الحدودية لتشاد، ليتجاوز العدد الفعلى للاجئين السودانيين هناك 400 ألف لاجئ يحتاجون إلى الدعم والمساعدة العاجلة، فضلاً عن وجود تقديرات غير رسمية بفرار أكثر من 1.5 مليون سودانى من مجتمعاتهم المحلية. ولا يعبر العدد الذى أعلنته مفوضية اللاجئين عن واقع نزوح السودانيين القسرى بسبب النزاع الحالى، بل يمثل فقط مؤشراً لما يمكن أن يسفر عنه استمرار هذا النزاع من موجة نزوح جماعى قد تشبه فى طبيعتها ما أسفرت عنه الحرب فى شمال إثيوبيا، حيث أدى النزاع المسلح طيلة عامين فى إقليم تيجراى إلى نزوح أكثر من مليونى شخص داخلياً وإلى دول الجوار بعد فشل محاولات التهدئة بين طرفى النزاع، فضلاً عن أن السودان نفسه قد عانى من موجة نزوح مشابهة تجاوزت مليونى شخص أثناء النزاع فى دارفور فى 2003. وأوضحت الدراسة أن عدد اللاجئين السودانيين نحو 850 ألف لاجئ فى مختلف دول العالم يتمركز غالبيتهم فى تشاد وإثيوبيا ومصر، وكذلك أكثر من 3 ملايين نازح داخلياً؛ وهو عدد قابل للزيادة غير المسبوقة بسبب النزاع الحالى، الأمر الذى يفسح المجال للحديث عن البدائل المطروحة أمام اللاجئين المحتملين من السودان إلى دول أخرى فى حالة استمرار النزاع لمدة تزيد على سنة واحدة. وتأتى مصر كأفضل الخيارات أمام السودانيين، إذ إن هناك أكثر من 5 ملايين سودانى فى مصر خارج مظلة مفوضية اللاجئين ولا تعاملهم السلطات المصرية كلاجئين وإنما يتمتعون بالخدمات الأساسية كما يتمتع بها المصريون. وتوصلت الدراسة إلى أن عدداً من الدول الأفريقية، وفى مقدمتها مصر، على أعتاب موجة جديدة من اللجوء والنزوح القسرى مصدرها السودان، ما يتطلب اتخاذ عدة إجراءات لتخفيف وطأة تلك الموجة على الدول المستقبلة للاجئين، أهمها بدء الفاعلين الدوليين ممثلين فى الاتحاد الأفريقى والمنظمات المعنية التابعة للأمم المتحدة فى دفع طرفى النزاع نحو التهدئة واختيار التفاوض للوصول إلى حل يحفظ أرواح السودانيين ويمنع تهجيرهم.