كان يوم 25 يناير 2011 يوماً عظيماً بكل المعايير والمقاييس، مهما اختلف بعضهم حوله وحول تسميته، ثورة أم انتفاضة أم أحداث، ومهما تباينت نتائجه، فقد كسر المصريون فيه حاجز الخوف وضحّوا تضحيات كبيرة، سقط فيها شهداء وجرحى، لم تجد مشكلتهم -للأسف الشديد- حلاً جذرياً حتى اليوم وبعد مرور (4) سنوات، رغم التعهدات العديدة على مختلف المستويات ورغم دفع الرئيس السيسى نحو حل تلك المشكلة. كانت ثورة 25 يناير ثورة عظيمة، حيث خرج الذين نفد صبرهم من الفساد ومحاولات التوريث والظلم والتخلّف، واجتمعوا حول مطالب محدّدة هى: العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة. اشتركوا سوياً فى ثورة حضارية من مختلف العقائد والأديان والألوان والمستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتعاونوا فى صورة حضارية بهرت العالم كله. عكست الثورة الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية للوطن العزيز والشعب الكريم. برز من الثورة ائتلافات وقيادات عديدة زادت على المائة، لم تتفق أو تتحد يوماً ما، رغم الأخطار التى أحاطت بالثورة، والمؤسسة الوحيدة التى حمت الثورة كانت المؤسسة العسكرية التى تميّزت مع نظيرتها التونسية فى الموقف من الرئيسين «بن على» و«مبارك»، وإن اختلفت مسيرة الديمقراطية بعد ذلك فى البلدين. كانت المؤسسة العسكرية مع الشعب، كلهم يقولون «كفاية». لم تمنع حقيقة كون «مبارك» من المؤسسة العسكرية أن تقف المؤسسة كلها فى صف الشعب، وتقنع «مبارك» بالتنحى، حتى لا تزداد التضحيات الثورية، وحتى لا يتعرّض «مبارك» وأسرته لما تعرّض له «القذافى» وأسرته، ولا حتى «بن على». الظروف مختلفة وثورة مصر كانت حضارية رغم التضحيات. سيمر يوم 25 يناير 2015، رغم التهديدات والوعود الكبيرة والاستعدادات الضعيفة التى بدأت منذ مدة، فى شكل تظاهرات للإفساد على الناس فرحتهم، خصوصاً أيام الجمع. عندما أتذكر بيان الجبهة السلفية التى هدّدت بثورة إسلامية يوم 28 نوفمبر 2014، ونادت الشباب المسلم بأن يخرج لينطلق فى عمل ثورة، حسبما جاء فى بيانهم «لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ»، ثم ضاعت تلك الثورة المزعومة فى التيه، واختفت إلا قليلاً، حيث استعدت لها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والشعب، ووقفوا فى وجه تلك الثورة المزعومة يداً واحدة. وقد أغرت هذه الدعوة الكلامية القوية، من جماعة أو مجموعة تعتبر من أضعف الجماعات والمجموعات، أغرت جماعة كبيرة من الإخوان وأنصارهم -وظنوا «تحت القبة شيخ»، كما يقول المثل المصرى- وسارعوا إلى إعلان تأييدهم للوهم المسمّى بثورة إسلامية، وما كان هذا التحرّك بثورة ولا هو حتى بفورة ولن يكون بفضل الله تعالى. الواقع تغيّر كثيراً، والشعب يدرك أن الخطر الأهم اليوم هو الإرهاب ولا بد من مواجهته حتى لا تشهد مصر، حالة من الحالات المؤسفة حولنا من العراق شرقاً إلى ليبيا غرباً. هناك من هذه المجموعات، من يفكر مثل تفكير بعض جمهور القهاوى، وبعضهم رتّب برلماناً، وبعضهم شكّل حكومة من خليط غير متجانس، ولا متخصص، على أمل أو وهم التغيير أو الثورة أو تحقق بعض التنبؤات والأحلام. اتخذوا إعلاماً يدعو إلى العنف ويزعم السلمية، واتخذوا لغة تشهير وتجريح بعيدة كل البعد عن الروح الإصلاحية أو الإيجابية، ونسوا أن الرجال مواقف، وأن وقت الشدة والإرهاب، يقف الجميع صفاً واحداً ثم يكون التقييم والحساب والمساءلة ثم التقويم. السلبيات القائمة لا تنقضى بسلبيات على الجانب الآخر الذى يزعم الإصلاح. وهذا السعى السلبى كله، خبل فى وقت تتعرّض فيه مصر لهجمة شرسة من بعض الدول الخارجية التى تدور فى الفلك الأمريكى، ومنها بعض دول الاتحاد الأوروبى التى أعلنت عدم إرسال بعثة كاملة لمراقبة الانتخابات البرلمانية فى مصر أو إشرافها على تلك الانتخابات بسبب انتقاد سجل حقوق الإنسان، وهو ضغط غير مقبول تماماً، مثل الضغوط التى تتعرّض لها مصر فى مجال حقوق الإنسان، خصوصاً فى مؤتمرات جنيف، من منظمات وبلاد تسعى سعياً فيه إلى تسييس هذا الميدان الحيوى ولو جزئياً. أعلنت الممثلة العليا لشئون السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى فيديريكا موجيرينى أنها سترسل أو تنشر بعثة خبراء أصغر إلى مصر. سألت نفسى: هل نحن نرسل بعثات لمراقبة الانتخابات وما أكثرها فى بلاد الاتحاد الأوروبى، وهل يعبأون بنا؟ لو أرسلنا أو هددنا بإرسال أو عدم إرسال بعثات أو لجان إلى انتخاباتهم؟ علينا ألا نعبأ بهم، فهم جزء من خطة التهديد والوعيد الأجنبية ضد مصر، وفى الوقت نفسه علينا أن نعالج أى أخطاء أو انتهاكات عندنا خوفاً من الله تعالى أولاً وأخيراً، ثم من إغضاب الشعب، وحتى نكون نموذجاً أمام العالم كله. سيمر يوم 25 يناير 2015 على خير، وكذلك الانتخابات، كما حدث فى السنوات التى تلت الثورة أو أحسن. قد تقع أحداث متفرّقة هنا وهناك، ولكن علينا جميعاً اليقظة، حتى لا ينفذ من صفوفنا من يخرّب هنا وهناك، ولا من ينتهك حقوق الإنسان ونحن نواجه خطر الإرهاب، حتى نقبره بإذن الله تعالى، فمصر -فى ظنى- هى مقبرة الإرهاب. والله الموفق