تعرفه جيدًا من تقاسيم وجهه البسيطة، التي تحمل بين طياتها تفاصيل مصرية محببة، تتناسب مع سمرة طبيعية امتلكها، بين تفاصيله نظارة طبية تكاد تكون جزءا ثابتا منه تستقر فوق عيناي بندقتين تحملان سحر من امتلك العالم بينهما، بينما تخبر تجاعيد وجهه وابتسامة وقورة عن تجاوزه العقد الثمانين في سلام. نجح بهاء طاهر من خلال أدبه أن يخترق ذلك الحاجز الخفي الذي يحيط بمصر من الخارج، وأن يتناولها من الداخل مستعينًا بفطرته وعبقريته الأدبية، فاستطاع أن يقدم الوحدة الوطنية في أقدس صورها من خلال "خالتي صفية والدير"، ليمثل امتدادا لجيل الريادة في وقت كان الظهور على السطح أصعب ما يكون وسط عمالقة الأدب المسيطرين على حلبته الشرسة. بدأت الموهبة تنمو بالطفل ذو الجذور الصعيدية المولود عام 1935، فكان ترتيبه هو الثامن بين 7 من الأخوة، يمنحه الفرصة في أن يسمع قصص السير الشعبية على يد والدته التي أخذت تسقي بذور الموهبة بداخله، فكانت هي النبع الأول للحكايات بالرغم من كونها لا تقرأ ولا تكتب، إلا أنها شكلت وجدانه والخيال الجامح بداخله، وساعدها في ذلك والده مدرس اللغة العربية. تدرج بهاء في التعليم الأساسي بشكل سلس ما بين المدرسة الإلزامية والكتاب، ويلتحق بعدها بكلية الآداب قسم التاريخ، فيبدأ بعد تخرجه أن يحصل على فرصة حقيقية ليعترف "إن أحلامه كانت أكثر من قدراته" على حد تعبيره. التحق الأديب الشاب في ذلك الوقت بالعمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات، كما تدرج حتى حصل بعد ذلك على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة إذاعة وتليفزيون عام 1973، يلتحق بعدها بالبرنامج الثاني بالإذاعة مارًا بتجربة فريدة من نوعها، شكلت علامة فارقة في مشواره، ويستمر في تقديمه وإخراجه حتى عام 1975، والتي كانت عامًا فارقًا بالنسبة له بعد أن منع من الكتابة لمخالفته للنهج السائد في ذلك الوقت، الأمر الذي دفعه للسفر إلى الخارج ليعمل مترجمًا في عدد من الدول، واستقر في جنيف حيث عمل مترجما في الأممالمتحدة ليعود إلى مصر عام 1995. خلقت تجربة السفر والتنقل لدى الأديب الكبير مجموعة من الخبرات التي أبرزت موهبته في خط منفصل في معالجة القضايا الإنسانية والوطنية، خالقا من خلالها بعد آخر يجذب به القارئ من خلال زخم فني رفيع، ولم تقتصر إسهامته الثقافية على حد تراثه الأدبي فقط بل امتدت ليهدي الكاتب وزارة الثقافة قطعة أرض يمتلكها عن عائلته في محافظة الأقصر، لتأسسها كقصر ثقافة يخدم احتياجات المنطقة من الناحية الثقافية والفنية. قدم طاهر خلال مشواره الأدبي الممتد عددا كبيرا من الأعمال الأدبية التي تشكل نقاط بارزة في الأدب المصري والعربي، منها المجموعات القصصية ك"أنا الملك جئت"، و"لم أكن أعرف أن الطواويس تطير"، وروايات حازت الكثير من الجوائز منها "واحة الغروب" التى حاز بها على جائزة البوكر العربية عام 2008، وجائزة جوزيبى أكيربى الإيطالية عن روايته "خالتى صفية والدير". برزت دائمًا الطبيعة الثائرة في شخصية بهاء طاهر منذ طفولته التي استمدها من جذوره الصعيدية، ففي عام 1948 خرج الطفل الذي لم يتجاوز ال 13 عامًا أول مظاهرة في حياته لتنديد بالاجتياح الصهيوني لفلسطين، وهو الأمر الذي تكرر مرة أخري عندما رد جائزة مبارك للآداب والتي كان حصل عليها عام 2009 معلقًا "والآن وقد أهدر نظام مبارك دماء المصريين الطاهرة فإنني أرد هذه الجائزة بكل راحة ضمير". واستمرت طوال تلك الفترة مواقف طاهر السياسية كجزء أصيل فيه يعبر عن انتمائه الوطني والأدبي، من خلال مشاركاته في اعتصام المثقفين ضد وزير الثقافة الإخواني، فضلا عن الاحتجاجات التي طالت المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، وتوقيعه على استمارات "تمرد". وبعد مرور 80 عامًا على ميلاده مازال بهاء طاهر في عنفوان عطائه الثقافي محتفالا بما قد مضى، منتظرًا ما يأتي في ثبات وصلابة النقوش على جدران المعابد في الجنوب الأسمر كابتسامته الساحرة.