فى يوم مولدك يا رسول الله نجدد لك الولاء والبيعة والمحبة والمتابعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. ونقول لك فى يوم مولدك: رغم تقصيرنا فى حقك وإسرافنا على أنفسنا إلا أنك أحب إلينا من أهلنا وأولادنا وأنفسنا والناس أجمعين. ورغم أننا قد لا نستطيع تطبيق ذلك فى واقعنا فى بعض الأحيان، فإن هذا الحب والولاء العظيم هو ما عقدنا عليه قلوبنا وما استقر فى نفوسنا ووجداننا. ولعل هذا الحب الكبير لك يا سيدى يشفع لتقصيرنا وغفلتنا يوم القيامة. نعاهدك يا سيدى يا رسول الله ألا ننشغل بالجزئيات عن الكليات.. أو بالفروع عن الأصول.. وألا نحول الخطأ إلى خطيئة أو الصغيرة إلى كبيرة. ونعاهدك يا سيدى يا رسول الله ألا تلهينا المسائل الفرعية عن قضايا أمتنا المصيرية.. فلا ندع أوقاتنا وجهودنا يأكلها الجدل والمراء السياسى أو الفكرى فيما لا طائل من ورائه.. أو الصراع والتشاحن والتنابذ حول فرعيات فقهية أو فكرية أو السياسية التى لا طائل من حسمها، لأنها محل للتعددية المحمودة والأخذ والرد بعيداً عن الحلال والحرام. نعاهدك يا سيدى أن نحقن دماء الأمة ما استطعنا لذلك سبيلاً.. وأن نكون من أبناء فلسفة الإحياء للأنفس «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».. وألا نريق الدماء المعصومة طلباًً لكراسى زائلة أو طلباًً لنصرة زائفة فى صراع سياسى لا جدوى منه ولا طائل من ورائه سوى تمزيق الأمة أكثر مما هى ممزقة.. وأن ندعو دوماًً للإصلاح بين الناس.. ولا نكون من أولئك الذين يشعلون جذوة الحروب والتقاتل والصراع بين أبناء الوطن الواحد أو الدين الواحد لخلافات سياسية أو حزبية أو مذهبية. فلن نكون أبداًً من الذين يتراشقون بالسباب والطعن أو التخوين من أجل خلافات فقهية أو فرعية أو حزبية وبلاد المسلمين محتلة أو مهددة بالتقسيم وذوبان الهوية. نعاهدك يا سيدى يا رسول الله فى يوم مولدك أن ندافع عن الإسلام وأوطاننا، وأن نضحى من أجلهما بالغالى والرخيص والنفس والنفيس.. حتى يدركنا الموت. ونعاهدك أن نعطى كل ذى حق حقه.. فلديننا حق علينا.. وكذلك جيراننا ومواطنينا من المسلمين وغير المسلمين. ونعاهدك أن نلتزم بوسطية الإسلام وعدله.. دون إفراط أو تفريط.. أو غلو أو تقصير.. أو زيادة أو نقصان. ونعاهدك أن نعترف بأخطائنا.. وأن نصحح مسيرتنا باستمرار.. وألا نغضب ممن يسدى لنا نصحاً أو توجيهاً أو نقداً بناءً.. وألا نغضب إلا لديننا وشريعتنا. نعاهدك أن نعدل حتى مع خصومنا ومخالفينا.. ومع من يظلمنا.. ومع المسلمين وغير المسلمين.. ومع الصالحين والفاسقين. فبالعدل قامت السموات والأرض.. وبالعدل وللعدل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل.. وإن الله يقيم الجماعة العادلة حتى لو لم تكن مسلمة.. ويزيل الجماعة الظالمة حتى وإن كانت مسلمة. فبالعدل أتيت يا رسول الله.. وبه حكمت وأمرت.. وبه سدت على العالمين. نعاهدك يا سيدى يا رسول الله أن نمد أيدينا ونفتح قلوبنا لكل من يريد الخير للإسلام والأوطان والمجتمع.. وأن نعاون كل من يحافظ على بلادنا وأوطاننا ويرعى حرمتها.. ويحافظ على هويتها ويمنع ذوبان هذه الهوية. نعاهدك أن نتمسك بالدعوة إلى الله كما دعوت بالحكمة والموعظة الحسنة وبالرفق.. وأن يكون شعارنا مع العصاة والشاردين «اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون». وأن نحافظ على طهارة منبرك ودعوتك من الأغراض والأهواء والشهوات والشبهات.. وأن تكون دعوتنا للإسلام متجردة لله.. لا ننتظر أجراً من أحد.. ولا نطلب مقابلاً لها.. وأن يكون شعارنا فى دعوتنا: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى». فالمقياس الحقيقى لقوة الدعوة وقبولها ليس بكثرة كلامها أو علو صوتها ولكن بقدر إخلاصها وتجردها. نعاهدك يا سيدى يا رسول الله أن نسعى دائماًً أن نكون دعاة لا قضاة.. ودعاة لا بغاة.. وأن نعمل بالمثل العظيم: «اجنوا العسل ولا تكسروا الخلية». فالداعية العظيم هو الذى يجنى العسل بهدوء ورفق.. دون أن يزعج النحل أو يقتله أو يشرده.. ودون أن يكسر الخلية ويسكب العسل على الأرض. وأن نكون ممن يجمع ولا يفرق.. ويبشر ولا ينفر.. وييسر ولا يعسر.. ويحبب الناس فى الإسلام والدين ولا يبغضهم فيه.. ويجذبهم ولا يطردهم.. يعين الناس على شيطانهم ولا يعين الشيطان عليهم. فى يوم مولدك يا رسول الله نعاهدك ألا يكون جل اهتمامنا بهديك الظاهر مثل اللحية ونحوها فقط.. ولكننا نعاهدك على إصلاح بواطننا وقلوبنا وضمائرنا.. وأن نهتم بغسل وتنظيف هذه القلوب أكثر من خمس مرات يومياً.. كما نتوضأ كل يوم خمس مرات ونغسل فيها جوارحنا بعناية. فالقلوب أولى بالنظافة من الجوارح.. والنفوس أولى بالطهارة من الملابس. نعاهدك يا سيدى يا رسول الله فى يوم مولدك أن نعيش دوماً مع قولك الكريم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». نعاهدك أن نسعى لإصلاح قلوبنا قبل جوارحنا.. وإصلاح باطننا قبل ظاهرنا. نعاهدك ألا نهمش دعوتك العظيمة فى المظهر دون الجوهر.. وفى الشكل دون المضمون. ومع مزيد من العهود نلتقى فى الأسبوع المقبل إن شاء الله.