إنه النبى الأعظم والهادى البشير وخير الخلق، والوسيلة الكبرى إلى الله، الناس ينطلقون إلى زيارة المدينة بعد أو قبل أداء مناسك الحج، لأن بالمدينة جسد خير الأنام. دار الحبيب الحق أن تهواها وتحن من طربٍ إلى ذكراها وعلى الجفون إذا هممت بزورةٍ يا ابن الكرام عليك أن تغشاها فلأنت أنت إذا حللت بطيبةٍ وظللت ترتع فى ظلال رباها جزم الجميع بأن خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها ونعم لقد صدقوا بساكنها علت كالنفس حين زكت زكى مأواها فى هذه الأيام نجدد -لك سيدى- الولاء والبيعة والمحبة، ورغم تقصيرنا فى حقك وتشويهنا لهديك، وتجارتنا بدينك، وإسرافنا على أنفسنا فإنك أحب إلينا من أولادنا وأنفسنا والناس أجمعين. عذرا إليك فقد انشغلنا بالجزئيات عن الكليات، وبالفروع عن الأصول، وحولنا الخطأ إلى خطيئة، والصغيرة إلى كبيرة، والوسائل إلى غايات، وألهتنا المسائل الفرعية عن القضايا المصيرية، وشغلنا أوقاتنا بأنواع من الجدل والصراع والتنابذ والتطاحن حول قضايا سياسية ومسائل فقهية فرعية لا طائل منها إلا الانصراف عن ذكرك والصلوات عليك وعلى آل بيتك. عذرا إليك فقد فرقنا الناس عن دينك ولم نجمعهم حوله، نفرنا ولم نبشر، عسرنا ولم نيسر، وطردناهم بدلا من جذبهم، وجعلنا لب اهتمامنا بهديك الظاهر مثل اللحية والجلباب القصير، ولم نصلح بواطننا وضمائرنا وقلوبنا، ولم نهتم بتنظيف ألسنتنا وقلوبنا عند الاختلاف كما اهتممنا بتنظيف جوارحنا كل يوم خمس مرات عند الوضوء، «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وتحت اسم تطبيق شرعك تراشقنا بالسباب والشتائم والبذاءات، فلم نحترم الكبير ولم نوقر الصغير، وأسأنا إلى دور العلم والعلماء، فى وقت بلادنا مهددة بالتقسيم والذوبان. نعاهدك -صلى الله عليك وآل بيتك وسلم- أن نصلح قلوبنا قبل جوارحنا، وبواطننا قبل ظواهرنا، وأن نصحح مسيرتنا باستمرار، وأن نلتزم بوسطية الإسلام، ونحقن الدماء، ونعترف بأخطائنا، وألا نغضب ممن يسدى لنا نصحا أو نقدا، وألا نغضب لأنفسنا، وأن ننشغل بالبناء عن الهدم، وبالعمل عن الجدال، لا نهدم ولو بالنيات، بأن نتمنى الهدم حتى لو لم نهدم، نتمنى الهدم ونريده حتى إن نطقت ألسنتنا بغير ذلك «وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ..»، فدقق فى قوله «وَمَن يُرِدْ» هو فقط «أراد».. تحركت نيته بالهدم، ورضى بالهدم حتى لو لم يهدم مباشرة. نعاهدك -صلى الله عليك وآل بيتك وسلم- أن نحب ونود ونحترم ونقدر إخواننا المسيحيين، وأن نعدل مع المسلم وغير المسلم، والصالح والفاسق، والخصم والموالى، وأن نحافظ على طهارة منبرك ودعوتك من الأغراض والأهواء والشهوات والشبهات والانتماءات والتحزبات والأيديولوجيات، إلا تحزبا لك أنت، وأن تكون دعوتنا متجردة لله. هداة لا قضاة.. دعاة لا قضاة.. دعاة لا ولاة.. دعاة لا بغاة. نعاهدك أن نعمل بالحكمة القائلة «اجنوا العسل ولا تكسروا الخلية»، فالداعية المحمدى هو الذى يجنى العسل بهدوء ورفق، دون أن يزعج النحل أو يقتله أو يشرده، أو يكسر الخلية ويسكب العسل. عهد إليك من الإخوان المسلمين والسلفيين والوهابيين وكل الحركات الإسلامية أن تراجع نفسها، فتترك الخطأ وتبقى الصواب، وتجدد فى وسائلها بغايات ثابتة ووسائل متغيرة، وتضبط تصرفاتها ببوصلة هدى القرآن، وأخلاق الأنبياء، وعدم الاستغراق فى الوسيلة على حساب المقصد. وأخيراً.. رحم الله أئمة أعلاما أخرجهم الأزهر الشريف، أوفوا بعهدك، وبلغوا شرعك وفق مرادك، وكانوا أئمة للوسطية بحق. «فكرة المقال منقولة بتصرف وزيادات من كتاب (ذكرياتى مع الحبيب صلى الله عليه وسلم) لأستاذنا الداعية المحمدى الدكتور ناجح إبراهيم».