منذ أيام قليلة ونحن على مشارف الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.. يوم ولد خير خلق الله المرسل هدى للعالمين، والذى وصفه ربه بأنه على خلق عظيم والذى هو أحب خلق الله إلى الله.. وصلتنى رسالة طويلة بعض الشىء عبر الهاتف على برنامج «واتس أب» من أحد الأصدقاء، وأثناء قراءة تلك الرسالة بصراحة شديدة اقشعر بدنى وقتاً طويلاً وأبكتنى هذه الرسالة وأنا أقرأ محتواها.. وصراحة فقد أعدت قراءتها كثيراً وكلما قرأتها انهمرت دموعى حباً وعشقاً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخجلاً منه صلى الله عليه وسلم مما وصل إليه حالنا.. ونص الرسالة يتحدث عن ملابسات وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث تقول الرسالة: إنه قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت حجة الوداع.. وبعدها نزل قول الله عز وجل «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً» فبكى أبو بكر الصديق عند سماعه هذه الآية.. فقالوا له ما يبكيك يا أبا بكر؟ إنها آية مثل كل آية نزلت على الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فقال وعيناه تدمعان: هذا نعى رسول الله.. ومرت أيام قليلة وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بتسعة أيام نزلت آخر آية فى القرآن «واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون».. وبعدها بدأ الوجع يظهر على الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال عليه الصلاة والسلام لصحابته: أريد أن أزور شهداء أحد.. فذهب إلى موقع دفن شهداء أحد ووقف على قبور الشهداء وقال «السلام عليكم يا شهداء أحد.. أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.. وإنى إن شاء الله بكم لاحق».. وأثناء رجوعه من الزيارة بكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال له صحابته: ما يبكيك يا رسول الله.. قال: «اشتقت إلى إخوانى».. قالوا: أوَلسنا إخوانك يا رسول الله؟.. قال: «لا.. أنتم أصحابى.. أما إخوانى فقوم يأتون من بعدى يؤمنون بى ولم يرونى».. (اللهم إنا نسألك أن نكون منهم).. وعاد رسول الله إلى بيته وأصحابه ومسجده وقبل الوفاة بثلاثة أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان وقتئذ فى بيت السيدة ميمونة، فقال «اجمعوا زوجاتى» فأتت إليه زوجاته (رضى الله عنهن وأرضاهن)، فقال النبى (عليه الصلاة والسلام): «أتأذنّ لى أن أُمَرَّض فى بيت عائشة؟» فقلن: نأذن لك يا رسول الله.. فأراد أن يقوم فما استطاع فجاء على بن أبى طالب والفضل بن العباس فحملا النبى وخرجا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة السيدة عائشة، فرآه الصحابة على هذه الحال لأول مرة فجذعوا وبدأوا فى السؤال بهلع: ماذا حل برسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ وتجمع الناس فى المسجد حتى امتلأ بهم.. وبينما النبى فى غرفة عائشة بدأ العرق يتصبب منه بغزارة فقالت السيدة عائشة: لم أرَ فى حياتى أحداً يتصبب عرقاً بهذا الشكل.. وتقول: كنت آخذ بيد النبى وأمسح بها وجهه لأن يد النبى أكرم وأطيب من يدى.. وتقول: فأسمعه يقول: «لا إله إلا الله.. إن للموت لسكرات».. فتقول السيدة عائشة: فكثر اللغط «أى الحديث» فى المسجد إشفاقاً على الرسول.. فقال النبى: «ما هذا؟» فقالوا: يا رسول الله يخافون عليك.. فقال: «احملونى إليهم»، فأراد أن يقوم فما استطاع فصبوا عليه 7 قرب من الماء حتى يفيق وحملوا النبى حتى صعد عليه الصلاة والسلام منبره.. فكانت آخر خطبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآخر كلمات له.. فقال: «أيها الناس.. كأنكم تخافون علىّ».. فقالوا: نعم يا رسول الله.. فقال: «أيها الناس.. موعدكم معى ليس الدنيا، موعدكم معى عند الحوض، والله لكأنى أنظر إليه من مقامى هذا، أيها الناس والله ما الفقر أخشى عليكم ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم»، ثم قال: «أيها الناس.. الله الله فى الصلاة.. الله الله فى الصلاة»، وظل يرددها ثم قال: «أيها الناس اتقوا الله فى النساء.. اتقوا الله فى النساء، أوصيكم بالنساء خيراً». ثم قال: «أيها الناس.. إن عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله».. فلم يفهم أحد قصده من هذه الجملة -وكان يقصد نفسه- سوى أبى بكر الصديق الذى انفجر بالبكاء وعلا نحيبه ووقف وقاطع النبى لأول مرة فى حياته وقال: فديناك بآبائنا.. فديناك بأمهاتنا، فديناك بأولادنا، وبأرواحنا وأموالنا.. وظل يرددها فنظر الناس إلى أبى بكر معاتبين على مقاطعته لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخذ النبى من فوق منبره يدافع عن أبى بكر قائلاً: «أيها الناس.. دعوا أبا بكر فما منكم من أحد كان له عندنا فضل إلا كافأناه به إلا أبا بكر لم أستطع مكافأته فتركت مكافأته لله عز وجل، كل الأبواب إلى المسجد تسد إلا باب أبى بكر لا يسد أبداً».. وأخيراً قبل نزوله من المنبر بدأ الرسول بالدعاء للمسلمين قبل وفاته كآخر دعواته لهم فقال: «آواكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، ثبتكم الله، أيدكم الله»، وكانت آخر كلمة قالها كلمة موجهة إلى أمته من على منبره قبل نزوله إذ قال: «أيها الناس.. أقرئوا منى السلام كل من تبعنى من أمتى إلى يوم القيامة».. وحُمل مرة أخرى إلى بيته. وبينما هو هناك دخل عليه عبدالرحمن بن أبى بكر وفى يده سواك فظل النبى ينظر إلى السواك ولكنه لم يستطع أن يطلبه من شدة مرضه، ففهمت السيدة عائشة من نظرة النبى فأخذت السواك من عبدالرحمن ووضعته فى فم النبى. تقول السيدة عائشة: ثم دخلت فاطمة بنت النبى فلما دخلت بكت لأن النبى لم يستطع القيام لأنه كان يقبلها بين عينيها كلما جاءت إليه، فقال النبى «أدنوا منى فاطمة» فحدثها النبى فى أذنها فبكت كثيراً.. فلما بكت قال لها النبى «اقتربى منى يا فاطمة» فحدثها مرة أخرى فى أذنها فضحكت (وبعد وفاته سئلت عما قاله لها النبى، فقالت: قال فى المرة الأولى «يا فاطمة إنى ميت الليلة»، فبكيت فلما وجدنى أبكى قال «يا فاطمة أنتِ أول أهلى لحوقاً بى» فضحكت).. تقول السيدة عائشة: ثم قال النبى: «أخرجوا مَن عندى فى البيت»، وقال: «تعالَى يا عائشة».. فنام النبى على صدر زوجته ورفع يده الشريفة إلى السماء وهو يقول: «بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى».. تقول السيدة عائشة: فعرفت أنه يُخيّر.. ودخل سيدنا جبريل على النبى وقال: يا رسول الله.. ملك الموت بالباب يستأذن أن يدخل عليك وما استأذن على أحد من قبلك. فقال النبى: «ائذن له يا جبريل».. فدخل ملك الموت على النبى وقال: السلام عليك يا رسول الله، أرسلنى الله أخيرك بين البقاء فى الدنيا وبين أن تلحق بالله.. فقال النبى: «بل الرفيق الأعلى.. بل الرفيق الأعلى»، ووقف ملك الموت عند رأس النبى وقال: «أيتها الروح الطيبة، روح محمد بن عبدالله.. اخرجى إلى رضا من الله ورضوان ورب راض غير غضبان».. تقول السيدة عائشة: فسقطت يد النبى وثقلت رأسه على صدرى، فعرفت أنه مات فما كان منى غير أنى خرجت من حجرتى وفتحت بابى الذى يطل على الرجال فى المسجد وأقول: مات رسول الله.. مات رسول الله.. تقول: فانفجر المسجد بالبكاء فهذا على بن أبى طالب أُقعِد فلم يقدر أن يتحرك، وهذا عثمان بن عفان كالصبى يؤخذ بيده يمنة ويسرة.. وهذا عمر بن الخطاب يرفع سيفه ويقول: من قال إن محمداً قد مات قطعت رأسه، إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه وسيعود.. وسأقتل من قال إنه قد مات.. أما أثبت الناس فكان أبا بكر الصديق (رضى الله عنه) إذ دخل على النبى واحتضنه، وقال: «وا خليلاه.. وا صفيّاه.. وا حبيباه.. وا نبيّاه).. وقبّل النبى وهو يقول: طبت حيّاً وطبت ميتاً يا رسول الله.. ثم خرج يقول للناس فى المسجد: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت.. فسقط السيف من يد عمر بن الخطاب.. يقول عمر: فعرفت أنه قد مات.. ويقول: فخرجت أجرى أبحث عن مكان أجلس فيه وحدى لأبكى وحدى.. ودُفن النبى (صلى الله عليه وسلم)، والسيدة فاطمة تقول لصحابته: أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه النبى؟ ووقفت تنعى النبى وتقول: يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. وفى ذكرى مولدك الشريف يا سيدى يا رسول الله.. لا نملك إلا أن تذرف أعيننا ونحن نقول من قلوبنا: «بآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا وأنفسنا وبالدنيا بأسرها يا سيدى يا رسول الله.. أما لماذا نحن خجلون منك يا سيدى يا رسول الله فلأننا مقصرون فى كل شىء. والله من وراء القصد..