انتزعتِ «التلميذةُ» «وعداً» من «الأستاذ»! فطوبى للجميع! وقبل أن أَعربَ الجملة السابقة؛ لتعرفوا مَن الفاعلة، وما الوعدُ المُنتَزَعُ، ومَن الأستاذُ المانحُ وعدَه؛ دعونى أطرحُ بعض الأسئلة. لماذا نحن متأخرون جدّاً؟ لماذا لا نشبه أجدادنا وجداتنا الذين ما زالوا يعيشون بيننا حتى الآن، لا تفصلُنا عنهم إلا بضعةُ عقود نحيلات على خطّ الزمان؟ لا متعلِّمونا يشبهون متعلِّميهم. ولا أميّونا يشبهون أمييهم. ولا حتى مثقفونا يشبهون مثقفيهم! أحتفظُ فى صندوق أسرارى وكنوزى بخطابات جدى وجدتى. كانت جدتى فى «البكالوريا» حينما كتبتْ تلك الخطابات إلى خطيبها، جدى، فى منتصف القرن الماضى. تجيدُ العربيةَ بتنضيد الحروف، والإنجليزية والفرنسية وتعزف البيانو وتحفظُ القصائد وأجزاءً من القرآن. كأنها «مىّ زيادة» تكتبُ للعظيم «جبران». فانظروا كيف حال خريجات وخريجى الجامعات الآن، بما فيها كليّات الآداب والإعلام والتربية! يخطئون فى الإملاء، ولن أقول النحو والصرف، فضلاً عن البلاغة والصوغ الرفيع. ما السبب؟ انهيار التعليم؟ نعم دون شك. لكن هناك أسباباً أخرى موازية. غياب الحِراك الثقافى الشامل عن المجتمع. كانت أغانى أم كلثوم مثقفةً. كانت موسيقى عبدالوهاب مثقفةً. وكانت مصرُ مثقفةً. حتى الشوارع والبيوت والمقاهى، كانت مثقفةً. كان هناك أحمد شوقى وإبراهيم ناجى وطه حسين وزكى نجيب محمود والعقاد ويحيى حقى وصلاح جاهين وعبدالرحمن الخميسى وطوغان وأضرابُهم. وكانت صالوناتٌ ثقافية وفكرية يجتمع فيها أولئك الأفذاذُ بقرائهم ومريديهم، فيغدو كلّ مرتاد مِشعلَ تنوير لأسرته وجيرانه وصَحْبه فى المدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة. كانت الثقافة والفنون والآداب مشروعاً قوميّاً يخصّ الشعبَ كلّه ويلتقى حولَه الشعب كلّه. كان الحاكمُ مثقفاً والحكوماتُ مثقفةً والطلاب مثقفين والأمهاتُ والآباءُ. حتى الأميون كانوا متحضرين نظيفين. كانت الشوارعُ نظيفةً والبناتُ جميلاتٍ يخطُرن بملابسهن القصيرة فى شوارع مغسولة مكسوةٍ بالشجر، دون أن تخدشَ مسامعَهن كلمةٌ سوقية اعتادت على سماعِها محجباتُ اليوم اللواتى يتعثّرن فى شوارعَ تكسوها القمامةُ والرَّوثُ والبذاءةُ البصرية والسمعية والسلوكية. فماذا لدينا الآن؟! لكنّ التلميذةَ، التى هى أنا، استطاعت أن تنتزعَ وعداً من الأستاذ «أحمد عبدالمعطى حجازى»، الشاعر الكبير والمثقف الاستثنائى، بأن يقيم لنا صالوناً ثقافيّاً فكريّاً شهريّاً، يلتقى فيه كلّ مُحبّ للثقافة لينهل من فيض علمه ويُنصت لجميل شعره، وحلو إلقائه. لا، بل اقتنصت وعدَه ووثقته ثلاثاً. اقتنصتُ الوعد فى صالون الزوار بقصر الاتحادية الساعة العاشرة صباح السبت 20 ديسمبر، فيما ننتظرُ الرئيسَ عبدالفتاح السيسى فى لقاء الأدباء والمثقفين. وسجّلته عليه تسجيلاً سياديّاً أمام الرئيس بعدما طلب إلينا تكوين جبهة تنوير تعيد إلى الشارع المصرىّ ثقافته المسروقة. ثم وثقته ثانيةً على الهواء فى لقائى مع الإعلامية عزة مصطفى على شاشة «صدى البلد». وها أنا ذا أوثّق وعدَه مرةً ثالثة فى مقالى هذا. المكان: مقهى «ريش». الذى يُشرق مثل زهرةٍ بريةٍ بميدان طلعت حرب، منذ بداية القرن الماضى، بعدما استعار اسمَه من «كافيه ريش» الفرنسى الشهير، ليُمثّل قلعة للمثقفين والأدباء والتشكيليين والفلاسفة، منذ قرن وحتى نهاية الزمان. الزمان: اليومَ الجمعة 2 يناير، الساعة الواحدة ظهراً. ثم يوم الجمعة الأولى من كل شهر، كما وعد الأستاذُ، وحسب اتفاقنا مع إدارة «ريش». الشخوص: الشاعر الكبير صاحب «مرثيةُ العمر الجميل» و«أشجارُ الأسمنت»، ومن حوله تلامذته، وكل مريديه، والدعوة عامة. ملحوظة: كما كتب أفلاطون على باب أكاديميا الأثينية: «من لا يُحبُّ الرياضيات والهندسة لا يدخلُ علينا»، سوف نكتب على «صالون حجازى»: «مَن لا يُحبُّ الثقافةَ والجمال، لا يدخلُ علينا».