وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية بالمنطقة الغربية    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    محافظ الدقهلية: هدفنا توفير بيئة نظيفة وآمنة للمواطنين    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار التاسع عشر لسندات توريق بقيمة 735 مليون جنيه    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في بداية جلسات الأسبوع    عراقجي: طلبات استئناف مفاوضات النووي عادت    مسؤول أممي: الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر وصمة عار    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    سفن صينية تدخل مياه يابانية متنازع عليها في ظل توتر العلاقات    أبوريدة يجتمع مع منتخب مصر المشارك في كأس العرب    موعد مباراة إيطاليا والنرويج.. والقنوات الناقلة في تصفيات كأس العالم 2026    تقارير : زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    ضبط شخصين بالجيزة لتعديهما على طالبات أمام إحدى المدارس    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    قوافل الأحوال المدنية تستخرج 9079 بطاقة رقم قومي.. وتلبي 1065 طلبًا منزليًا في أسبوع    خلاف على أولوية المرور يتحول لمنشور متداول    عرض 4 أفلام قصيرة ضمن فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي اليوم    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    حبس طرفي مشاجرة نشبت بينهما بسبب معاكسة فتاة في المطرية    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    فيروس ماربورغ.. القاتل الخفي الذي يعيد ذكريات الإيبولا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    الري: التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء أحد أدوات التعامل مستقبلا مع محدودية المياه وتحقيق الأمن الغذائي    بنين تعتمد تعديلات دستورية تشمل إنشاء مجلس الشيوخ وتمديد الولاية الرئاسية    مصر وتشاد تبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    أمام كاب فيردي .. عمر مرموش يحل أزمة الجبهة اليسرى فى منتخب مصر    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    اليوم .. بدء القيد بالنقابة العامة لأطباء الأسنان لخريجى الكليات دفعة 2024    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    «حماة الوطن» يعقد مؤتمرًا حاشدًا بالإسماعيلية لدعم مرشحيه    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مائل للبروده....تعرف على حالة الطقس المتوقعه اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 فى المنيا    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    ألبانيا أول منتخب أوروبي يحجز مقعده في ملحق مونديال 2026    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هستيريا ريهام سعيد».. ما لم تقله عفاريت «الغربية» فى «صبايا الخير»
نشر في الوطن يوم 26 - 12 - 2014

عندما تقول لك ريهام سعيد إن برنامجها أصبح البرنامج رقم واحد فى مصر.. صدِّقها. أستطيع أن أؤكد لك أن «صبايا الخير» يحتل المرتبة الأولى فى بيوت المناطق الشعبية دون منافس، ففى ظل وقت يتصف فيه المشاهد بأنه مشاهد الصدفة، موعد برنامج ريهام سعيد هو موعد مهم داخل بيوت المناطق الشعبية، حيث يلتف جميع أفراد الأسرة حول التليفزيون دون أى خناق على «الريموت كنترول»، ولا ينسون بعد أن تنتهى الحلقة أن يدعوا لريهام سعيد من قلوبهم: «ربنا يديها على قد نيتها الطيبة ومساعدتها للغلابة». وجد الغلابة أنفسهم أبطالاً فى برنامج كبير تقدمه إعلامية شقراء فأحبوا البرنامج وأحبوا الشقراء. القاعدة النفسية تقول «إن أردت أن تكسب حب شخص أشعره بقيمته».
بينما أثار البرنامج حفيظة الكثيرين لما تروّج له بعض حلقاته من الإيمان بأعمال السحر والشعوذة. وصل الجدل ذروته بعد حلقتين قدمتهما «ريهام» حول خمس أخوات يعشن فى بيت بسيط بقرية «شبرقاس»، التابعة لمركز السنطة بمحافظة الغربية. البنات تنتابهن حالة من الهياج والتشنجات، ويصرخن فى نوبات متتالية من الغضب والعنف، يغبن معها عن الوعى، وعندما يفقن يتحولن إلى فتيات هادئات يجهلن أو يتجاهلن ما بدر منهن منذ لحظات. تتحدث الفتيات عن شخص أسمر بأظافر مدببة وعينين بيضاوين وقرون صغيرة يظهر لهن، وعن كائن يشبه الطفل يطير معهن، وعن يد تخرج من تابوت تجذبهن تحت الأرض حيث يشاهدن موطن الكائنات الغريبة التى أصبحت تلازمهن منذ 4 أشهر فقط، منذ أن سقطت «بطة»، أختهن الصغرى، فى الحمام. ويستعرض الأب مصحفاً بعض أوراقه بها حروق، ويقول إن إصبع «بطة» أخرجت ناراً أحرقت صفحات المصحف. على مدار 4 ساعات، هى مدة الحلقتين، تشاهد وتسمع صراخاً وتشنجات وهياجاً متواصلاً من الفتيات الخمس ومجموعة من الرجال يمسكون بهن ويكتفونهن ويجرجروهن على الأرض. كما تستمع إلى قصص لا ترى لها أثراً مثل أن «حنفيات» المياه فى المنزل تنزل دماً، وأن الفتيات يتقيأن دماً وينزفن من كل فتحات الجسم، ويتنبأن بما سوف يحدث، ويعرفن الغيب.
على غير العادة تأتى «ريهام» بطبيب نفسى ليشخص الحالة، وفى الحلقة الثانية يختفى الطبيب الذى حكمت عليه ضمنياً بالفشل، ويظهر الأستاذ علاء حسانين، عضو مجلس الشعب السابق، ليطرد الجن الذى يلبس هؤلاء الفتيات. تهدأ الفتيات بعد صراع تم اقتطاع معظم مشاهده. نرى فجأة الفتيات الخمس يجلسن فى هدوء ويقرأن القرآن الذى يقلن إنهن لم يكنّ يتمكنّ من النظر إليه. انتهت الحلقة بهذا المشهد الذى علقت عليه ريهام قائلة: «أنا ممكن أخلع الميكروفونات اللى أنا لابساها وأسجد سجدة شكر لله دلوقتى».
فى عام 1991، قدمت الإعلامية الأمريكية الرائدة «باربارا وولترز»، الحائزة 4 جوائز «إيمى أوورد» والحاصلة على سبع درجات دكتوراه فخرية من مختلف الجامعات العالمية، عملية طرد شياطين على يد قس كاثوليكى بالصوت والصورة على قناة «إيه بى سى». الأمر الذى وصفته «باربارا» بأنه «حدث غير عادى تشاهدونه لأول مرة على التليفزيونات الأمريكية». لكن بين ما قدمته «وولترز» وبين ما قدمته ريهام سعيد فارقاً شاسعاً، هو الفارق بين إعلام يحترم عقلية مشاهديه وحقهم فى مشاهدة الحقائق كاملة وبين إعلام يخشى من سرد الحقائق خوفاً من أن تخصم من رصيد الإثارة.
فى قصة «وولترز» التى استغرق تصويرها عاماً ونصف العام تتعرف على «جينا»، الفتاة المراهقة ذات ال16 عاماً، التى تعرضت لعملية طرد الشياطين فى إحدى الكنائس الكاثوليكية، وتتعرف على القسيس الذى رأى فى «جينا» شيطانين يتسببان فى الأصوات الغريبة الصادرة من جوفها، والتقلب السريع بين أكثر من شخصية فى نفس الوقت، كما تطلع على التقارير الطبية، وتتعرف على طبيبها النفسى الذى باشر حالتها قبل وبعد طقوس طرد الشياطين، والذى لا يرى فى «جينا» أى شياطين لكن يراها مصابة بمرض «الفصام». تستمع إلى آراء قيّمة فى هدوء، وتشاهد المشهد الكامل لطرد ما يعتقد القسيس أنها شياطين. ثم تشاهد متابعة لحالة الفتاة فى المصحة النفسية بعد 15 شهراً. وتعلم أنها لم تعد طبيعية بشكل كامل وأن العلاج ما زال مستمراً. قدمت «وولترز» صورة مكتملة الجوانب عرضتها فى 30 دقيقة فى حلقة لا تخلو من الإثارة.
وبينما استغرق تصوير حلقة «باربارا وولترز» عاماً ونصف العام، استغرق تصوير حلقتى ريهام سعيد 3 أيام. تنتهى الحلقتان وأنت لم تعرف أى معلومات عميقة عن هؤلاء الفتيات، وتتساءل: مَن هؤلاء الرجال الذين يظهرون فى الكادر طوال الحلقتين؟ لم تقل لك «ريهام» كيف كانت حياة الفتيات قبل أن يُصبن بهذه الحالة، ماذا يقول عنهن أهل قريتهن، كيف يذهبن لأشغالهن، مَن منهن متزوجة ومن منهن لم تتزوج، كيف تذهب الأخت الصغرى إلى مدرستها، والأهم: ماذا حدث لهن بعد أن هدأن على يد عضو مجلس الشعب السابق؟ المشهد الذى اعتبرته «ريهام» خارقاً وعلى جميع المنتقدين أن يصمتوا بعد أن شاهدوه.
وبينما اشتملت حلقة «باربارا وولترز» على كافة المعلومات العلمية والآراء الدينية التقليدية والوسطية تجد ريهام سعيد تقول على الهواء مخاطبة فريق إعداد البرنامج: «هو إحنا يا جماعة دوّرنا على رأى الشيخ الشعراوى فى مسألة مسّ الجان؟».. ثم تستأنف قائلة: «إحنا بندور لحد دلوقتى على تفسير حد من الشيوخ». اكتشفت ريهام سعيد، على الهواء فجأة، أنها نسيت أن تعد مادة بحثية عن موضوع الحلقة التى انتهت من تصويرها والتى هى بصدد عرضها خلال دقائق!
غياب المعلومات الدينية الموثقة لم يكن موضع القصور الوحيد فى الحلقة التى اشتهرت باسم حلقة فتيات الجن. لكن الحلقة افتقرت إلى أى معلومات علمية. حتى إن الطبيب النفسى قال للمذيعة إن الفتيات مصابات بحالة «هستيريا تحولية»، ذلك التشخيص الذى أخطأت «سعيد» فى ترديده فى مقدمة حلقتها قائلة: «الدكتور قال هم عندهم حالة هستيريا متحولة»، فلو كانت إعلامية الغلابة لم تستخف بتشخيص الطبيب النفسى وبذلت وفريقها مجهوداً للبحث العلمى لعلمت أن حالة فتيات الغربية ليست متفردة وليست غريبة لكنها حالة عرفها الطب وأطلق عليها الأطباء منذ آلاف السنوات مرض «هستيريا النساء».
حسب بحث أعدته جامعة «كاليارى» الإيطالية ونشرته المكتبة الطبية القومية الأمريكية عام 2012 تحت عنوان «النساء والهستيريا فى تاريخ الصحة العقلية» فإن «الهستيريا» هى أول مرض عقلى يُنسب للنساء فى التاريخ. وحسب نفس البحث فإن الصراع بين المنظوريْن العلمى والشيطانى لهذا المرض يرجع إلى آلاف السنوات.
تتحدث بردية «كاهون» الفرعونية، التى تعود إلى عام 1900 قبل الميلاد، عن إصابة النساء بمرض الهستيريا، وتذكر البردية فى تشخيص المرض أنه ينتج عن تحرك الرحم فى جسد المرأة. وفى وصف بردية «إيبور» لأعراض الهستيريا تشعر وكأنه يصف حالة فتيات حلقة ريهام سعيد، حيث يقول «إيبور» واصفاً هستيريا النساء: «إنها نوبة توترية أو نوبة صرع كبرى تنتاب النساء فيشعرن بالاختناق ويشعرن بأنهن أوشكن على الموت»، بينما ترى فى حلقة فتيات الغربية فاطمة تقول للطبيب: «أنا باتعب أوقات وبلاقى إيد عايزة تخنقنى»، وفى الحلقة الثانية تصرخ سارة: «صدقونى، أنا روحى بتطلع منى.. مش عارفة آخد نفسى». وكما استخدم الأستاذ علاء حسانين البخور ذا الرائحة النفاذة فى علاج الفتيات ينصح إيبور فى برديته باستخدام المواد الفواحة فى العلاج. لكن بينما يرى الأستاذ علاء أن سر تأثير البخور فى أنه «مقرى عليه» يؤمن إيبور بالتأثير الطبى للمواد الفواحة.
أضاف الإغريق بعداً جديداً فى تشخيص المرض حينما ربطوا بينه وبين كبت الرغبة الجنسية لدى النساء، ومن ثم عالج الطبيب «ميلمبس» عذراوات مدينة «آرغو» اللواتى بدون وكأنهن مجنونات بأن حثهن على أن يتواصلن جسدياً مع رجال أقوياء. تقول الأسطورة إن النساء شُفين واستعدن عقولهن. «ميلمبس» تحدث عن جنون النساء على أنه نتيجة حزن الرحم الذى يفتقد «الأورجازم».
وفى تفسير نفس الظاهرة يقول أفلاطون إن الرحم يحزن حينما لا يتصل بالذكر، ولا ينجب مولوداً جديداً، ووافقه فى الرأى كل من أرسطو وأبوقراط أبوالطب، الذى كان أول من أطلق على المرض اسم «هستيريا». يقول أبوقراط، وكأنه يصف حالة فتيات حلقة ريهام سعيد: إن أرحام الفتيات تحزن فتتحرك فى الجسد مسببة مشاعر القلق والاختناق وأحياناً ارتعاشات وتشنجات وشللاً.
الحضارة الرومانية أيضاً عرفت هستيريا النساء، حيث يقول «آلوس كورنليوس سلسوس»، مؤلف الموسوعة الطبية «لو ميديسينيا»: «أحياناً مرض الهستيريا يدمر الحواس، حتى إن المريض فى بعض الأحيان يقع كما لو أنه مصاب بالصرع، إلا أن الهستيريا تختلف عن الصرع». ووصف الرومان أيضاً النشادر والأعشاب الفواحة وممارسة الجنس ضمن روشتة علاج النساء الصغيرات المصابات بالهستيريا.
بدأ الصراع بين التفسير الدينى والتفسير العلمى يتجلى فى فترة العصور الوسطى بأوروبا. فمع تغوُّل السلطة الدينية للكنيسة فى تلك الفترة تم تفسير الكثير من الأمراض العقلية على أنها أمراض روحانية ناتجة عن روابط فاحشة بين النساء والشيطان، فالنساء المصابات بالهستيريا فى ذلك الوقت كن يخضعن لعمليات طرد الأرواح الشريرة، ومن تصاب بالهستيريا هى بالتأكيد مشعوذة، ويجب أن تُعاقَب. ووصل الأمر إلى ذروته عام 1484، حين أكدت الكنيسة وجوب مطاردة الساحرات، فحسب كتاب «مطرقة الساحرات» الشيطان موجود فى كل مكان ويصيب الرجال لكن بمساعدة النساء من الساحرات. شكّل هذا الكتاب كارثة لنساء هذا العصر، فإذا لم يتمكن الطبيب من تعريف مرض المرأة فهى مسكونة من الشيطان.. وبناء على هذه التفسيرات تم إعدام آلاف النساء المصابات بأمراض عقلية.
فتيات حلقة ريهام سعيد يُعدن إلى الذهن أيضاً واحدة من أشهر قصص الإصابة الجماعية لفتيات بالهستيريا فى التاريخ، وهى قصة فتيات مدينة سالم (ولاية ماساتشوستس حالياً) عام 1692. تقول النصوص إن عبداً مقبلاً من إحدى الجزر الكاريبية أخذ يتنبأ بالغيب، وأحاطت به فتيات صغيرات فى دائرة مارسن فيها بعض الطقوس فأصيبت الفتيات بحالة من التشنجات والأصوات الصاخبة والقفزات غير المنضبطة والحركات المفاجئة.. انتهت المأساة بإعدام 19 امرأة وسجن 100 أخريات بتهمة ممارسة السحر. ذكرت هذه القصة مؤلفة الكتب التاريخية «ماريون ستاركى» وقارنتها بقصص مشابهة لنساء بعد الحرب العالمية الثانية. وقد شرحت «ستاركى» أن الفتيات يُصبن بالهستيريا نتيجة ثقافة متزمتة وصراعات اجتماعية.
تطور التعامل مع مرض الهستيريا أخيراً فى القرن الثامن عشر، حيث بدأ التعامل معه على أنه مرض عقلى، وشهد عام 1782 آخر إعدام لامرأة يُعتقد أنها ساحرة وكانت تُدعى «أنّا جولدى»، ومن بعدها بدأ يُنظر للساحرات على أنهن نساء مريضات عقلياً. وفى العصر الحديث شهد تشخيص الهستيريا تطوراً أكبر، فقال طبيب المخ والأعصاب الفرنسى «بيير جانيت» إن «الهستيريا هى انعكاس للفكرة المسبقة التى لدى المريض نفسه حول سبب الحادث الذى تعرّض له». سبب الهستيريا، حسب جانيت، يكمن فى العقل الباطن.
وطبقاً للتاريخ فإن ريهام سعيد عادت بالمشاهدين إلى تفسيرات العصور الوسطى لمرض الهستيريا التحولية، إلا أنها ذكرت التفسير الطبى من باب الواجب وإسكات الأصوات المنتقدة، واستسلمت تماماً لتفسيرات تعود إلى أسوأ عصور أوروبا. إذا أرادت ريهام سعيد أن تعرف كيف كان عليها أن تتناول موضوع حلقتها، التى وصفتها صفحة برنامجها على ال«فيس بوك» بأنها أقوى وأسخن حلقات البرنامج، فأنصحها بقراءة التحقيق الصحفى الذى قامت به صحفية النيويورك تايمز «سوزان دومينوس» حول مأساة الإصابة الجماعية ل16 طالبة بالإضافة إلى ممرضة من مدرسة «لو روى» بنيويورك بتشنجات عصبية مستمرة عام 2012.
تصدّرت قصة لغز مرض طالبات المدرسة عناوين الصفحات الأولى من كبريات الجرائد الأمريكية لعدة أسابيع، وظهرت الفتيات فى البرامج الإخبارية يطلبن العون وتفسير اللغز بعد أن فشلت جميع التقارير الطبية والبيئية فى إيجاد توصيف بيولوجى لحالة التشنجات، والأصوات التى يُصدرها الجهاز العصبى للطالبات. وأرجع أحد المواقع الدينية المشكلة إلى ممارسات شيطانية قامت بها الفتيات اللواتى لعبن لعبة لمعرفة الغيب والكشف عن أسماء أزواج المستقبل.. تلك القصة التى لا تجد أى أثر لصحتها فى أى تقرير صحفى أو تليفزيونى.
بعد عدة أشهر نشرت «سوزان دومينوس» تحقيقاً كاملاً عن مأساة الطالبات تضمن حوارات عميقة مع عدد كبير منهن.. كشف التحقيق عن جوانب شخصية فى حياة الطالبات قد تحتوى على تفسير للغز. جميع الفتيات اللواتى تحدثن مع «دومينوس» لديهن مشاكل متوترة ومعقدة مع آبائهن. فوالد «ليديا»، إحدى الطالبات المريضات، مدمن وكان يعتدى على بناته بالضرب، بينما «تشيلسى» حالتها أكثر تعقيداً، هى تعيش بمفردها بعد أن أُبعدت عن أبويها، ثم أنجبت طفلاً دون زواج، وتزوجت بآخر ثم طُلقت وهى لا تزال فى التاسعة عشرة من عمرها. وحكت أخرى عن والدتها التى تزوجت بعد إصابتها مباشرة. وأخرى أجرت والدتها قبل إصابتها عملية دقيقة وخطرة بالمخ. كما حكت الممرضة التى أصيبت مع الطالبات عن تعرُّضها لاستغلال جنسى فى طفولتها من أفراد فى عائلتها، وقد وصف الطبيب المعالج حالة الممرضة بأنها احتملت فوق طاقتها فتجمعت كافة إحباطاتها على مدار حياتها فى لحظة وانفجرت كالبركان مسببة لها الحالة الهستيرية التى انتابتها. هكذا تجد الضغوط النفسية طريقها إلى جسد الإنسان فتتحول إلى مرض جسدى دون تفسيرات بيولوجية.
يقول فيلم وثائقى أعدته القناة الرابعة الأمريكية بعد عام من الحادث إن الفتيات اللواتى تعاملن مع المرض على أنه نفسى أظهرن تحسناً كبيراً ومعظمهن تخرج فى المدرسة، بينما اللواتى رفضن مبدأ المرض النفسى ظللن يبحثن عن علاج ولم يُظهرن تحسناً ملموساً.
اتهم عضو مجلس الشعب السابق والمعالج بالرقية الشرعية الأستاذ علاء حسانين جميع من لا يؤمنون بمسّ الجان بأنهم جهلاء. بينما الجهل الحقيقى لا علاقة له بالإيمان بالعفاريت أو عدم الإيمان بها، لكن الجهل هو أن تجهل المعلومات التى تحتاجها لتكوين رأيك. فقراءة علمية وتاريخية عن أسباب مرض هستيريا النساء قد تجعلك تنظر لفتيات الغربية نظرة مختلفة. فلا تتهمهن بالكذب والتمثيل، ولا تتهمهن بالشعوذة والدجل، لكنها تدعوك لفهم مختلف لحالة «بطة» التى يأمرها العفريت الأسود بأن تستحم أمامه لأنه حبيبها وتزوجها. وقد تتفهم إشارات الفتيات لما يفعله العفاريت معهن فى «التُرَب». وتستفسر عن معلومات كثيرة لتكوّن رأيك، فلا تجدها متوافرة فى حلقات ريهام سعيد، فتستطيع أن تقول بثقة إنها تقدم إعلاماً لا يسعى إلى معرفة الحقيقة ولا يُعلى من شأن المعلومة، لكنه نموذج لإعلام ينقل لك حقائق مشوشة، غير أنه ينقلها بالصوت والصورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.