قالت لي: أنا مغفلة قديمة.. سذاجتي سرقت إيجابية حياتي، متعلمة آه مثقفة نعم.. لم أصطدم أطلاقا بصخور المعاناة في طفولتي وشبابي.. ولم أتنفس إلا الهواء النقي الخالي من جراثيم الحقد والغيرة، ولم أرتدى إطلاقا رداء التكلف ولم أجر وراء المظاهر.. لا أشكر في نفسى ولكنى أعاتبها وأحاسبها بل وأحاسب من رباني في دنيا الفضيلة التي لا وجود لها على الأرض. الحياة جهاد وكبد وأيضا صراعات لم أتعرف على حقيقتها إلا بعد سن الخمسين وقبلها كانت غفلتي لا ترى الحقائق وأن رأتها سذاجتي تبررها بتلقائية الضعفاء.. الضعفاء الذين لم يتسلحوا بالخبرة الحياتية وبالتالي خسرت حياتي في آخر المشوار. أنها ليست دعوة للخبث والخبثاء لينشرحوا ولكنها صرخة لأيقاظ الوداعة النائمة على هامش الحياة !! وكما قالوا: الخبير هو الذى يعرف الكثير جدا من القليل جدا.. وخبرتي تركزت في العطاء وإدراك قيمة المسئولية.. ونجحت في الأخذ بيد من حولي.. ولكن تسربت سنوات العمر.. وضاع الشباب وهى مرحلة غفلت عنها ولم أسطر أي نجاحات شخصية لكياني المستسلم لخدمة الآخرين.. وفجأة قبل الخمسين بعشر سنوات فوجئت بزوجي يرافق أخرى و يسهر و"يتمخطر" في أناقته و لا يبالي بمشاركتي حتى في المناسبات الاجتماعية الهامة وسذاجتي حذرتني ولكني أيضا بررت هذه العلاقة بأنها مجرد زمالة وصدقت إلى أن تمادى وكانت ثورتي البيضاء ولكن بعيون حمراء فأستسلم وأدار ظهره لتلك الأفعى ودارت الأيام وتسرب لي هذا القلق مره وأثنين وثلاثة فهو رئيس شركة كبيرة وأيضا يصغرني بعام فهو شاب نشيط "لهلوب".. وهذه التوليفة أغرت كثيرات لملاحقته.. وأصبح رنين التليفون يزعج استقرار حياتي.. لأن دائما رده عليه يشوبه ريبه وهمس مقيت. وبدأت أركز وأشك بل وأتلصص على مكالمات وهذا سلوك ضد طبيعتي وكرامتي واكتشفت أن هناك من تحادثه باستمرار وحاسبته فبرر أنها صديقه في العمل وهكذا وبدأ الإحباط الراقد في قلبي من زمان يصحو من غفلته. أنا يا صديقتي ليست غبية بدليل نجاحي في إدارة بيتي وأسرتي.. بل وفى مساعدة من يعملن من الصديقات بأفكاري التي يرونها مبهرة ولكنى أتهم ليونة تربيتي المحدودة الخبرة.. ومرت الأيام والسنوات حتى بدأ الخمسين الخمسيني الذي كتم أنفاس غفلتي وتحررت من قيود صبري الذى يماثل صبر أيوب.. فالحب الكبير بيننا كان يجمل الملاحقات الصبيانية بينه وبين أخريات حتى كانت الأفعى التي زحفت بخبث ودهاء وابتلعت حبنا وتماسك زوجي.. أنها موظفة صغيرة شاطرة بسرعة صيتها وصل إلى المديرين.. بل إلى رئيس الشركة "زوجي" وكما قالوا : اللص الجاهل يسرق سيارة واللص المتعلم يسرق شركة سيارات، سرقت الأستاذ رئيس الشركة.. بل هذا الخبير بالنساء أصيب بالغفلة والسذاجة حتى أنه ركع يتوسل إليها لتقبل به زوجا.. وتزوجها. وضاع عمرى وحبي في حب ممثل بارع. حياتي يا صديقتي مأساة كبرى ومسرحها سذاجتي فاقد الوعى لا يبكى على خسائره.