«اتصل دلوقتى، الخط مفتوح، هتدخل على طول من غير بريد صوتى، مش هنكلفك فلوس، رن رنة واقفل وإحنا هنتصل بيك، اتصل وقول الفرق بين الصورتين هتكسب 10 آلاف دولار حالاً» كلمات اعتاد مشاهدو القنوات الفضائية سماعها على لسان فتاة تتمايل فى ميوعة أمام الكاميرات لتظهر على شاشة بعض القنوات المجهولة لتجذب الشباب للاتصال على رقم ال«0900» أو الأرقام الدولية التجارية. «الوطن» التقطت طرف الخيط لتحقق فى مدى جدية تلك المسابقات، وما إذا كانت وهمية، الغرض منها الحصول على أموال المشاهدين أم لا، عبر الخصم من أرصدة هواتفهم المحمولة، بما قيمته «جنيه ونصف» على الدقيقة الواحدة، بعد أن يستقبل المتصلَ بريد صوتى يمنعه من الوصول للمذيع الذى يتحدث ويؤكد أن كل من يتصل يدخل على الهواء مباشرة، وأهم ما فى تلك المسابقات أن معظمها مسجلة، ولا يتم بثها مباشرة، وذلك عكس ما يتوهمه المشاهدون. عشرات القنوات الفضائية الجديدة مجهولة الهوية التى قد تبث من أقمار صناعية خارجية وأكثرها يبث من القمر الصناعى «نور سات» الذى يبث من المملكة الأردنية الهاشمية ولا توجد سيطرة عليها من إدارة هيئة الاستثمار، على حد وصف الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلان بجامعة القاهرة. ولا تقتصر المسابقات الوهمية على برامج الفرق بين الصورتين، لكنها تمتد إلى مسابقات الحج والعمرة ومسابقات الإجابة عن الأسئلة ومسابقات المواهب عبر الخطوط التجارية. حسام شوقى، اعتاد الاتصال ببرامج المسابقات التى يشاهدها فى التليفزيون ليلاً بعد عودته من العمل، حسبما يروى «حسام» الذى يعمل فى إحدى شركات القطاع الخاص، تعرض للنصب من قِبل برامج المسابقات التى تطلب توضيح الفرق بين الصورتين، ويقول: «اتصلت بهم كثيراً، وسحبوا رصيدى، ومحدش دخلنى على الهواء ونصبوا عليا، الغريب أنى لاحظت أن الشخص اللى بيدخل على الهواء ويجيب إجابة خاطئة كل مرة هو واحد فقط لأن الصوت فى كل المكالمات متشابه». أميمة عبدالعزيز، متضررة من المشاركة فى المسابقات الوهمية التى تذاع على القنوات الفضائية، بعد أن شاركت فى المسابقة وأعلنت القناة أنها فازت بجائزة مالية، لكنها لم تحصل عليها، منذ أكثر من عامين تقريباً، وتقول: «اتصلت على الأرقام المعروضة على الشاشة أكثر من مرة حتى حالفنى الحظ فى المشاركة بأحد البرامج التليفزيونية واختارونى للحضور فى المسابقة على الهواء مباشرة وفزت أمام كل الناس بجائزة 12 ألف جنيه ولم أحصل عليها منذ أكثر من عامين»، وتضيف مؤكدة أنها تقدمت إلى جهاز حماية المستهلك بشكوى فى القناة التى «نصبت عليها» على حد وصفها، ولم تحصل على الجائزة حتى الآن. وتخضع الجهات التى تنظم مسابقات فى مصر إلى القانون رقم (93) لعام 1973 الخاص بتنظيم مسابقات «اليانصيب»، والقرار الوزارى رقم (139) لعام 1975، حيث تتقدم الجهة الطالبة للترخيص إلى إدارة المسابقات بوزارة التضامن الاجتماعى وتعبئ استمارة وتدفع رسوم 15% من قيمة الجائزة لصندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الأهلية. ويؤكد خالد سلطان، رئيس الإدارة المركزية للجمعيات الأهلية والاتحادات بوزارة التضامن الاجتماعى المشرف على إدارة المسابقات، أن أول قانون صدر لتنظيم المسابقات فى مصر كان عام 1905 وكان يخص المسابقات التى تعتمد على الحظ وليس المسابقات التى تعتمد على إعمال الفكر، لكن ألغى «اليانصيب» مؤخراً، بعد أن ظل معمولاً بهذا القانون على مدار مائة عام تقريباً بعدها أجبرت الشركات والجهات التى تنظم المسابقات على التقدم للحصول على رخصة للمسابقات فى عام 2005، لذا بدأت الشركات التى تنظم المسابقات بكتابة كلمة ثابتة فى كل المسابقات المرخصة من وزارة التضامن الاجتماعى أنها «تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى». يشير «سلطان» إلى أنه قدم مشروعاً لتنظيم عمل المسابقات فى مصر فى عام 2011 لمجلس الشعب وبدأ مناقشته لكن توقف بسبب ثورة 25 يناير وحل البرلمان، ويجب تمرير القوانين المقترحة لمنع النصب على المصريين لأن أغلبها وهمية. يستكمل متحدثاً عن شروط المسابقات قائلاً: «يتم التقدم بطلب لوزارة التضامن الاجتماعى بإدارة المسابقات، ويجب أن يصل الطلب قبل بث المسابقة بأسبوعين على الأقل ويلتزم المنظم بتحديد ميعاد بداية ونهاية المسابقة وعرض شروط الاشتراك بمنتهى الشفافية ويسدد 15% من قيمة الجائزة إلى صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الأهلية». وينظم إصدار الخطوط التجارية الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات حيث تشير البيانات الصادرة عن الشركة المصرية للاتصالات إلى أن شروط الاشتراك فى خط «0900» هو دفع 5 آلاف جنيه قيمة التأمين للاشتراك و22 ألف جنيه سنوياً، قابلة للتقسيط مقابل خدمات الصيانة، وتحصل الشركة التى تتعاقد مع «المصرية للاتصالات» على 40% من إجمالى إيرادات المكالمات الواردة إلى القناة، وتحصل القناة التى تقدم البرنامج على 30%، وتحصل شركة الإعلان على 30%. تحصل وزارة المالية على ضريبة ثابتة على قيمة الجائزة النهائية تقدر ب60%. ويوضح الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن هذه القنوات وبرامج المسابقات ترتكب أخطاء كارثية فى حق المشاهد والمشارك فى هذه المسابقات، لأنها تعتمد على الإثارة الجنسية حيث تستخدم بعض المذيعات وتوظفهن بصورة غير لائقة أخلاقياً حتى يجذبن المشاهدين ويشجعنهم على الاتصال، ويضيف قائلاً: «تؤجر هذه القنوات غرفة أربعة أمتار وتحصل على إشارة بث تليفزيونية فضائية من أحد الأقمار التى تبث من الأردن أو قريبة من مجال الاستقبال المصرى، وتعتمد هذه البرامج على عائدات الاتصالات على أرقام تجارية مثل ال0900، حيث تحصل القناة على قيمة 50% من عائد الاتصالات». ويشير أستاذ الإعلان إلى أن هناك قواعد أساسية يجب أن يتضمنها الإعلان على المسابقة حيث يكون لها بداية ونهاية فى تاريخ وميعاد محدد، ويجب أن يعلن الفائز بمنتهى الشفافية دون تعتيم أو تضليل، ويضيف قائلاً: «يجب أن يكون هناك منظومة واضحة تعمل بناء على قواعد تدير برامج المسابقات بصورة قانونية، لأن النظام المتبع قديم ويعود لأيام الخمسينات، حيث يشترط على منظم المسابقة أن يحصل على موافقة من إدارة المسابقات بوزارة التضامن الاجتماعى، هذه الإدارة تعمل بنظام قديم جداً، يجب أن يجرى تجديده ووضع قواعد محدثة عليه لضمان حماية المستخدم أو المشارك من النصب أو الاحتيال». ويضيف اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، أن الجهاز تلقى 1629 شكوى بإعلانات ومسابقات مضللة، بنسبة 86% منها تتعلق بأدوية ومستحضرات صحية، و8% منها عن مواد الإبادة الحشرية و4% يتعلق بتزييف الماركات العالمية، هذه المسابقات تعتمد فى الأساس على جذب المشاهدين المصريين وغير المصريين بعد إيهامهم بالكسب السريع والسهل عبر الاتصال بالأرقام المعلنة على شاشة التليفزيون بمجرد الاتصال للإجابة عن السؤال المطروح. ويشير «يعقوب» إلى أن أغلب أنواع الإعلانات والمسابقات المضللة يتركز على إعلانات المقويات الجنسية غير المصرح بها ومواد التخسيس ومستحضرات طبية غير آمنة، وقال: «كشفنا عن إعلان مضلل لسيدة تنتحل صفة طبيبة وهى ساقطة فى الثانوية العامة تعلن عن مستحضر طبى تقوم بالإعلان عنه بدون ترخيص، وهناك عشرات الحالات المماثلة». ويشدد رئيس جهاز حماية المستهلك على أن مسودة مشروع قانون حماية المستهلك الجديد تستدرك بعض الثغرات فى القانون الحالى وتلزم المعلن أو المسئول عن إجراء مسابقة بإمداد الجهاز بكامل التفاصيل والضمانات التى تحمى المستهلك أو المشارك فى المسابقة. ويؤكد إبراهيم عصام، مدير إدارة الإعلانات المضللة بجهاز حماية المستهلك، المسئول عن متابعة المسابقات المزيفة، أن هناك وحدة لرصد جميع المسابقات والإعلانات التى تذاع على القنوات التليفزيونية الفضائية، تعتمد هذه الوحدة على رصد جميع المسابقات والإعلانات المشكوك فيها، ويتم تسجيل مقاطع منها لإثبات الحالة ويخاطب جهاز حماية المستهلك الجهات الحكومية المسئولة عن منح التراخيص والتصاريح لهذه المسابقات، وإذا اتضح عدم الحصول على تراخيص بالمسابقة أو الإعلان المضلل تحال القضية إلى النيابة وتحرر الواقعة ويتم تتبع القنوات التى تعلن عن هذه المسابقات. ويستعين رئيس إدارة الإعلانات المضللة بالمادة السادسة من قانون جهاز حماية المستهلك رقم 67 لعام 2006 حيث تؤكد أنه على المعلن أن يمد المستهلك بكل المعلومات الصحيحة موضع الإعلان ويجب ألا يخلق انطباعاً غير حقيقى أو مضللاً للمستهلك، ويعلق: «نحن نطبق هذه المعلومات على كل المسابقات والإعلانات المضللة».