تبدو تونس وكأنها استقلت عربة القطار الثانية في الانتخابات الرئاسية بعد مصر، حيث سبق المصريين التونسيين قطار الانتخابات الرئاسية، وركبوا العربة الأولي، ورغم آلاف الأميال بين البلدين، إلا أن مشهد المنافسة الانتخابية المصرية يتكرر مرة أخرى في تونس، حيث يواجه التونسيون نفس خيارات المصريين منذ عامين "الإخوان والفلول" وبينهما حصان أسود من اليسار. انتهت الجولة الأولي من انتخابات تونس الرئاسية بإعلان الإعادة بين الباجي قائد السبسي أول رئيس حكومة في تونس بعد الثورة وإزاحة بن علي والمحسوب علي تيار "الفلول"- شبيه الفريق شفيق في الحالة المصرية-، والرئيس التونسي المنتهية ولايته المنصف المرزوقي المدعوم من حزب "النهضة" الإخواني – شبيه مرسي في الحالة المصرية – وبقى القيادي بالجبهة الشعبية حمة الهمامي الحصان الأسود في الجولة الأولي من الانتخابات، والذي حصل علي المركز الثالث بنسبة تصل إلى 10% تقريبًا من مجموع الأصوات في مفاجأة كبيرة، ورغم التاريخ النضالي الكبير والمشرف للهمامي" – معادل حمدين صباحي في التجربة المصرية - إلا أن حصوله علي المركز الثالث بأصوات الشباب وتيار اليسار المعتدل الذي يمثله كان مفاجأة كبيرة، جعلت منه الآن مطمع ولاعب انتخابي أساسي في جولة الإعادة بما يملكه من أصوات جعلت كلا المرشحين السبسي والمرزوق يسعيان خلفه. ورغم اعتدال درجات الحرارة في تونس في هذا التوقيت من العام، إلا أن السخونة الشديدة تسيطر علي الأجواء السياسية، وتصل إلى درجة الالتهاب بعدما فوجىء المجتمع التونسي بحملة إقصاء وتصنيف جغرافية لم يعتادوا عليها، على خلفية تصريحات نسبت إلى القايد السبسي هاجم فيها أبناء الجنوب التونسي الذي انتخب معظمه المنصف المرزوقي، ووصفهم بأنهم إرهابيون وجهاديون، وهو ما أغضب أبناء الجنوب بشدة ودخل على الخط النهضة لحشد التظاهرات ضد السبسي، وهو الأمر الذي دفع بحزب نداء تونس الذي يرأسه السبسي لإغلاق مقاره مؤقتًا في مدن الجنوب، بناءًا على تلك التصريحات قوبلت بأخرى من بعض مناصري المرزوقي تهاجم أبناء الشمال بعنف، ومعظمهم انتخب السبسي لتنشب حرب من التصريحات الجغرافية بين أبناء الجنوب المناصر لابن جلدتهم المرزوقي، وأبناء الشمال المناصر لابن منطقتهم السبسي. أفرزت الانتخابات التونسية الأخيرة تقسيمًا لم يلحظه بناء تونس إلا مع نتائج الجولة الأولى، حيث صبت معظم أصوات أبناء الجنوب المحافظ بطبعه، والأكثر ميلًا للالتزام الديني، ولحزب النهضة لصالح المرزوقي ابن مدينة "قبلي" في الجنوب التونسي، وفيما أصطف أبناء الشمال الأكثر ميلًا للتحرر وللنمط الأوربي في الحياة خلف القائد السبسي ابن مدينة تونس العاصمة، بينما منح معظم أبناء الساحل التونسي أصواتهم لحمة الهمامي ابن مدينة "سليانة" الساحلية في تصويت جغرافي، سبب ازمة داخلية. حمه الهمامي المرشح الرئاسي أبدي انزعاجه الشديد من حالة التقسيم تلك، وأعرب عن قلقة من وجود انقسام علي أساس جغرافي في تونس. وقال الهمامي في تصريح خاص ل"الوطن"، "كل ما نطالب به الآن هو الوحدة والتوحد، ومن غير المقبول أن نواجه أزمة وانقسام، بسبب نعرات جهوية أو قبلية أوغيره فهذا غير مقبول تمام. وكشف أنه التقى، صباح أمس، بالمرشح الرئاسي القايد السبسي وناقشا سويًا طرق إخراج تونس من مطب الاختلافات الجهوية أو الجغرافية القبلية، مطالبًا الجميع الآن بالتوحد في اتجاه تونس. ونفي الهمامي أن يكون قد ناقش مع السبسي أية تحالفات مقبلة، مؤكدًا أن الزيارة التي قام بها السبسي لمقر الجبهة كان هدفها نبذ أية عصبيات قبلية أو جهوية. وأضاف أن أمر التحالفات مازل مطروحًا داخل الجبهة ولم يحسم للآن، وعندما يحسم ستخرج الجبهة الشعبية ببيان واضح يحدد موقفها.