زينب المهدى انتحرت، رحمها الله، عاشت ضحية وماتت ضحية، كانت ضحية حالة اللخبطة التى وُلدت ونشأت فيها حين عاشت، وانتحرت بسبب حالة اللخبطة التى أصابتها ب«القرف من هذا المجتمع» حين رحلت، لخبطة ناتجة عن غياب الاحتواء من ناحية وغياب العدل من ناحية أخرى. فى ضوء ما قرأته من حكايات حول الحالة النفسية التى عاشتها «زينب» خلال أيامها الأخيرة أستطيع أن أقرر أنها انتحرت على سبيل «الاحتجاج» وليس من منظور قلة الدين، كما ذهب البعض، أو يأساً من الحياة كما قرر الآخرون، إن المسكينة أرادت فقط أن تحتج على أوضاع ظالمة، ولم تجد بين يديها وسيلة لذلك سوى الانتحار. رحمها الله.. لو أنها قرأت فصولاً من تاريخ هذا البلد لأدركت أن حالة اللخبطة التى نعيشها هى الحالة العادية والاعتيادية بالنسبة لهذا المجتمع، ربما تكون قد قرأت بعضها أو سمعت عنها، فإن كانت قد فعلت فإنها ضحية ومضة الأمل التى برقت فى 25 يناير 2011، عندما انتفض المصريون عن بكرة أبيهم رافضين الاستمرار فى الرضوخ للحكم الهزلى الذى أذاقهم المرار عبر عقود طويلة، ومضة الأمل تلك هى التى دفعت «زينب المهدى» إلى الخروج من الإخوان بعد أن كانت عضواً فيها، لأنها أدركت أن الجماعة جزء من حالة اليأس العام واللخبطة القاتلة التى عاشها المصريون عبر ثمانية عقود، فانطلقت وغيرها تغرد بعيداً عن هذا السرب، وساندت الدكتور «عبدالمنعم أبوالفتوح» فى الانتخابات الرئاسية. ولما استقر الحكم فى يد الإخوان ثارت وعارضت ورفضت محاولات الجماعة إعادة الحياة إلى نظام ما قبل 25 يناير بعد إطلاق لحيته! شاركت فى 30 يونيو، وطالبت مثل غيرها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفرحت عندما رحل «مرسى»، لكنها فوجئت بعد مضىّ أسابيع على النصر الذى حققه الشعب أن هناك من يريد تسييله من معناه وأهدافه. وعبر شهور عديدة أخذ مسلسل القمع فى التزايد، ومعه أخذ الإرهاب فى الانتشار، وغدا الكل مجرمين وضحايا فى الوقت نفسه! كل مجرم فى هذا البلد أصبح ضحية، وكل ضحية هو مجرم بالأصالة. وذلك ذروة سنام حالة اللخبطة التى شعرت بها «زينب المهدى» ودفعتها إلى الاحتجاج عليها بالانتحار. زينب المهدى ليست استثناء، بل هى نموذج ومثال يعبّر عن حال جيل، أخشى أن يقع بعض أفراده فى ذات المحنة التى وقعت فيها «زينب»، أو يندفع إلى إيقاع المجتمع كله فى «امتحان» إذا قرر فى لحظة أن يحتج على الأوضاع الظالمة بالانفجار فى وجهها. جيل بدأ بعضه رحلة الانتحار، وأخشى أن ينتقل منها إلى رحلة «النحر». لقد كتبت قبل عدة أيام مقالاً بعنوان: «أدركوا الشباب يا عواجيز البلد»، أدركوهم بالاحتواء، ولا احتواء فى غياب الدور، منح الشباب حقه فى القيام بدور فى صياغة مستقبل هذا البلد، وليس مجرد دور ديكورى، هو الكفيل باحتوائه. أدركوا الشباب بالعدل، لأن الأوضاع الظالمة التى تسود هذا المجتمع وتصيب بنارها الشباب، أكثر ما تصيب، يمكن أن تسوقنا إلى سيناريو لا يعلم إلا الله مداه.. سيناريو «المحنة» و«الامتحان»!