فى القرن التاسع عشر، التصق «الشماشرجية» بخديوات مصر (جمع خديو) وولاتها وبشواتها، فكانوا مسئولين عن فتح أبواب السيارات لهم، إلباسهم أحذيتهم، هشّ ونشّ العوام من أمامهم. وكان شاغرو تلك الوظيفة عثمانية الأصل ينعمون بتوقير عامة الفقراء وتحقير الأثرياء، فتتباهى العائلات المعدمة أن منها «شماشرجى» لجناب الباشا أو دولة الوزير أو جلالة الملك. ويتأفف الأغنياء من القيام بأعمالهم «الحقيرة» تلك. ورغم أن ثورة يوليو 1952 استأصلت «الباشوية»، و«البهوية»، و«الملكية»، و«الإقطاعية»، وأشياء كثيرة تنتهى أسماؤها ب«إيّة». لكن طائفة «الشماشرجية» صمدوا أمام رياح التغيير، وحجزوا بوصوليتهم وانتهازيتهم أماكن فى الحكومات المتعاقبة وشغلوا أركاناً كثيرة فى «بطانة» كل نظام إلى يومنا هذا. «فى حكومتنا شماشرجى».. شماشرجى لكل وزير، يحمل مفاتيح مكتبه.. يسمعه من عبارات المجاملة والإطراء ما يحب معالى الوزير ويرضى، و«يهش وينش» عن الوزير كل من لا يروقون لجانب الشماشرجى. ببساطة، يصبح ذلك الموظف الوصولى هو الآمر الناهى فى بلاط الوزارة فلا تتم مقابلة إعلامية إلا بإذنه. ولا تصل معلومة إلا لمحاسيبه، بعلم الوزير أو بغير علمه. أيقنت من خلال عملى لسنوات فى الصحافة أن «الشماشرجية» لم تعد مهنة يمتهنها حثالة القصور، ولكنها أسلوب حياة؛ آفة مستوطنة فى المكاتب العليا لمؤسسات الدولة، تتطفل على الدماء الحكومية مثلما تتطفل الجراثيم والبكتيريا والفيروسات المعدية الممرضة على جسم الإنسان. وإن كنت من المتفائلين بالفطرة، فأرجو منك أيها القارئ الكريم أن تتوقف الآن عن متابعة مقالى، فلست أشاركك تفاؤلك إطلاقاً فى أن نتخلص من مرض الوصولية المستوطن فى وزاراتنا الحكومية ولا اليوم ولا بعد ألف ألف يوم. فما فشلت فيه الثورات المتعاقبة والحركات التصحيحية لن تنجح فيه أمانينا فما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. لسنا ضد التنظيم، ولا ضد الروتين فى حدوده المقبولة والمعمولة فى كل بلدان العالم التى تحترم حرية الصحافة والتى يندر فى مؤسساتها الحكومية وجود «الشماشرجية»، حيث تسحق آلة الحرفية داخل مؤسسات تلك الدول هؤلاء الوصوليين. على عكس الكثير من مؤسساتنا التى يتعامل فيها «شماشرجية الوزراء والبطانة الحاكمة» مع الصحفيين على حسب الهوى، فيفرقون بين «زيد وعبيد»، ويقيسون كل شىء ب«الخيار والفقوس». لقد دافع الرئيس الأمريكى التاريخى توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، عن حرية الصحافة، وقدمّها على الديمقراطية نفسها، فكان يرى أن دولة تطلق حرية الصحافة قادرة على التحول الديمقراطى، والعكس غير صحيح. وطالما لا تصل المعلومات من مكاتب المؤسسات الحكومية فى مصر إلا لمن يتوددون ل«شماشرجية» تلك المؤسسات، أو لمن يحاول «الشماشرجية» التودد لهم من الإعلاميين، فلا تنتظر فى هذا البلد خيراً.