علم الدبلوماسى الجزائرى الكبير الأخضر الإبراهيمى أننا سوف نلقى محاضرة فى أبو ظبى عن «زرياب الأسطورة العربية فسارع لحضورها وعلمت أن السبب فى حماسته أن بيته فى الجزائر يقع فى شارع اسمه «حديقة زرياب» وهو لايعرف من هو زرياب. كان النصف الثانى من القرن الثانى الهجرى عصر رفاهية واستقرار فى دولة بنى العباس التى استمرت لثلاثة عصور وعاصمتها بغداد. وازدهرت حضارتها فكانت الناس تأتيها من كل فج عميق من أجل تجارة أو علم أو سياحة أو للبحث عن عمل ووصلت من التحضر درجة عالية حتى إن الناس كانوا يتهادون بالورود وهو سلوك رومانسى لم تكن تعرفه الثقافات العربية القديمة وقد يتصور البعض أننا نحن العرب قد استوردناها حديثا من بلاد الفرنجة كانت فى بغداد محلات متخصصة فى بيع الزهور.. وكما انتشر فيها تيار اللهو والعبث انتشر تيار الزهد والورع وصارت مركزا للعلوم والآداب والفنون بالنسبة للعالم كله، وانتشر الغناء وكثرت الجوارى وبيوت القيان والتى كان يقصدها الباحثون عن المتعة والاستمتاع بالغناء. كان ابراهيم الموصلى هو المغنى المرغوب فيه عند الخليفة محمد المهدى (158ه -775م) يغنى ويطرب ويرعى ولدى الخليفة موسى المهدى الذى تولى الخلافة 170ه 193م فلما مات المهدى اشرقت شمس السعادة على الموصلى حتى أن موسى كافأه على غنائه فى ليلة واحدة بمائة وخمسين ألف دينار كان الغناء مقصورا على الجوارى السوداء فبحث الموصلى عن جوارى من ذوات البشرة البيضاء وكان يقوم بتدريبهن على العزف والغناء ثم يبيعهن بأضعاف ما اشتراهن به خاصة أنه كلن يعلمها إلى جانب الغناء المؤانسة وحلو الحديث والأشعار والتطريز وتنسيق الموائد وإعداد الطعام. فى يوم ما ذهب أحد شماشرجية الخليفة إلى السوق ليشترى جارية فوجد من العبيد المعروضين شاباً يبلغ من العمر 9 سنوات شعره أسود ينسدل على جبهته يصل إلى حاجبيه أما البنية فهى قوية والجباه مستديره سمراء إنه أبو الحسن على بن نافع والذى يطلق عليه لقب زرياب الطائرالأسود وجميل الصوت اشتراه الشماشرجى وسلمه للشماشرجى المتخصص فى إعداد مجلس الخليفة. ولا أعرف لماذا فكر هذا الشماشرجى فى تطوير مجلس الخليفة ليرص كل عشرة غلمان من ذوى البشرة السوداء يقف بينهم غلام أبيض والعكس، كل عشرة غلمان من بيضاء البشرة يقف بينهم غلام أسمر. فى مجلس الأنس الهنى راح العندليب إبراهيم الموصلى يطرد فى حضرة الخليفة محمد المهدى والحاضرين كأن على رؤوسهم الطير.. وفى هذا الجو الصامت الشجى إذا بالغلام الأسود يأخذه الشوق والسماع فلا يتمالك نفسه ويضرب التقاليد المتبعة فى مجالس الأنس الهنى للخليفة ويتمايل مع النغم كما كان يتمايل الناس فى سينما ريفولى عندما كانت أم كلثوم تغنى فى الخميس الأول من كل شهر مما أغاظ الشماشرجى المكلف بإعداد الحفل وشد على اسنانه واستحلف له أن يلقيه خارج قصر الخليفة فور انتهاء الحفل وأشار الخليفة للغلام المحب للغناء بأن يقترب من كرسى العرش وسأله عن اسمه قال: أبو الحسن على بن نافع والشهرة زرياب قال الخليفة: ولماذا فعلت فعلتك الشنعاء هذه؟ قال لإفراطى فى عشق الغناء. وتواصل السؤال والإجابة وكانت نتيجته أن أعجب الخليفة بفصاحة الغلام لأنه كان بليغ العبارة فى ردوده واضح الحروف على صغر سنه (9سنوات) فمن عليه بالعتق من العبودية. ارتاح شماشرجى الحفل بعد أن كظم غيظه لفترة طويلة أمامطرب الجلسة جلسة الأنس الهنى - فلم تكن لتفوته هذه الفرصة إذا أرسل أحد غلمانه ليترقب خروج زرباب من المجلس ليعرض عليه أن ينضم إلى تلاميذ الموصلى مع 80 جارية كان يقوم بتدريبه وتعليمهن ثم بيعهن كتجارة. لكن هذه المعانى لم تشف غليل الدبلوماسى الجزائرى الكبير وتقول له من هو زرياب الذى يسكن فى حديقته. فإن حديقة زرياب مزهرة رائعة استحق من أجلها أن يحقق العالمية من انجازات كثيرة أهمها الموسيقى.