رانيا المشاط: اختيار مصر ضمن 7 دول للاستفادة من برنامج صندوق الاستثمار في المناخ بقيمة مليار دولار    صادرات الأسمدة المصرية تواصل التراجع لتنخفض ب6.4% في الربع الأول من 2025    نائب إيراني: طهران تدرس بجدية إغلاق مضيق هرمز    الزمالك ينعى والد محمد طارق    الغرف التجارية: وضع استراتيجية جديدة تحول المصانع المتعثرة إلى محركات إنتاج وتصدير    القومي لذوي الإعاقة يطلق أول منصة للفنون الدامجة في الشرق الأوسط    إيران: تعيين العميد سيد مجيد موسوي قائدًا للقوة الجوية الفضائية    الضربة الإسرائيلية لإيران.. طهران تواجه صدمة استخباراتية عقب اغتيال قاداتها العسكريين.. انهيار شبه كامل لمنظومة الدفاع الجوي    تطبيق نظام الإختبارات الإلكترونية في الامتحانات بجامعة العريش    كأس العالم للأندية.. غيابات إنتر ميامي في مواجهة الأهلي    تعليم البحيرة: رفع حالة التأهب لامتحانات الثانوية العامة 2025    أيمن بهجت قمر عن إيرادات فيلم ريستارت: 60 مليونًا في 15 يوم عرض    فنانو المسرح يودعون المخرج سعيد عزام: «ربنا يعوضك في آخرتك عن دنياك»    عرض "نوباتيا" و"أطفال المتاريس" في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    التعليم العالي: إطلاق سلسلة «صحتك في الصيف» للتوعية الصحية بالتعاون مع المركز القومي للبحوث    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    القبض على شخص أطلق النيران على زوجتة بسبب رفضها العودة اليه بالمنيا    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    نقيب المحامين يفتتح مقر اللجنة النقابية لمحامي الحمام والعلمين    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    غدا..بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    تفاصيل احتفالية تخرج طلاب مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها    إزالة 654 حالة ضمن الموجة ال26 لإزالة التعديات ببنى سويف    تحذير لطلاب الثانوية العامة: تجنبوا مشروبات السهر والتركيز لهذه الأسباب    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 146 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    وزير الري يؤكد توفير الاحتياجات المائية بمرونة خلال ذروة الصيف    مراسلة «القاهرة الإخبارية»: مستشفيات تل أبيب استقبلت عشرات المصابين    إليسا وآدم على موعد مع جمهور لبنان 12 يوليو المقبل    "الحياة اليوم" يناقش آثار وتداعيات الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران    استعراض خطير على الطريق الدائري بالقاهرة.. والشرطة تتمكن من ضبط السائق    ضبط 3 عاطلين وسيدة بتهمة ارتكاب جرائم سرقات في القاهرة    جوليانو سيميوني: جاهزون لمواجهة باريس سان جيرمان    محافظ الشرقية يقرر عودة سوق اليوم الواحد بمراكز ومدن المحافظة    وزير التموين: توافر كامل للسلع الأساسية ومدد الكفاية تفوق 6 أشهر    ريال مدريد يحصن مدافعه الشاب راؤول أسينسيو بعقد حتى 2031    السلع الغذائية العالمية تقفز بعد صراع إسرائيل وإيران ومخاوف من أزمة إمدادات    خاص| سلوى محمد علي: سميحة أيوب أيقونة فنية كبيرة    مدرب إنتر ميامي يراهن على تأثير ميسي أمام الأهلي    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    اليوم.. الحكم على متهمة بالانضمام لجماعة إرهابية بالهرم    «عمال الجيزة»: اتفاقية الحماية من المخاطر البيولوجية مكسب تاريخي    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    أهالي يلاحقونه بتهمة خطيرة.. الأمن ينقذ أستاذ جامعة قبل الفتك به في الفيوم    الأهلي بزيه التقليدي أمام إنتر ميامي في افتتاح مونديال الأندية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 14-6-2025 في محافظة قنا    خاص| محمد أبو داوود: «مشاكل الأسرة» محور الدراما في «فات الميعاد»    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    غدا .. انطلاق ماراثون امتحانات الثانوية العامة بالمواد غير المضافة للمجموع    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    إعلام عبري: سقوط 4 صواريخ فى دان جوش والنقب والشفيلا    إعلام عبرى: ارتفاع عدد المصابين إلى 7 أشخاص جراء الهجوم الإيرانى    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة الكردية.. من تأليه الأنوثة إلى تدنيسها
نشر في الوطن يوم 06 - 11 - 2014

فى غمرة الأهوال الداعشية التى انتشرت ونُشرت أخبارها على نطاق واسع خلال الأشهر الماضية، تناقلت وسائل الإعلام العالمية والعربية وقنوات التواصل الاجتماعى صورة مريعة لشاب داعشى مهووس يضحك كالمخبولين وهو يعلق فى إحدى يديه رأساً مقطوعاً لامرأة كردية حسناء الوجه، طويلة الضفائر، باسمة. وبيده الأخرى يرفع إصبع السبابة بعلامة التوحيد. وبالطبع أثارت الصورة الجالبة للهم كل مشاعر الاشمئزاز والتقزز والغم فى نفوس الناس شرقاً وغرباً. وجاءت فى تفسيرها وتفصيل خبرها أقاويل عديدة، منها أن الدواعش يسعون لنشر الرعب فى الأنحاء تمهيداً لاجتياحها دون مقاومة من أهلها «وهو الأسلوب الذى اتبعه المغول قديماً عند اجتياحهم لأنحاء العالم الإسلامى».. ومنها أن دولة الإسلام فى العراق والشام المسماة اختصاراً «داعش» تريد تحذير النساء بأنهن إذا لم يستسلمن للأسر والسبى وإدفاء فراش «المجاهدين» وتلبية شهواتهم الهمجية، فسوف يتعرضن لهذا المصير الشنيع البشع.. ومنها أن المرأة مقطوعة الرأس كانت إحدى المقاتلات الكرديات اللواتى يدافعن عن بلدة عين العرب «كوبانى» الكردية، المسلمة، السنية! ضد شراذم الدواعش المدعومين سراً من دولة الخلافة العثمانية الأردوغانية، والمدعومين جهراً من أمريكا التى تزعم أنها تقصفهم من السماء لتعطيهم الفرصة للتوسع على الأرض.. ومنها أن النساء الكرديات قد تعهدن بقتل أنفسهن إذا ما أحدق بهن الهم الداعشى، وأراد المجاهدون المسلمون فى سبيل الله «وسبيل النكاح» الاستيلاء على أجسادهن وبيعهن بسوق النخاسة.. ومنها أن الفتاة مقطوعة الرأس اسمها: ريحانة.
بعد ذلك بأيام، يعنى منذ بضعة أيام، جاءنا هم جديد من إيران، ملخصه أنهم أعدموا هناك فتاة اسمها «ريحانة جبارى» اعتدى عليها بالاغتصاب حيوان يعمل بالمخابرات الإيرانية، فقتلته. وقيل إن الفتاة المشنوقة من أهل السنة، والأرجح أنها كردية لأن لقب «الجبارى» هو اسم مشهور لعشيرة كردية يصل عددها إلى عدة ملايين، معظمهم يسكنون بالعراق حالياً وبعضهم فى غير العراق، وهم جميعاً ينتمون إلى جد واحد كان اسمه: عبدالجبار.
ومن هذا «الهم» نعود إلى «الهم» الأول، حيث اشتهر عن الكرديات المقاتلات المتصديات للدواعش هذه الأيام، أنهن لا يقعن فى الأسر. بمعنى أنهن يقاتلن حتى الرمق الأخير، ويفضلن الموت على الوقوع فى أيدى الدواعش، كيلا تهان الواحدة منهن ويستعمل جسدها فى الأسر «السبى» استعمالاً همجياً. بعبارة أخرى، تمتاز المرأة الكردية باعتداد شديد بأنوثتها يعوق قبولها بالخزى الذى ينتظر الأسيرات.. بعبارة أوضح: المرأة الكردية حرة.
فلماذا تمتاز المرأة الكردية بهذه الصفات؟ للإجابة عن ذلك علينا الرجوع إلى التاريخ، وملاحظة أثر الجغرافيا، والانتباه إلى طبيعة الخصوصية الثقافية للكرد: المسلمون، السنة.
■ ■ ■
باستثناء الكرد الذين اضطروا إلى الهجرة من موطنهم الأصلى، أعنى تلك المنطقة الشاسعة المعروفة باسم «كردستان»، فإن العشائر الكردية تقيم اليوم، مثلما كانت تقيم منذ زمن قديم، فى منطقة المرتفعات الجبلية والسهول الخضراء المحيطة بها. وسكان تلك الأماكن عموماً، من الكرد أو غيرهم، يمتازون بالميل إلى المحافظة لا الانفلات، والاعتزاز بالشرف لا التساهل فيه. على عكس سكان الصحراوات المجدبة والمدن الصاخبة المزدحمة، الذين لا يكترثون كثيراً بالنزوع المحافظ، وبقدسية الجسد، وبتمحور السلوك العام حول مفاهيم العزة والشرف. أو بتعبير أدق: غالباً ما يكون البدو الأقحاح وقاطنو المدن الكبيرة أكثر تساهلاً من نظرائهم الساكنين فى الجبال والمناطق الخضراء.. هذا من وجهة الجغرافيا، وانعكاسها على السلوك العام.
ومن ناحية التاريخ السحيق لمنطقة كردستان يؤكد الباحثون أن أسلاف الكرد كانوا يعيشون قبل آلاف السنين فى مجتمع أمومى يتمحور حول تقديس الأم العظيمة والأنوثة المؤلهة.. يقول د.جمال رشيد، فى الجزء الثانى من كتابه الموسوعى «ظهور الكورد فى التاريخ» ما نصه: لعبت المكانة الاجتماعية للمرأة فى كوردستان دوراً كبيراً فى رسم التصور الدينى وفى ولادة الأسطورة الأولى.. فمن جسدها تنشأ حياة جديدة، ومن صدرها ينبع حليب الحياة، ودورتها الشهرية المنتظمة تتبع دورة القمر، وخصبها هو خصب الطبيعة.. فوراء كل ذلك أنثى كونية عظمى، هى منشأ الأشياء، عنها تصدر الموجودات وإلى رحمها يؤول كل شىء.
ثم يشير الكاتب إلى أن المجتمع الكردى القديم، قبل آلاف الأعوام، كان يعبد الإلهة «شاووشكا» التى عرفت أيضاً باسم «نينى» وباسم «إنانا».. وقد سميت مدينة «نينوى» باسمها، مقابل مدينة أوروبيللوم «أربيل» التى كانت مركز عبادتها باسم «شاووشكا» التى عبدها أيضاً بهذا الاسم سكان مدينة شموخا، فى جنوب شرق «ديار بكر» الحالية «يقصد المنطقة الكردية الواقعة اليوم داخل حدود تركيا».
وبطبيعة الحال، فإن تأليه الأنوثة فى زمن تأسيس الحضارات، لم يقتصر على منطقة كردستان. فهذا ما رأيناه فى مهاد الحضارة الإنسانية جميعها: مصر، العراق، اليونان! قبل أن تقوم الجماعات الإنسانية الأحدث، تحت وطأة النزعات التوسعية العسكرية الغشوم بإزاحة الألوهة المؤنثة وإحلال الإله الذكر «رب الجنود» فى مكانها، على النحو الذى عرضت له فى روايتى: ظل الأفعى.
■ ■ ■
وقد استمرت النزعة الأمومية فى المجتمع الكردى خلال تطوره الطويل، وتحول تأليه الأنوثة إلى تقديس للمرأة وإعلاء لمكانتها. ولذلك، ظهرت فى تاريخ كردستان نساء قائدات قمن برئاسة وتوجيه العشائر الكردية، كان منهن: أرملة غلام شاه خان، نسوة أسر الهكارى «عشيرة كردية»، الحاكمات، عادلة خانم سيدة هلبجة، قرة فاطمة، التى قادت فرسانها واستولت على القسطنطينية سنة 1854 الميلادية.
وفى انعطافة حادة، دالة، يقول صاحب موسوعة «ظهور الكورد فى التاريخ»: إن انتشار مبادئ الإسلام فى المجتمع الكردى، أدى إلى تسرب بعض أعراف المجتمعات العربية إلى الكرد، لكن احتجاب المرأة أمام الرجل، كما أراد رجال الدين الإسلامى، لم يتحقق فى المجتمعات الكردية، ولذلك ظل الكرد من بين الشعوب الإسلامية هم الأكثر تسامحاً وتفتحاً تجاه المرأة، واحتراماً لحريتها الشخصية. وقد لاحظ الرحالة ما نلاحظه اليوم من سمات عامة للمرأة الكردية، فهى من حيث الشكل غير محجبة «لا ترتدى الحجاب ولا النقاب»، ومن حيث التفاعل الإنسانى غير محجوبة عن الرجال، ولا يفرض عليها ارتداء ملابس معينة وتشارك الرجال فى الحوار: «ومع كل الحرية التى تتمتع بها، فإنها تحافظ على شرفها بكل ما أوتيت من قوة، فالخوف المنتشر بين الأرمن وادعاء العفة المنتشر بين الأتراك العثمانيين، لا نجدهما عند الكورد».. ولم يتعرض الكاتب للمرأة العربية؛ لأن كتابه، فيما أظن، قد أعدت مادته أثناء حكم صدام حسين! وإن كان قد نشر بعد سقوطه عن حكم العراق بالطبع، لأن كتاباً عن الكرد فى زمن «صدام» كان سبباً كافياً لقتل مؤلفه.
وبعد إيراد بعض الشهادات التى قدمها الرحالة الأوروبيون وزوار كردستان خلال القرنين الماضيين «من أمثال: بيلابترو، مينورسكى، سون، رامبو، إدموندس» يأتى التأكيد على أن المرأة الكردية أكثر استقلالاً من أخواتها العربيات والتركيات والفارسيات.. يقول المؤلف: وللأسف، فإن سياسة حزب البعث اللا أخلاقية فى كوردستان الجنوبية، خلقت حالة مغايرة لطبيعة المجتمع النسوى، فدفعت بعض الكورديات إلى استعمال الحجاب، وهو القماش الذى كان يستر المرأة العبرية.. وهى الظاهرة التى لم تتعودها النساء الكورديات خلال التاريخ.
■ ■ ■
وختاماً، وحسبما تؤكد المشاهد الجارية الآن فى النواحى الكردية بالعراق وسوريا، فإن عمليات التدنيس لقداسة «الأنثى» لم تنجح تماماً فى طمس هويتها الراسخة عند الكرديات.. اللواتى يمثلن اليوم ثلث القوات المقاومة للتقدم الداعشى، اللواتى يحملن السلاح مستهينات بالموت فى سبيل الدفاع عن الأرض والعرض، اللواتى يفضلن الانتحار بالطلقة الأخيرة على الاستسلام للسبى والتدنيس الهمجى لمعنى الأنوثة على يد الدواعش الذين يستعملون الدين لتدمير الدنيا، والسماء لتخريب الأرض، والذكورة البكماء لطمس بهاء الأنوثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.