كان عزيز وإيلا مختلفين فى كل شىء حتى إن هذا الاختلاف شغلها كثيراً وباتت تتساءل إذن ما الذى يجمع بينهما ليتبادلا الرسائل؟! فعزيز مصور محترف يطوى بلدان العالم كأنه يتنقل ما بين غرف منزله، يجوب العالم حاملاً حقيبة ظهره وبداخلها ناى قصبى، له أصدقاء فى بلدان شتى من أنواع مختلفه من البشر، يواجه مشاكل كثيرة كبيرة وصغيرة كصعوبات فى تأشيرات دخول البلدان أو أمراض طفيلية لتلوث الماء أو اضطرابات معوية بسبب أطعمة ملوثة أو سرقات، ولكنه كان يستهين بكل هذا ولا شىء كان يحول بينه وبين الترحال فى أرجاء الأرض (وصفته إيلا يوماً بأنه شلال هادر، فقد كان ينطلق بكامل قوته وطاقته فى كل مكان كأنه ألف شخص، مثالى، محب بشكل فياض لا يضاهَى ولا ينافَس)، نعم إنه عزيز الأسطورة. أما إيلا فقد كانت مترددة عند الإقدام على أى عمل أو هى المتحمسة فى البدايات ثم تنتكس تردداً وقلقاً بخلاف عزيز الذى لا يعرف القلق إليه طريقاً، وكانت ترى نفسها امرأة متحررة، ديمقراطية الحزبية، يهودية الديانة (غير ملتزمة)، نباتية، طموحة، تحب تنظيم كل شىء وتجيد وضع الخطط والقوانين، تمارس بعض الطقوس الدينية على فترات متباعدة فقد كانت تنفر من الدين لأسباب عدة منها وجود المتطرفين لأنهم متغطرسون متعالون وكأنهم يحتكرون رضا الله، وكان المتعصبون المسلمون هم الأسوأ عندها و(هنا رسالة: إن التعصب أو التطرف الدينى هو أحد أهم أسباب إلحاد الكثيرين فعندما يقدم الدين وطريق الله من قبل أناس غلاظ القلوب متزمتين مرهبين ومخيفين فكيف سيتقبل الناس المعلومة والعظة منهم والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى اختار رسله رحماء أنقياء يدعون إلى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، أساس الدين روح الدين وسماحته والالتزام بقواعد الله على أرضه فلا ضرر ولا ضرار وكل هذا يتنافى مع التطرف فالمتطرفون بعيدون بعيدون). كان عزيز روحانياً يأخذ الدين والإيمان بجدية ويبتعد عن الأمور السياسية المعاصرة ولم يكن نباتياً كإيلا بل كان شرهاً لأكل اللحوم، وقد اعتنق الإسلام بعد أن كان ملحداً فى منتصف السبعينات، وقد أصبح الآن مسلماً متصوفاً، وكانت لديه فكرة غريبة وجميلة بأن جميع الحروب الدينية هى فى جوهرها مشكلة لغوية فالناس يسىء بعضهم فَهم الآخر لهذا لا يجب أن يتشبث أحدهم برأيه لأنه ربما تكون أقوى قناعاتنا ومعتقداتنا ناجمة عن سوء فهم أو تعثر فى ترجمات مفردات الكون.. وكان عزيز يعتقد أنه لكى يعيش المرء لا بد له من أن يغير الألوان باستمرار.. ورسالتى: ما رأيكم أن تجربوا وجهات نظر أخرى، وما رأيكم فى وضع أنفسكم مكان الآخرين، وماذا عن النظر إلى الأمور من أعلى دون الدخول بينها فنتشابك فى خيوطها وتربكنا ونربكها تماماً كقط علق بكُرة صوف فالتفت حوله، لا هو استطاع فكها ولا هو استطاع الخلاص منها. لا تكونوا ذاك القط الشقى وغيروا نظرتكم للحياة، بين الحين والآخر جربوا تغيير لون عدسات نظاراتكم فلربما رأيتم الأشياء القديمة بطريقة جديدة ولا تتشبثوا بأفكاركم بتعصب وانحياز فما تدرون فى أى الفخاخ وقعتم وتحت أى التأثيرات أُسرتم! ورسالة أخيرة لحلقة اليوم: إن الاختلافات بين البشر أبداً ليست سبباً للخلافات، وكون الحبيب من عطارد أو الزهرة لا تأثير له على المشاعر وعمقها وقوتها بل إنه من دواعى الحب الاهتمام بذاك الاختلاف واستخدامه فى إثراء وصقل العلاقة، فالحب كلوحة يرسمها العاشقان كل يضع ألوانه الخاصة وأدواته الخاصة ومشاعره وطباعه ومزاجه الخاص جداً ويكملها الآخر له لتخرج طيفاً يستطيع كلاهما قراءته وبوضوح ولكن شريطة أن يرغب كل منهما فى قراءة الآخر وأن يهتم بهذه القراءة وبالوقوف على معانيها وتفسير ألغازها والاقتراب منها دون فرض لشخصيته هو على الشريك، كى لا يتحول الشريك إلى صورة باهتة من حبيبه. فلا هو كان نفسه ولا هو استطاع أن يكون نسخة واضحة من الحبيب.