60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    انتهاء تنفيذ 321 مشروعا ضمن حياة كريمة ب9 مليارات جنيه فى الوادى الجديد    إيران تهاجم إسرائيل بمئات الصواريخ ودمار واسع في تل أبيب| صور    الأردن يعلن فتح الأجواء أمام حركة الطيران المدني    إعادة الحركة المرورية على الطريق الزراعي بعد رفع آثار انقلاب تريلا بطوخ    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    نتيجة الشهادة الإعدادية بالدقهلية 2025 الترم الثاني.. رابط مباشر و خطوات الاستعلام    أسعار الذهب اليوم فى السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 14 يونيو 2025    جميعها مجانية.. القنوات المفتوحة الناقلة لمباراة الأهلي ضد إنتر ميامي مباشر.. والتردد    تفاصيل الاجتماع الفنى لمباراة الافتتاح.. الأهلى بالأحمر والشورت الأبيض أمام ميامى    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    أشرف داري ل«المصري اليوم»: درسنا إنتر ميامي ونعرف ميسي جيدا (فيديو)    موعد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 (صناعي- تجاري- زراعي- فني) فور اعتمادها    بالفيديو ..تامر حسني لجمهور الكويت : هتقوني علشان اغني ..انتوا عارفين الظروف    الأهلى يختتم تدريباته الجماعية استعدادا لمواجهة ميامى فى كأس العالم للأندية    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    علقة موت لمدرب كمال أجسام تعدى جنسيا على طفلين بالفيوم    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    قناة مفتوحة لنقل مباراة الأهلي وانتر ميامى في كأس العالم للأندية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    القناة 13: إصابة 5 إسرائيليين جراء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    إعلام عبري: سقوط 4 صواريخ فى دان جوش والنقب والشفيلا    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    الجنح تسدل الستار في قضية انفجار خط الغاز.. اليوم    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    «قصور الثقافة» تعرض طعم الخوف على مسرح مدينة بني مزار.. غدًا    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعصب و كراهية الاخر عند الإخوان النجديين(2)
نشر في شباب مصر يوم 18 - 08 - 2014


دكتور / أحمد صبحي منصور
يلتقي التعصب والتطرف في ان التعصب هو كراهية الاخر في كل الاحوال سواء كان المتعصب قويا او ضعيفا، فاذا كان قويا له السلطة علي من يكرهه ارتبط تعصبه ضد خصمه الضعيف بالتطرف ،يحاول به ارغامه علي تغيير معتقده وازالته باعتباره منكرا .ومن هنا يأتي معني التطرف وهو مجاوزة الحد الي اخر الطرف ،بالبغي علي حقوق الاخر وحريته في الاعتقاد .ومن هنا ايضا نقول ان الاخوان تعصبوا ضد الانجليز والاغراب الذين لا سلطان لهم عليهم ،ولكن الاخوان تطرفوا في التعامل مع من استطاعوا غزوهم واخضاعهم .
1 والدولة الاموية كانت دولة متعصبة ولكنها لم تكن دولة متطرفة دينيا ،فالدولة الاموية سارت سياسيتها الداخلية علي اساس التعصب ،تعصبت للعرب ضد الاجناس الاخري من الموالي الفرس والاقباط والبربر والانباط ،ثم في داخل العرب كانت تتعصب للقبائل اليمنية القحطانية ضد القبائل العدنانية المضرية او يحدث العكس ،ثم كانت تتعصب لقريش ضد غيرها من قبائل مضر ،ثم كانت تتعصب (اجتماعيا )مع ابناء عمهم الهاشميين الذين يجمعهم عبد مناف مع الامويين ضد بقية قريش ،ثم يتعصبون داخل البيت الاموي حتي تضيق حلقة التعصب الي درجة ان يتعصب الخليفة لأبنه ضد اخيه، وفي النهاية قضي عليهم ذلك التعصب الجنسي والقبلي والعائلي والأُسرى .
2 اما الدولة العباسية فقد تحول فيها التعصب الي تطرف ديني ،خصوصا منذ عهد المتوكل العباسي، واختلفت بذلك عن الدولة الاموية حيث كان الشاعر الاخطل النصراني العربي يدخل علي الخليفة والصليب علي صدره فيأخذ الجوائز ،بينما تأخذ الدولة الجزية من غير العربي حتي لو اسلم ..ثم جاء عهد المتوكل فتعصب ضد اهل الكتاب ،وضد الصوفية والشيعة .وقبل العباسيين فان الخوارج في العصر الاموي تعصبوا دينيا لمذهبهم ضد الاخرين في مقابل التعصب القبلي العنصري للامويين .
التعصب الدينى لدى الإخوان النجديين
1 واهمية استرجاع الماضي هنا لدلالته علي بيئة الجزيرة العربية في عصر عبد العزيز ، فالذي كان سائدا هو التعصب القبلي في علاقات القبائل ،وفي علاقات الاسر الحاكمة ،ثم جاء عبد العزيز فتحول التعصب القبلي في دولته الي تعصب ديني يقوم علي اساس ما اكد عليه الشيخ ابن عبد الوهاب من موالاة المؤمن الوهابي وكراهية غيره ,وتلك العصبية الدينية لم تصادر العصبية القبلية بل امتزجت معها في التعامل مع الاخر المختلف في الدين والمذهب وايضا في العرق والجنس والعنصر .والحياة في الصحراء خصوصا في نجد تجعل من التعصب نمط حياة، حيث العزلة والتوجس من الغريب والخبرة المحدودة ،ثم اضاف لها التعصب الديني الاختيار بين اثنين ،اما ابيض واما غير ابيض ،اما معنا واما علينا ،وليس هناك وسط ، هي نفس المعادلة الصفرية التي تنفي الاخر دائما
2 ومن هنا اشتهر الاخوان بعدم السلام او رد السلام علي الاخر ،وسبق ان امتنع ماجد بن خثيلة عن الرد بالسلام علي ابن سعود حين جاء برسالة إليه من ابن بجاد قبيل الصدام بينهم في معركة السبلة وفهم ابن سعود المقصود ،وهو تكفيره ،ولذلك غضب وطرده .وكان من عاداتهم ايضا تحاشي اولئك الاخرين وتجنبهم ،بل وستر وجوههم بدلا من النظر للغريب الكافر مما يؤكد علي مقاطعته وعدم التعامل معه .
3 وستر الوجه دليل الكراهية الشديدة التى تجعل المتعصب لا يطيق رؤية المخالف له فى الدين . وهذا كان يفعله الكفار من قوم نوح ، كانوا يضعون ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه . أى ( يشتغشون ثيابهم ) أى يجعلونها غشاءا وسترا . وقد شكاهم نوح عليه السلام لربه جل وعلا فقال : (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ) نوح ). و فعلها كفار قريش مع النبي محمد عليه السلام ، يقول جل وعلا : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) هود )
4 وتواترت قصص عن الإخوان من هذا النوع .
يحكي محمد أسد انه كان في رحلة داخل الصحراء لصالح عبد العزيز فالتقي بمجموعة كبيرة من البدو، وكان مع محمد اسد خادمه العربي ،ومع ان اسد كان يرتدي الزى العربي إلا أن شيخا من البدو شك فيه وحقق معه ،ثم تذكر الشيخ انه رأي محمد أسد عند عبد العزيز يوما فانتهت المشكلة [16].
وحكي الريحاني انه قابل في الطريق ثلاثة من البدو، فسلموا عليه ، ولكن بعد التعرف شكوا في الريحاني ورفضوا ادعاء مرافقه انه سوري جاء يتاجر في الابل ،واعتقدوا انه انجليزي (كافر ) وعليه أصروا ان يستردوا منه سلامهم ،وانتهت الأزمة بان أعلن المرافق للريحاني لهم (سلامكم رد لكم ).
ولقي فيلبي من ذلك الكثير نظرا لأنه انجليزي يحتك كثيرا بالإخوان في عمله مع عبد العزيز، هذا مع إعلان إسلامه ، وأن عبد العزيز أسماه ( عبد الله فيلبى ) . ولكن أصله الانجليزي جعل إسلامه المُعلن والرسمي لا يغنى عنه شيئا ، لأنهم ( ليس منهم ) حتى لو أسلم وصار وهابيا مثلهم . وقد سمعهم فيلبي خارج خيمته يتناقشون في السلام عليه لأنه مشرك نجس ..وحين كان يتجول وحيدا كانوا يعبرون له عن ضيقهم بوجوده معهم ،فلا احد منهم يرد سلامه عليهم ،وبعضهم كان يغطي وجهه لكي لا يراه، واحدهم جز علي أسنانه قائلا له (اشهد الله علي كراهيتي لك ) وهذه الشهادة تطبيق لتعليمات ابن عبد الوهاب فى وجوب إعلان كراهية الآخر . بل حاول بعضهم قتله او علي الاقل ترويعه ،ودخل احدهم خيمته دون ان يعرفه ،فلما عرف انه دخل خيمة الانجليزي استدار وبصق في اتجاه فيلبي ،وكثيرا ما كانوا يراقبونه ليضبطوه وهو يدخن حتي يعاقبوه ،وبعضهم حذر عبد العزيز من فيلبي وقالوا (ان فيلبي سيجر علينا المصائب )
5 وحتى تعرف أهمية المنهج الفكري في هذا التعصب نتذكر هذه القصة التي يرويها الريحاني عن (هذلول )احد الإخوان المرافقين للقافلة ،يقول (اخذ هذلول هذا يعلمنا دين التوحيد : يجب علي كل مسلم ان يكون عالما بثلاثة أصول :من أطاع الرسول دخل الجنة ،ومن عصاه دخل النار ،أن الله لا يرضي أن تشرك معه في عبادته أحدا ،إن من أطاع الرسل ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله)[17].وهذا تحريف لمعنى قوله جل وعلا (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (22) المجادلة )، فالآية الكريمة تحرم مودة الذي يعتدي على المؤمنين المسالمين ، وهذا المعتدى يكون عدوا لله جل وعلا ولرسوله وتحرم موالاته في اعتدائه على المؤمنين . وفى حالة الوهابيين الإخوان فهم المعتدون والبادئون دائما بالعدوان على من لم يعتد عليهم ، وهم بذلك يجعلون أنفسهم في خانة العداء لله جل وعلا الذي ( لا يحب المعتدين ). يقول جل وعلا : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) ) البقرة ).
6 وفي الارطاوية تمثل التعصب بأشد ما يكون ، يذكر جون حبيب أن حاكم الارطاوية اخبره أن الزائرين القادمين من الكويت بصفة خاصة كانوا يوضعون في ( الحجر العقائدي ) لاستجوابهم قبل السماح بدخولهم إلي البلد ،بل أن أهل الارطاوية إذا سافروا إلي الكويت كانوا يوضعون في الحجر أيضا ليتأكدوا أنهم لم يتلوثوا نتيجة زياراتهم للكويت.أي محاكم تفتيش مزدوجة . وكتب هاملتون المقيم السياسي في الكويت في ديسمبر 1918 ان الجميع كانوا ضد ذهابهم إلي الارطاوية حيث كان كل الغرباء يوضعون في الحجر، لفترات مفاوتة لاختبار مدي تمسكهم بالوهابية ، وحتى فيلبي لم يسمح له بزيارة الارطاوية، وقال انه لم يشأ المخاطرة بحياته بالذهاب إليها ،وقد تحاشوها تحاشيهم للطاعون ،وقال ان الوهابيين العاديين كانوا يتحاشونها أيضا [18].
7 وهذه العواطف المتعصبة لم تخلق فقط تصرفات متعصبة مع الجميع مثل إقامة الحجر الصحي العقائدي ،ولكن أدت أيضا الي المعارضة السياسية، بسبب تعصبهم ضد الانجليز وكراهيتهم المقيتة لهم . وانعكس هذا على موقفهم من عبد العزيز الذي تضطره السياسة للقفز فوق أشواك التعصب . فقد اختلف الإخوان مع عبد العزيز حول فتح حائل ،أراد الأخوان فتح الحجاز لأن حاكمه الشريف حسين يعمل لدي الانجليز ورفضوا فتح حائل الآن لأن ذلك يتفق مع مصلحة الانجليز الذين كانوا يكرهون حكام شمر لتحالفهم مع العثمانيين . وخالفهم عبد العزيز طبقا لرؤيته السياسية ،وبدأ منذ ذلك الحين شعور الإخوان بأن تعاون عبد العزيز مع الانجليز يخرج به عن طريق الإسلام [19] . وكلما ازدادت اتصالاته بالانجليز ازداد هذا الشعور لدي الإخوان حتى أصبح اتهاما ضمن اتهاماتهم له في الرياض 1927 ومنها انه أرسل ولديه سعود إلي مصر وفيصل إلي لندن . ثم تفاقم الأمر بتخطيط الحدود مع الانجليز والمؤتمر الإسلامي ومجئ وفود من مصر وإيران لتقرير مصير الحجاز الذي فتحوه ،وكون ملك مصر وحفيد محمد علي من الدعاة إلي المؤتمر ،ثم دخول المحمل المصري إلي الحرم ومنعهم من تحطيم ذلك المحمل .وأثار ذلك كله كانت واضحة في مؤتمر الرياض السابق وما جري بعده من أحداث .
8 وامتد التعصب وكراهية الأجنبي إلي كراهية المخترعات الحديثة التي تأتي عن طريق هذا الأجنبي ، ويشاهدها الإخوان لأول مرة ،ولذلك فلان الإخوان استعملوا البنادق وهم بدو قبل ان يكونوا اخوانا واستعملها آباؤهم من قبل مع أنها أيضا وهي من صنع الأجنبي( الكافر ) فلم يعترض عليها الإخوان .
التعصب الديني والخوف من المخترعات الحديثة
1 وارتبط التعصب الديني وكراهية الأجنبي بالخوف منه ومن مخترعاته الحديثة غير المألوفة للإخوان . إنه الخوف من ذلك الجديد ؛ الخوف من عدم القدرة علي التعامل معه والتأقلم معه . وقد كان ذلك الخوف من الأسلحة الحديثة مما يدفع الإخوان إلي تحديها والتهور في مواجهتها بالسيف وعقيدتهم الجهادية الوهابية . وقد كانت النتيجة ان ملأت جثثهم الوديان، كما حدث في حملتهم علي شرق الارن سنة 1924 .
2 ويرى جلال كشك نوعا أخر من الخوف يتضمن فى رأيه إحساسا وطنيا ،فالبدوي في عزلته وتوجسه من الأجنبي الوافد وما يحمله هذا الأجنبي من مخترعات حديثة غير مفهومة تجعل البدوي يخاف من هذه المخترعات التي تسهل للأجنبي غزو بلاده ، هذا الأجنبي هو الذي احتل البلاد الاخري من الرافدين الي النيل، ونشر فيها مخترعاته، خصوصا وان شخصا مثل فيلبي كان وكيلا لتلك الاختراعات من اللاسلكي إلي العربات والسلاح [20].وهذا شطط فى التحليل . فلم يحدث في تاريخ ( نجد ) أن تعرضت لأي احتلال ، بل هي التي كانت تغزو وتحتل غيرها ، ولم تكن ( نجد ) في يوم من الأيام مطمعا مُغريا لأي مُستعمر أو غاز ، وليست لأهل نجد خبرة تاريخية في مُعاناة أي احتلال من الخارج ، وليست لديهم معرفة ثقافية وتاريخية بالاستعمار الأوربي في مصر والرافدين. جلال كشك برأيه هذا يفرض ثقافته ( المصرية ) على أهل ( نجد )
3 وهناك خوف اقتصادي بجانب الخوف السياسي السابق .فاستخدام السيارة يعطل دور الإبل في النقل، وأصحاب الإبل يعتمدون عليها في مواسم الحج والنقل التجاري باعتبار أن الجمل هو سفينة الصحراء ، إن دخول (عربة الشيطان )سيطيح بما تعودوا عليه من رزق .هو نفس موقف ( العربجية ) في القاهرة حين دخلها الترام .!
تحول التعصب الديني إلى معارضة سياسية
1 ومن هنا ارتبط التعصب ضد المخترعات الحديثة بعوامل نفسية وثقافية واقتصادية وسياسية وبالتالي تحولت إلي معارضة سياسية آخذت مأخذ الجد مع انها تبدو للقارئ هذه الأيام مضحكة او مسلية .
وقد شارك في هذه المعارضة الشيوخ والعلماء و الإخوان المتشددون حتى الوهابيين العاديين ،ثم كان تقبلهم لها علي مضض علي حسب درجة التعصب ،وكان عبد العزيز أكثرهم تقبلا للجديد وحرصا علي الاستفادة منه مع مراعاة التدرج في استعمالها حرصا علي ان لا يصدم البدو والإخوان . إلا أنهم واجهوه بالاحتجاج ، وجرب معهم كل الوسائل من الإقناع إلي الصبر إلي عقوبة من يستحق العقوبة حين لا يكون للعقوبة رد فعل .فقد احضر الشيوخ وتكلم أمامهم في التليفون ودعاهم إلي أن يتكلموا في التليفون مثله، فقالوا يا عبد العزيز هذا من عمل الشيطان، هذا الشيطان تتكلم فيه ؟فقال لهم عبد العزيز أن الشيطان لا يتكلم بالقرآن أليس كذلك ؟قالوا بلى فأوعز عبد العزيز إلي من كان عنده طرف التليفون الأخر أن يتلوا شيئا من القرآن ، ثم أعطي السماعة للمعترضين، واندهشوا وهم يستمعون القرآن يتلي في التليفون [21].
2 وقد حكي محمد أسد انه كان في رحلة في الصحراء جنوب الرياض ومعه خادمه ودليل من الإخوان، وقد غضب ذلك الدليل حين أوضح له محمد أسد كيف تعمل الكاميرا ،واعتقد أن ذلك التصوير الوثني يعرض حياته للخطر ،وصمم الدليل علي أن يتركهم في الصحراء عرضة للضياع ،وحاول محمد أسد أن يقنعه بالمنطق أن يبقي معهم فلم يستطع ،وترجاه إن تركه لهم معناه موتهم، فصمم الاخواني علي رأيه ،فاضطر محمد أسد إلي تهديده بالبندقية فوافق الاخواني علي شرط أن يوصلهم إلي اقرب موطن تال وان يحتكم إلي القاضي هناك . وبعد مسيرة ثلاثة أيام كان فيها محمد أسد وخادمه يتناوبان حراسة الدليل حتى لا يهرب وصلوا إلي القاضي الذي أفتي بالطبع لصالح الدليل، فأطلعه عبد العزيز علي توصية عبد العزيز به ،وهو كتاب يقول : ( إلي جميع أمراء البلاد والي كل من يراه) وعندما قرأ القاضي بداية الرسالة امتقع وجهه ثم قرأ باقي الرسالة :( محمد أسد هو ضيفنا وصديقنا وعزيز علينا، وكل من يظهر له المودة فكأنما يظهرها لنا وكل من يناصبه العداء فكأنما يعادينا نحن )فرجع القاضي في حكمه [22] .
3 والقصة السابقة توضح الأرضية التاريخية التي كان يتحرك عليها عبد العزيز ،وهذا يفسر رفض الإخوان للتليفون ،وجعله علي قائمة بنود المعارضة الي درجة أجبرت الملك أحيانا علي التريث في مواجهة عاصفة الاحتجاج ،يقول حافظ وهبة عن علاقة عبد العزيز بالتليفون : ( لأول مرة شاهده الملك عبد العزيز في مكة ورأي الفائدة التي يؤديها التليفون في انجاز الأعمال وسرعة المواصلات ،ولما نقل معسكره من الزاهر( الشهداء) بقرب مكة إلي حداء، أراد أن يمد سلكا تليفونيا بين مكة وحداء ،وسلكا أخر بين الرغامة وحداء تحي يكون علي اتصال دائم بين مكة ومقره وفي ميدان الحرب، وكنا نقطع المسافة بين مكة ومعسكره الخاص في أربع ساعات ذهابا ومثلها إيابا بالبغال أو الإبل السريعة ،وكانت الخيال تقطع المسافة أيضا في مثل هذه المدة من الرغامة إلي حداء ولكنه عدل أخيرا عن هذه الفكرة لأن إنشاء التليفون قد يهيج ثائرة الإخوان ،فأرجأ هذه المسألة. وكثيرا ما كان الإخوان يقطعون أسلاك التليفون لأنه منكر يجب إزالته ،وكثيرا ما كانوا يتعمدون قطع الأسلاك الموصلة إلي قصر عبد العزيز أثناء وجوده في مكة ،كل هذا كان يتحمله علي مضض معتمدا علي الزمن . وحدث مرة ان احد الإخوان اعتدي أو ضرب خادما للملك يركب عجلة (بسكلتة)وتسمى بلغة نجد عربة الشيطان أو حصان إبليس، بدعوى أنها بدعة ،وأنها تسير بقوة السحر وعمل الشيطان ، بدليل ان الراكب اذا نزل لم تقف ،ولكن الملك أدب هذا المعتدي أدبا أرجعه إلي رشده ) [23].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.