أثار غضبى زميلى السلفى عندما سخر من حديثى عنها، فهى فتاة فى الخامسة والعشرين تحمل على ظهرها مسئولية نفسها وطفلين، بعد أن هرب زوجها وتركها فى إحدى المدن الساحلية بمفردها، ولأنها ليست متعلمة اضطرت للعمل كخادمة، ولأن مجتمعنا المريض لا يعرف إلى الآن أن الخادمة تأتى لمساعدتنا فى ترتيب حياتنا اليومية وليست فى التنفيس عن كبتنا الجنسى وأمراضنا النفسية، حاولوا أن ينقضوا عليها كفريسة سهلة ألأكل، ففرت هاربة منهم ولم تجد طريقة للعيش إلا أن تعمل راقصة، وكانت تأخذ ابنها معها حتى يحميها من أنياب الذئاب، وما لفت نظرى إليها دموع ابنها الذى يجلس بجانب المسرح ويستمر فى البكاء، لأنه يكره أن يرى أمه فى بدلة الرقص، وما أجد من الضيوف الأجانب إلا كل عطف وحنان، فلا يلتفتون إلى هذه الراقصة بل يستفزهم دموع طفلها، فيجمعون له فى كوب كبير العديد من اليورو ويشترون له الحلوى ويتنافسون فى إظهار العطف عليه، قتلنى الفضول الذى اضطرنى للحديث معها لمعرفة قصتها وما زاد اندهاشى ضمير هذه الراقصة الحى، فقد قالت لى أنا لم أكن سمراء هكذا، أنا «اسوديت» من الذنوب لأنى أعرى جسدى الذى أمرنى الله أن أستره، وبكت وقالت لكنى فى صلاتى أدعوه أن يسامحنى لأنى لا أجد مهنة أخرى أستطيع فيها أن أوجد مع أبنائى بالنهار لأرعاهم، وطلبت منى أن أحفظها سورة قصيرة لتصلى بها، لأنها لا تحفظ غير الفاتحة، وزاد اندهاشى عندما رأيتها فى الصباح تأتى لتصرف مستحقاتها وهى ترتدى ملابس أكثر حشمة من أى سيدة مجتمع محترمة، أو تعتقدون أنها محترمة، فقال لى هذا السلفى ساخراً راقصة وبتصلى، إنها علامات قيامة، فسألته منذ متى وأنتم تربطون المهنة بالأخلاق؟ تعالَ معى لترى الطبيبة الفاسدة والمهندسة المرتشية ودكتور الجامعة الفاسق والوزير الحرامى، إلى متى سنظل نحكم بالمظهر، وإلى متى سنجعل أنفسنا آلهة على البشر؟