أخيراً دخل الأتراك على الخط بشكل صريح. كانوا يتوارون خجلاً أو خوفاً وراء مفردات وعبارات دبلوماسية غير مقنعة على طول الخط، بيد أن السلطان العثمانى أراد أن يلعب بكل الأوراق على كل الجبهات وفى كل الأوقات مستهدفاً تحقيق كل الأهداف دفعة واحدة. ولمن يريد أن يذّكر فتركيا كانت هى دولة الممر لكل التنظيمات الإرهابية، فمن الأراضى التركية انطلقت جماعات داعش والنصرة إلى الأراضى السورية والعراقية بعد أن قامت المخابرات التركية بما يجب أن تقوم به أجهزة استخباراتية، حيث مراجعة الجنسيات وجهة القدوم والتوجهات الفكرية والانتماءات التنظيمية السابقة والحالية، ثم تبدأ تلك الأجهزة فى تحديد وجهة الوصول وطريقتها، وكذا المهام الموكولة إلى كل منها، بيد أن أجهزة الاستخبارات التركية كانت وما زالت على علم بكل كبيرة وصغيرة تخص هذه التنظيمات بدءاً من أعدادها مروراً بجنسياتها وتجهيزاتها وأماكن تمركزها. وكانت تركيا تفعل ذلك على مرأى ومسمع من الجميع وعلى الهواء مباشرة، وكان الهدف الذى أجمعت عليه أمريكاوتركيا وقطر والسعودية ومصر فى عام الرمادة الإخوانى هو حتمية إسقاط نظام بشار الأسد بأى ثمن ومن خلال فتح الطريق لهذه التنظيمات الإرهابية وغيرها للدخول على مسرح الأحداث السورية بحجة إسقاط بشار توطئة لنشر الديمقراطية فى المنطقة الشامية الموءودة. والآن لم يسقط بشار وأظنه لن يسقط بل سقطت الدولة السورية فى براثن الحرب الأهلية من ناحية وتعملق التنظيمات التكفيرية من ناحية أخرى، الآن فقط يكتشف الأمريكان والأتراك وحلفاؤهم أنهم حضّروا العفريت بمفردهم ويريدون أن يصرفوه بمشاركة الكون! لقد تباطأت تركيا فى البداية وظلت صامتة فلم توقع على وثيقة جدة لمحاربة داعش ولم تعلن الحرب على داعش فى مؤتمر حلف الناتو بويلز، ظلت صامتة لحين انتهاء أزمة رهائنها الدبلوماسيين فى الموصل، وبعدها انطلق اللسان العثمانى يتوعد تنظيم داعش فى محاولة منه لصرف انتقادات العالم للموقف التركى، أسرع أردوغان للحصول على موافقة البرلمان التركى بالدخول عسكرياً بشكل مباشر إلى سوريا وحصل على تلك الموافقة، ثم توجه صوب الراعى الأمريكى بشروطه الثلاثة لدخول المعركة على الجانب السورى، وهذه الشروط هى: 1- إيجاد منطقة حظر جوى فى شمال سوريا. 2- إيجاد منطقة عازلة فى الشمال السورى. 3- التحرك عسكرياً فى مسارين: الأول ضرب داعش، الثانى إسقاط بشار الأسد. كانت هذه هى الشروط الثلاثة لأردوغان للدخول فى حرب سوريا، ودون الدخول فى تحليلات واستنتاجات فإن الشروط الثلاثة تصب فى مصلحة الأتراك دولة ونظاماً وسلطاناً، فمنطقة الحظر والمنطقة العازلة تعنى، وتعنى فقط، مقدمة للاحتلال التركى لشمال سوريا لتحقيق الأطماع العثمانية فى جسد الأمة العربية المنهك، والآن تدخل تركيا على الخط فى منطقة «عين العرب» أو ما يطلق عليها «كوبانى» تلك المنطقة التى تحاصرها قوات تنظيم داعش ويقطنها أغلبية كردية، وتشترط تركيا شروطاً أخرى للدخول لفك الحصار عن «عين العرب». هذه الشروط تمثل محاولة تركيا لتقطيع أوصال الدولة السورية من ناحية ووأد الحلم الكردى فى إقامة دولة أو حتى حكم ذاتى فى هذه المنطقة، بيد أن تركيا لا تعمل لحساب قواعد أو مبادئ بل تعمل فقط لحساب مصالح، لكن للأسف مصالح حزبية أيديولوجية ربما تفتح باباً جديداً من أبواب جهنم على هذه المنطقة. لقد دخل الأتراك للقضاء على الأكراد وفقء عين العرب السوريين فى «عين العرب».