بدا رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، شبيهًا بسلطان عثماني منقطع عن الواقع والتاريخ في الجلسة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خاصة في هجومه على من يعتقد أنهم عطلوا عليه، قيام سلطنته الجديدة للقرن الحادي والعشرين، ومنهم المشير عبد الفتاح السيسي. واللافت أن أردوغان يحاول أن يقوم بابتزاز الدول الغربية والتحالف الدولي الذي انشأه الأميركيون لمحاربة التنظيمات الارهابية في منطقة الشرق الأوسط، فهو قد رفع سقف مطالبه للمشاركة في الحلف، وحددها كما أشارت الصحف التركية، بأهداف استراتيجية كبرى أهمها: أولاً: – اقتطاع جزء من الأراضي السورية بعمق يتراوح بين 5 كيلومترات و40 كيلومترًا، على أن يسيطر عليها الجيش التركي، ويمنع فيها تحليق أي طيران معادي لتركيا. وهذه المنطقة التي يصطلح الأتراك على تسميتها المنطقة العازلة، هي ببساطة "تشبيح" تركي على جزء من الأراضي السورية وضمها الى تركيا، في مشهد مستعاد للطمع التركي بالاراضي العربية المجاورة في كل من العراقوسوريا. وقد يكون لسان حال أردوغان ورئيس وزرائه يقول: إما أن تعطونا هذه المساحة السورية لنضمها أو نحصل عليها بوساطة داعش، وسنتحالف مع من يؤمنها لنا. ثانيًا: التعهد من قبل الحلفاء، بأن يكون التدخل العسكري هدفه إسقاط بشار الأسد بداية، وهذا ما كانت تريده وتدفع إليه تركيا منذ بداية الأزمة السورية ولم تصل إليه. ثالثًا: إضعاف المكونات الكردية السورية، ولا بأس من السماح لداعش بالقيام بمجازر في المناطق الكردية في سوريا، والقضاء على أي قوة محتملة لديهم لدفاعم عن أنفسهم أو تشكيل أي تهديد للأمن القومي التركي في المستقبل. رابعًا: وبعد هذه الأهداف الثلاثة الأولى التي سرّبتها الصحف التركية، وفيما لو تساهل الأميركيون واعتبروا أنه لا بديل عن تركيا في الحرب العالمية على الارهاب، فسيعلن أردوغان الشرط الإضافي والرئيسي لإمكانية تحالفه ضد داعش، وهو عودة الإخوان المسلمين الى السلطة في مصر، وتوكيل الإخوان بالحكم بعد الفراغ الذي سيتمّ خلقه في سوريا، وإعادة عقارب الساعة الى الوراء – أي الى ما قبل يونيو/ حزيران 2013، حين أطيح بالمشروع الإخواني برمته في المنطقة. هذه الأهداف، يضاف إليها، بدلات مالية كتعويض عن توقف شراء النفط المسروق من المنظمات الإرهابية، وتعويضات عن استعمال المطارات التركية العسركية، ونفوذ لتركيا في السلطة العراقية الجديدة، ورفع الحظر عن الإخوان المسلمين في الخليج وغيرها. كل هذه الأهداف الطموحة لحزب العدالة والتنمية التركي، تظهر أن التاريخ والجغرافيا وتشعبات المنطقة العربية، لم تعلّم أردوغان شيئًا، فهو ما زال يعتقد أن بإمكانه إعادة التاريخ قرنًا الى الوراء، حين كان لتركيا مستعمراتها ونفوذها التي تحكمها باسم "السلطان". لكن المفارقة، أننا في العام 2014، ومنذ مائة عام فقط أي عام 1914، وقف الأتراك على مفترق طرق شبيه بما يعرض عليهم اليوم، فكان على السلطان العثماني عام 1914 أن يتخذ موقفًا تاريخيًا: إما الدخول في الحرب مع دول الحلفاء، أو الانضمام الى دول المركز، فاختار الوقوف الى الجانب الخطأ، فدفعت السلطنة ثمن خياراته، سقوط الإمبراطورية برمتها وتحرر البلدان الخاضعة للسلطنة العثمانية. واليوم، يحاول أردوغان رفع سقف مطالبه الى الحد الأقصى للانضمام الى التحالف الدولي ضد داعش، وهو يبدو أنه اختار – كما سلفه من مائة عام- أن يقف على الجانب الخطأ من التاريخ، فالطرف الذي يبدو أن أردوغان قد اختار دعمه والتعاون معه هو خارج العصر والزمان، وخارج قدرة القرن الحادي والعشرين على هضمه… ويبقى، أن نترقب ما الذي ستكون عليه التطورات في تركيا، وما هو الثمن الذي ستدفعه تركيا ثمن خيار خاطئ ثانٍ في مائة عام.