في محاولة لإعادة الهيمنة العثمانية مرة أخري، وإحياء نفوذ الأجداد، قال الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، إن القوات المسلحة تفكر في إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع العراقوسوريا. وبرر ذلك أردوغان بعدة أسباب ظاهرية، تتضمن مواجهة تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف بداعش، بالإضافة إلي دوافع إنسانية بحتة، على حد تعبيره، تتمثل في استيعاب دفعة جديدة من اللاجئين السوريين، يصل عددهم إلي نحو 1,5 مليون سوري.
وفي خضم التحالفات الدولية التي تدعو إلي مواجهة تنظيم داعش، رفضت تركيا المشاركة في أي عمل عسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية مع الحلفاء، في الوقت الذي دعت فيه إلي إقامة المنطقة العازلة، حيث من المقرر أن تبدأ تلك المنطقة من حلب وحتى إدلب بشمال سوريا.
وتعود الأسباب الخفية التي دفعت تركيا إلي التفكير في مثل هذا الأمر، إلي العوامل التاريخية التي تجمع تركيا مع منطقتي "حلب وإدلب" وما بينهما، وهو ما نوضحه في الآتي:_
أولاً..تلك المناطق هي مسرح نفوذ الدولة الإسلامية في العراق والشام، ومن يسيطر عليهما، يتحكم كليًا في الحدود السورية التركية، وبالتالي تصبح الحدود بين البلدين مفتوحة أمام المقاتلين المعتدلين الذين يحاربون الرئيس السوري بشار الأسد، بدعم من تركيا وقطر، وهو ما ينتج عنه تدفق السلاح بكثرة إلي الداخل السوري دون مراقبة.
ثانيًا.. تحقيق الحلم التركي القطري بإسقاط بشار الأسد، بعدما فشلت كل المساعي لإزاحته عن السلطة، والتي تمثلت في فتح الحدود للمقاتلين الأجانب، وملاحقة الطائرات السورية على الحدود بين البلدين، بالإضافة إلي دعم المعارضة بالسلاح والمال، لتنفيذ هدفين، الأول القضاء على داعش والأخر محاربة الأسد، وإسقاطه.
ثالثًا..إحياء الخلافة العثمانية..عرف عن تلك المناطق قديمًا، أنهما مركزًا تجاريا هامًا للغاية، حيث تعد حلب أكبر مدينة سورية، اشتهرت بأنها مدينة العراقة والعاصمة الاقتصادية لسوريا عبر تاريخها, وإحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، قبل اندلاع الثورة السورية، وظهور ما يعرف بداعش، فهي مأهولة منذ تأسيسها عام عشرة آلاف ق.م وعاصرت الكثير من المدن القديمة مثل روما القديمة وبابل ودمشق ونينوى وحماة وغيرها، مرت حلب "الشهباء" بعدة مراحل وأحداث عبر تاريخها العريق.
بينما تعد إدلب المنطقة الإدارية الأولي حيث يوجد بها العديد من الأماكن الأثرية المميزة منها "متحف ادلب" الغني والعظيم والمميز بآثاره.
تاريخ حلب مع الخلافة العثمانية.. في 24 أغسطس 1516 نشبت معركة مرج دابق بين الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول والجيش المملوكي بقيادة قانصوه الغوري، حيث انتصر العثمانيين على المماليك، وبدأت عملية الانسحاب عندما مالت الكفة لصالح العثمانيين، وبعد المعركة سار الأمراء مع السلطان العثماني إلى حلب التي كانت أول مدينة في طريقهم، فخرج الأهالي لاستقباله يوم 29 رجب 992 ه، وتجمعوا في الميدان الأزرق.
وقام محافظو القلعة بتسليم مفاتيحها إلي العثمانيين، وأدى السلطان صلاة الجمعة في الجامع الكبير، واستولى السلطان على خزائن قانصوه الغوري وكانت تضم مبالغ كبيرة من المال والذهب والفضة وأشياء ثمينة لا تعد ولا تحصى.
وبعدها قام السلطان سليم بتنظيم إدارة مدينة حلب، فعين أحد قادته وهو جه أحمد باشا واليا عليها، وبذالك تصبح حلب أول ولاية عربية عثمانية، كما عين كمال جلبي قاضيا فيها.
وعلى الرغم من سوء حكم العثمانيين للمدينة وتدهور الحالة الاقتصادية فيها، إلا أن المدينة شهدت نهضة ادبية وفنية وعمرانية كبيرة، وأصبحت حلب ثالث أهم مدينة في الدولة العثمانية بعد القاهرة والقسطنطينية، وأصبحت المدينة سوقا رئيسيا في الشرق الأوسط وشكلت عقدة تجارية مهمة بالمنطقة وانفتحت أسواقها على الأسواق الأوروبية وأنشئت فيها معامل كبيرة وضخمة لصنع الاقمشة وسواها، وغدت المدينة في القرن السادس عشر مخزنا للحرير والتوابل والمواد الطبية والبضائع الثمينة.
وفي مفارقة غريبة، انقطع الحكم العثماني عن حلب عشر سنوات وهي فترة عاشتها حلب تحت الحكم المصري بعد فتح إبراهيم باشا خديوي مصر وبلاد الشام، وتسلم إسماعيل بك حكم ولاية حلب.
وكانت النهاية بالنسبة للعثمانيين مأسوية، فبعد الانتداب الفرنسي على سوريا وهزيمتهم تم تقسيم سوريا إلى ست دويلات هي دولة دمشق وعاصمتها دمشق ودولة حلب وعاصمتها حلب ودولة جبل الدروز ودولة لبنان الكبير ودولة العلويين وعاصمتها اللاذقية ودولة لواء اسكندرون.
ويحاول الخليفة العثماني الجديد، رجب طيب أردوغان، إحياء المجد العثماني المفقود عن طريق ضم المدينتين "حلب وإدلب" إلي الدولة التركية، بحجة الأسباب الظاهرية التي تحدثنا عنها سابقًا.