لا يختلف المراقبون على أهمية وحيوية عملية الائتلافات والاندماجات الناشطة فى الأوساط السياسية خلال الأيام القليلة الماضية؛ لكن السؤال المهم: هل ستتواصل هذه الاندماجات والائتلافات لتتحول إلى تجمعات انتخابية تتيح خوض المنافسات بين قوى متوافقة تحت مظلات سياسية. أغلب الظن أن ما يجرى على الساحة الآن لا يتجاوز الائتلافات والاندماجات السياسية ولن يتواصل إلى المنافسات الانتخابية وإنتاج تحالفات تتيح خوض الانتخابات بقوى متوحدة متجمعة متواجهة فى آن، بل يبدو أن المشهد السياسى ما زال فى جعبته الكثير من المفاجآت والائتلافات والتحالفات، مما يعنى أن حالة المشهد الانتخابى ربما تكون مغايرة لما هى عليه الآن من الناحية السياسية. ولعل السبب الجوهرى وراء هذه التوقعات يرتبط بعدم تجانس الائتلافات القائمة، وباستثناء التوحد الناصرى فى حزب واحد، فإن غالبية التحالفات تقوم على مواجهات سياسية وفى الأغلب ستتفكك هذه التحالفات فور زوال الأسباب السياسية من ورائها، وهى تلك المتعلقة بتأسيسية الدستور تشكيلاً ومضموناً. والسؤال هنا: هل أسس هذه الائتلافات منطقية؟؟ ويرتبط ذلك بأن الائتلافات السياسية تستهدف تحقيق مصالح سياسية مشتركة، وفى حالتنا، فإن الهدف هو«التأسيسية» شكلاً ومضموناً، لذا فمن غير الطبيعى أن تقوم الائتلافات على أسس فكرية واجتماعية، بمعنى أن يرتبط الليبراليون، فى حين يتجمع اليساريون ويتوحد الناصريون. إن هدف تعديل أوضاع التأسيسية وإسقاط الدستور الجارى إعداده تحت سيطرة دينية كاملة، يستلزم اصطفافاً واسعاً من كل القوى المدنية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، كما يستلزم تفاهماً عميقاً حول وثيقة مبادئ بديلة يمكن طرحها على الرأى العام بدلاً من الاكتفاء بمعارضة دستور القوى الدينية ودعوة الناخبين لرفضه. وفى اعتقادى، فإن القوى المدنية تزيد من صعوبة الموقف عليها، وهى بدلاً من منح الاهتمام الأكبر فى الائتلاف والتحالف للانتخابات المقبلة وتحقيق التوافق والتفاهم السريع العام على «التأسيسية» شكلاً ومضموناً، فإنها تهدر مساحة كبيرة من قدراتها فى صياغة تفاهمات وتوافقات تتجاوز بكثير المطلوب فى معركة الدستور. والبادى أن معركة الدستور تدور على مستويين، أولهما التواجه السياسى بين القوى المدنية والدينية التى تسعى لتعميق التناقض فى حدود هذه المعانى، ولتستفيد بهذا التناقض فى المستوى الثانى من المعركة ألا وهو المستوى الشعبى، والمؤكد أن التيارات المسماة بالإسلامية ستخوض المعركة شعبياً بمفاهيم الاستقطاب والحشد والتعبئة الدينية. من هنا تبدو أهمية معركة الدستور كونها المقدمة التى ستحسم نتائجها فى الأغلب منافسات البرلمان؛ لذلك فمن الصعب الفصل بين المعركتين، إلا أن المزعج هو تبديل أدوات كل معركة وتغيير الأولويات والاهتمامات بما يتسبب فى خلط الأوراق من ناحية ويؤدى إلى صعوبة استعادة التوافق والتفاهم خلال المرحلة بين المعركتين. معركة الدستور تحتاج لائتلاف وطنى واسع يقوم على مبادئ عامة، أما منافسات الانتخابات فهى تتطلب توافقات انتخابية لا تقوم فى الأغلب على التقارب أو التباين السياسى قدر ما ترتبط بخريطة انتخابية مجتمعية مختلفة.