ومضات التنوير تتجمع كبلورات صغيرة دقيقة فى محارة تقبع فى أعماق الوجدان المصرى، تتكون داخلها اللآلئ، تنشد من يبحث عنها ويخرجها للنور، وهى فى يقينى كل إسهامة تقتحم ظلمة العقل المسبى وراء الخرافة والمكبل بموروثات اقتحمتنا بليل، قد تكون المساهمة كتاباً أو لوحة فنية، أو إبداعاً مسرحياً أو قصيدة، أو فيلماً تسجيلياً، وأزعم أننى أجوس الطرقات ومعى «صنارتى» البسيطة عساى أن أصادف إحداها، فأسارع بها إلى سطورى لأشرككم ابتهاجى بها، ويلح علىَّ بيت شاعر النيل حافظ إبراهيم: «أنا البحر فى أحشائه الدرُّ كامنٌ فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى». «جون» شاب مصرى قادم من الفيوم إلى العاصمة ليدرس فى كلية الفنون التطبيقية، قسم إعلان، يعشق الفن؛ إخراج مسرحى وتمثيل، يتخرج فى كليته، مع إطلالة الألفية الثالثة، مهموم بالإنسان لكونه إنساناً، يخوض غمار المسرح مع ثلة من الشباب، يقفز إلى جوائز فعاليات وزارة الثقافة، لكنها تحجب عنه، فساداً وتطرفاً، يقاوم ويستمر فى العطاء، يستغرقه الفن، ويكتشف أن للفن دوراً يتجاوز الإبداع، يدرس الدور العلاجى للمسرح ويجول يبشر بالعلاج بالفن، تندلع ثورة 25 يناير ليجد نفسه فى قلب الميدان، بصدر عارٍ وقلب جسور، لا يجيد اصطياد الكاميرات ولا يسعى للتحول إلى ثائر فضائى، أو منظر «حنجورى»، يجد نفسه فى مساعدة جرحى الثورة وعزاء مكلوميها، ويحول ليالى التحرير بين خيامه إلى أمسيات تستدعى الفن النضالى، من جيفارا للشيخ إمام. يكتسب مسرحه بعداً حياتياً، ويخرج مصباحه من تحت المكيال ليضىء لكل العالم، ويعرف الطريق إلى مهرجانات الشباب يقدم فيها إبداعاً مصرياً خالصاً، تختاره مؤسسة كلينتون مع وفد من الشباب المصرى ضمن وفود 120 دولة لتكريمهم لدورهم فى نشر قيم السلام والحرية، وفى احتفالية رائعة يحضرها الرئيس أوباما، يقف جون ميلاد جاد ليلقى كلمة يتحدث فيها عن الحرية والسلام كحقوق أصيلة للإنسانية وصولاً لعالم أفضل، ويكتب جون بصفحته: «بعد قليل هقف قدام رئيس أمريكا هتكلم عن الحرية والسلام والإنسانية لعالم أفضل والحلم المصرى اللى جوايا وهحكيله عن عشيقى الفن وخشبة مسرحى». ويجد الرئيس الأمريكى نفسه مجدداً أمام شاب مبهر يذكره بأقرانه الذين أبهروا العالم فى 25 يناير، فيختاره لتكريمه لمجهوده فى استخدام الفن فى نشر قيم التسامح وتقبل الآخر، ويقول أوباما: «جون جاء من مصر، يعمل على تعليم الشباب كيف يقبلون بعضهم، جون هو المستقبل، يساعد الناس على اكتشاف القوة داخلهم والقيادة ومساعدة الأطفال والبنات المعرضين للخطر». جاء تكريم «جون» بنيويورك قبل يومين من خطاب الرئيس السيسى، فى تأكيد على الحضور المصرى المستحق على مستويات متعددة، وتذكرت مقولة «نعم نستطيع»، وتوقفت أمام ما كتبه «جون» عقب تكريمه: «كل مرة بيكرمونى أو بيحتفلوا بيا عقلى بيراجع المنع وقفل الستارة عليا وطردى من أماكن ليا حق فيها وتعبى عشان أقاوم خرافات وإشاعات بيتكلموا بيها عليا وحاجات كلها كبت وكره لإبداعى وللحرية وبيفكرونى بكل نخبة المهرجانات والتحكيم ومنع فنى من جوايز ولكن بيفضل فى قلبى شىء واحد أصيل إن الأرض دى أصيلة وإن مصر ملهاش دعوة بكل غيلان القهر وتجار الدين وعبيد الكرسى، إن مصر أشرف وأغلى، وإن هى اللى عملتنى وكونت فيا كل ذرة عشق للحرية والإنسانية. فخور إنى اتولدت هنا، وفخور إنى هكمل هنا، وممتن بكل قلبى للى قفلوا البيبان وشوهوا فيا لأن كل باب اتقفل فتحت بعده شمس نور وحب وإبداع. بحبك يا أحلى الصبايا مصر». تحيا مصر.