الثامن والعشرون من يناير 2011، شقّت الدموع طريقها من العيون المقرّحة على فقدان الضحايا.. ونودى للقصاص من «مبارك والعادلى ومساعديه». الثالث من أغسطس 2011، بسمة طال انتظارها على وجوه ذابلة أكلها الحزن.. ومتهم، فى جلسة محاكمة معلنة، يوارى عن الحضور عينيه حتى لا تفضحانه.. «ينكر كل التهم الموجهة إليه، تماماً»، وفوضى تعم القاعة تقطعها طرَقات القاضى على حافة المنصة.. «مبارك يرفض دخول سجن طرة» رأس خبر يزيد اتساع الابتسامة على وجوه المصابين وأهالى القتلى تشفياً فى السجين. الثالث والعشرون من يناير 2012.. لم تعُدْ المحكمة تسمح بنقل جلسات المحاكمة على الهواء مباشرة.. تأكل النار أوراق التبغ فى سيجار المحامى المدافع عن المتهم «محمد حسنى مبارك»، تشتعل مع سيجاره القلوب التى فى الصدور: «محكمة الجنايات ليست المحكمة المختصة بالنظر فى القضية، لأن موكلى لا يزال رئيساً للجمهورية»، تزداد البسمة تآكلاً مع تصريح دفاع وزير الداخلية ورجاله: «فيديوهات اعتداء الشرطة على المتظاهرين مُفبركة». الثانى من يونيو 2012، صف من الحرس أمام منصة المحكمة. وصفوف فى الخارج تسند بأيديها قلوبها المتعلقة بحكم يصدره قاضٍ مخضرم، حكم قضى بأن «مبارك والعادلى ومساعديه كانوا خاطئين» وبرّأ الحكم «جنودهما». الثانى والعشرون من نوفمبر 2012، يصدر الرئيس السابق إعلاناً دستورياً يجعل إعادة محاكمة مبارك و«قتلة الثوار» ممكنة، قاضٍ جديد، وترتيب جديد للأوراق، وقلق يعشش من جديد فى بيوت «شهداء يناير» وقلوب أسرهم. الرابع عشر من أغسطس 2014، استبدل مبارك «كل هذه الاتهامات أنكرها تماماً» بخطبة كاملة مطوّلة عبر صوت طعنته الشيخوخة، استبدل ثياب المرض والوهن ببذلة رسمية أنيقة. وحصل العادلى ورجاله على حصص من الكلمات، مما أشعل فتيل الشك فى حكم المحكمة المرتقب.. «منحُ الفرصة للمتهمين بشكل كامل للحديث يقترن غالباً بحكم قاسٍ ينتظرهم» يقول فريقٌ، فيما يرى فريق آخر أن «منح الفرصة للمتهمين بشكل مبالغ فيه يقترن بحكم براءة ينتظرهم». مشهد مختلف ينتظره المصريون اليوم، السابع والعشرون من سبتمبر 2014، المتهمون هم بأنفسهم، ومحكمة مختلفة، وحكم فى علم الغيب يأمل كل فريق أن ينصفه ويبهت خصمه، حكم واحد يأمل الطرفان فيه خيراً، ففيما تتعلق البقية الباقية من حياة الرئيس الأسبق بالحكم الصادر ممنياً نفسه ببراءة ينهى بها حياته، تتعلق حيوات أسر «شهداء يناير» بالحكم رغبة فى قصاص لم تبرد معه قلوبهم المشربة بالحزن على ذويهم.