سمك الإخوان، ولبن السلفيين، وتمر هندى «داعش»! من قال إن السمك واللبن والتمر هندى لا يستوى جميعها فى وجبة واحدة لم يحظ بشرف تناولها. لكن حان الوقت ليتذوقها، أو يتجرعها، أو «لا مؤاخذة» يتقيأها الكل. القاصى والدانى، المسلم وغير المسلم، المسلم بشرطة والمسلم السادة، السنى والشيعى، المسيحى واليهودى، الشرقى والغربى، المدرك لأثر فوسفور السمك حين يزيد على حده، والعارف بمغبة الإفراط فى البروتينات اللبنية، والمقدر لنتائج فساد أحماض التمر هندى. باتت وجبة إجبارية، لا مجال للاختيار فيها، وإن وٌجِد الخيار، فهو لتفضيل التوقيت واختيار تسلسل تناول المكونات. فهل يبدأ بالجماعة، و«ينقنق» بالسلفيين، ويحبس ب«داعش»؟ أم يمر عبر السلفيين ويمر مرور الكرام بالإخوان ويحلى بالسلفيين؟! تحولت وجبة الإسلام السياسى بين ليلة وضحاها من مجال بحثى وحقل أكاديمى وتخصص جامعى إلى مجال قتالى وحقل تكفيرى وتخصص إجرامى واعتناق لا إنسانى. ولأن الوجبة دسمة، ومكوناتها متنافرة، وأجزاءها متناحرة، فقد لزم فى سبيل تجهيزها استعدادات شتى، وجهود قصوى، وظروف دنيا، وأموال كبرى، وقوى عظمى. تطرح أمام أحدهم على الطرف الآخر من العالم كلمة «الإسلام» فى جملة مفيدة، فتظهر علامات الهلع وتتبدى أمارات الفزع، ويبدأ فى سؤالك عن «داعش» والدواعش. وهى العلامات نفسها والأمارات ذاتها التى كانت تتسلل إلى الوجوه فى سنة 2001 وما بعدها، حين كانت الأسئلة عن «القاعدة» والقواعد. القواعد ذاتها تنطبق على بقية مكونات الوجبة الجهنمية. فالإخوان ظلوا بعيدين عن الساحة، غائبين عن الباحة، متفرغين للمقايضة «حيث السمع والطاعة أو الولاء والاحترام فى مقابل الجنة ونعيمها» إلى أن بزغ نجمهم عقب نجاح منقطع النظير فى رياضة ركوب الثورات ومهارة اعتلاء أمواج التغيير. ومعهم وقف السلفيون، على اختلاف طول اللحية، وتباين موديل الجلباب، وتراوح مفهوم الحرام بين تحريم العيشة واللى عايشينها، أو الاكتفاء بتسويدها وتكفير اللى عايشينها. أولئك ظهروا على السطح وقفزوا إلى الصدارة حين أحرزوا المكانة الثانية فى مسابقة ركوب الأمواج الثورية وتجييش السلطات القمعية. وإن كان لك صديق غربى يعرفك جيداً ولا يجد حرجاً فى السؤال، فإنه يسألك «لو كنت مسلماً»: «وهل النسخة التى تعتنقها من الإسلام هى ذاتها التى يعتنقها هؤلاء؟ تبذل جهداً خارقاً فى الشرح، وتقدح زناد فكرك فى الطرح، وتتحدث عن الإسلام الوسطى، الذى شوهه هؤلاء بأفعالهم ومسخه أولئك بتحريمهم، وبين كل جملة وأخرى تقول معلناً: الإسلام الحقيقى حرية ورقى وتسامح وتآخ. لكن آخ مما جرى! فمع اكتمال عناصر الوجبة المتفجرة، وانضمام الذراع الفاجرة لهذه الجماعة والعقول المدبرة لتلك المجموعة وبزوغ فجر «داعش» الذى لم يكن على بال المسلمين «بدون شرطة» «أى من غير الإخوان والسلفيين والمتطرفين» ولا على خاطر المواطنين غير المسلمين فى أرجاء المعمورة من غير المسيسين، بدا وكأن نسخة إسلامية ملغومة وقنبلة دينية موقوتة سيطرت على المنطقة وهيمنت على دول أصابها الربيع أو مر بجانبها. وإذا كان أهل المريض نفسه غير مدركين لأبعاد المكون «الداعشى» الحديث للوجبة الملغومة، حيث يضرب العرب أخماساً فى أسداس حول أولئك الملثمين. من هم؟ ومن أين جاءوا؟ ومن يمولهم؟ ومن يدربهم؟ ومن يدعمهم؟ وتحدثهم قلوبهم بأن الغرب الشرير يقف وراءهم «رغم أنه حالياً يقف أمامهم»، فما بالك بأولئك القابعين فى بقية أرجاء العالم، حيث بات الإسلام ذبحاً، ودماءً، وقطع رقاب، وسبايا، ونكاحاً، وتهجيراً، وتفخيخاً؟! وعلى قدر بشاعة المكون الداعشى فى الوجبة، إلا أنه يبدو لنا متناغماً متواءماً متكاملاً مع سمك الإخوان ولبن السلفيين. وتبقى المعضلة قائمة، فإن سألك أحدهم إن كانت نسخة إسلامك تختلف عن النسخة الداعشية، فبماذا تجيب؟!