كانت «إيلا» وروايتها قد أصبحتا صديقتين لا تفترقان، تقرأها وهى تمارس حياتها الروتينية بتفاصيلها المكررة؛ كإدارة المنزل المالية، وإعادة تنجيد الأثاث، والذهاب إلى السوق، وتلبية احتياجات البيت، وواجبات الأطفال، حتى عطلة نهاية الأسبوع، كانت لا تنجو من تقسيم وتنظيم «إيلا»، ففى أيام الخميس تذهب لنادى الطهو، وفى الجمعة كانت تمضى ساعات فى سوق المزارعين تتفحص المنتجات العضوية بدقة أيهما قليل السكر، كثير الفائدة، بل وتتبرع بنصائحها لمن يطلب من ربات البيوت. تودع عائلتها كل صباح، ثم تنطلق لعالمها وملاذها، كالكثيرات من بنات حواء، (مطبخها) ذاك المكان الذى كان يفصلها عن العالم الخارجى بتعقيداته وتداخلاته وتوازناته وانحرافاته، فالحياة آمنة فى ذاك الجزء من الكون، والنتائج مضمونة لا مفاجآت، لا مخاطر، لا أهوال، كل شىء محسوب ودقيق، فإن أرادت الطعم الحلو أضافت السكر، وإن أرادته حامضاً كان الليمون، إذن فالعواقب دائماً سليمة ومحسوبة ومحسومة، ربما لهذا كانت لا تحب التجريب فى المطبخ، بل تعتمد على الدروس والكتب، فهى ترى أن الطبخ لا يحتاج إلى التجريب، بل هى ثوابت متوارثة ومجربة، وموازين ومكاييل، أما التجريب والابتكار فمكانهما معامل العلماء وعالم الفنون والجنون، ورسالتى أن الله خلقنا لنجرب والشر نتجنب!! كانت «إيلا» تعشق الطبخ عشقاً، وليس مجرد عمل تقوم به، بل كانت تخالجها فكرة أنه قد يكون للجنس نفس التأثير على بعض الأشخاص، لكنه دائماً يحتاج إلى شخصين، أما الطهو فكل ما يحتاجه المرء هو الوقت وشراء مجموعة من أدوات البقالة. وبالتأكيد كان الحصول على أدوات البقالة أسهل بكثير من الحصول على «ديفيد» من بين أحضان عشيقاته، وكان هناك سؤال حائر فى ذهن «إيلا»: تُرى هل فقدت اهتمامها بالجنس بسبب خيانة زوجها لها، أم هل خانها «ديفيد» أولاً ثم أهملت هى جسدها وفقدت رغبتها؟! على كل حال فقد رحل الوهج دون رجعة. كان «ديفيد»، مساء كل سبت وفى خضم الطقوس النمطية المعادة، يصطحب «إيلا» إلى مطعم تايلاندى أو يابانى يتعشيان، وإن عادا بمزاج جيد مارسا الحب معاً، حب يغلب عليه العطف أكثر من العاطفة، بل إنها ممارسة تقريرية محفوظة تخلو من الابتكار والعفوية والمتعة، ولهذا كانت تمر الأسابيع دون أن يمارساه، بالرغم من أن «إيلا» كانت تعتبر الجنس ذا أهمية كبيرة فى حياتها، ولكنها ومن خلال اكتئابها بدأت تقنع نفسها بأنه أمر طبيعى أن تخبو جذوة الانجذاب الجسدى بينهما، وتعلله بمرور وقت طويل على زواجهما، وأنه بهذا أصبحت العلاقة أكثر ثقة واستقراراً. لكن «ديفيد» قد تخلى عن الجنس مع زوجته فقط وليس مع الأخريات. وهى كانت تشعر بهذا طوال الوقت ولكنها لم تواجهه يوماً، ربما لافتقادها الدليل القاطع، وربما لأنها لم ترد أن تتأكد، فهكذا الوضع أسلم، والحياة تمر دون أعاصير أو زلازل، فالاستقرار لا يحب المغامرة به، خاصة فى عدم وجود إثبات على الخيانة، وساعد على ذلك أن أحداً لم يشِ به، ولم تكن هناك فضائح، وكانت تتساءل: تُرى كيف كان «ديفيد» يتدبر أمره؟! ورسالتى هنا إن يوماً شككت فتأكدى أن هناك أساساً، وأن فى الأمر خطأ ما. وعلى مائدة عشاء نموذجية يمضغ «ديفيد» قطعة لحم بهدوء وتأنٍ، وتتخيل هى صورة ذاك الفم مقبِّلاً واحدة من عشيقاته بطريقة فظة نهمة، ويشرد ذهنها معه ذاك الذى قبَّلته مراراً، والذى تحفظ رسمه عن ظهر قلب، فهى لم تعرف سواه، يا لها من قسوة كبيرة؛ أن تتخيل حبيبك بين أحضان غيرك، وأن ما يخصك به يصبح مباحاً للآخرين، ورسالتى أن الخيانة شىء ولا أقبح تؤلم الجميع؛ تؤلم الخائن لإحساسه الدائم بالذنب، وتؤلم العشيقة أو العشيق الذى يشعر دائماً باحتقار العاشق له كونه غير موجود إلا فى الخفاء وفى لحظات ملعونة من السماء والبشر والعالم، أما الزوجة فألمها وآمالها ومآل أمورها سوف نعيشه مع «إيلا» جولدشتاين. يتبع