تدهورت الحالة الطبية فى قلاع محافظة الدقهلية الطبية بصورة كبيرة وافتقدت أهم مميزاتها وهى العناية الفائقة، التى كان يبحث عنها سكان المحافظة والمحافظات المجاورة لها، وما احتفظت به تلك القلاع الطبية حتى الآن هو استمرار تدفق المرضى عليها، مع توقف التوسع أو الاحتفاظ بمستوى العناية الذى كانت تتميز به، وجعل من المنصورة عاصمة مصر الطبية. ووسط التوسعات المستمرة لجامعة المنصورة وبناء مستشفيات فى تخصصات دقيقة تميزت بها خلال السنوات الماضية فقدت مستشفى الطوارئ أهم مستشفى فى منطقة الدلتا بالكامل المستوى الطبى الذى كانت عليه من قبل، بل إن المرضى كانوا يحرصون على العلاج بها ولا يخرجون منها إلا بعد تمام شفائهم من كافة الأمراض، نظراً لمستوى الخدمة الطبية الذى تميزت به على مدار سنوات مضت، وجعل وزارة الصحة تعتمدها فى استقبال الحالات الطارئة لثلاثة أيام أسبوعياً على مدار 24 ساعة. بدأت مستشفى الطوارئ عملها عام 1997 واستقبلت فى ذلك العام نحو 2700 مريض، ارتفع فى العام التالى إلى 25 ألف مريض من 6 محافظات، وظل هذا العدد ينخفض مع انخفاض الخدمة الطبية وشكاوى متكررة إلى عام 2009 ووصل عدد الحالات به إلى نحو 7400 مريض سنوياً. جولة «الوطن» فى المستشفى أثناء إضراب العاملين به كشفت كثيراً من الحقائق التى تغيب عن الكثير، وربما عن قيادات جامعة المنصورة المشرفة على المستشفى، ففى الدور الثانى وجدنا غرفة العمليات المجهزة والمعقمة، ولكن السقف تنزل منه مياه الصرف الصحى فى منتصفها، واستعانت الممرضات ب5 جرادل لجمع المياه فيها لضمان عدم انتشاره فى الحجرة. وأكد العاملون أنه لا توجد أى صيانة داخل المستشفى، وأن «تروللى» المريض مكسور منذ فترة، ولا يجد من يصلحه. وأثناء رصد تلك الكارثة تجاهل مدير إدارى بالمستشفى وجود مياه الصرف الصحى التى تغرقه، وتوعد العاملون بتحرير محضر شرطة ضدهم، لأنهم أدخلوا «الوطن» إلى غرفة معقمة، وفق قوله. وأمام غرفة العمليات شاب يدعى محمد عبدالرحيم عبدالعاطى، من قرية ميت على مركز المنصورة، كان يجر والده المسن على تروللى وله رجل فى الجبس ومريض بالسكر، وفى لهجة بها كثير من العنف قال: أبى منذ 3 أيام وهو صائم، وكل يوم إدارة المستشفى تقول له استعد لإجراء العملية اليوم ولم تجر، وعندما صرخت فيهم «حرام عليكم» هددونى بالطرد أنا ووالدى خارج المستشفى وعدم إجراء العملية. وفى الدور السادس بالمستشفى مأساة حقيقية، فالمرضى فى كل مكان يمكن أن تراهم عينك فوق السرائر، وفى الطرقات وبجوار الحمامات، والجميع ينتظر دوره فى إجراء عملية جراحية. قال محسن محمود «والد أحد المرضى» رأيت منظراً مرعباً داخل المستشفى، فمئات المرضى فى العنابر على السرائر وفى الطرقات يفترشون الأرض مجبرين على استكمال العلاج لسوء الحالة الاقتصادية التى يمرون بها، وفوجئت أن الأطباء غير موجودين والتمريض أصبح بالممارسة قادراً على التشخيص بل وكتابة التقارير الطبية وصرف العلاج. وتساءل أسامة درويش، أحد المرضى: إلى متى سيستمر سوء الأوضاع الصحية، من تراكم للمخلفات والنفايات الطبية وأكوام القمامة والوضع المتردى والخدمة الطبية المتدنية؟ وأكد أحد العاملين بالمستشفى أن به عدداً كبيراً من الحجرات الخالية لكنها بأجر على المريض الذى يستطيع أن يدفع، والليلة قيمتها 400 جنيه، وذلك كله من أجل عيون المستشفيات الخاصة التى وصل سعر الليلة الواحدة فيها إلى 1000 جنيه. ووصف أحد الموظفين بالمستشفى المستوى العام للخدمة الصحية بغير المرضى، وانعدام الضمير البشرى وانتشار التزويغ بين الأطباء والغياب المستمر أثر على الأداء داخل المستشفيات، بالإضافة إلى عدم توافر الأدوية ومستلزماتها، وهو ما يدفعنا إلى مطالبة المرضى بشرائها من خارج المستشفى ومن لا يجد له واسطة يتم ترك المريض ينزف خارج الحجرات دون تقديم أية رعاية طبية أمام أعيننا ولا يمكن أن نتكلم. وكشفت عاملات المستشفى أنه لا يوجد بها غسالة، وقالت إحدى العاملات: نعقم الأدوات والمفروشات فى مستشفى المسالك البولية ومستشفى الأطفال وماكينة اللحام عطلانة ونغلق الآلات ببلاستر ومع البخار يتم فتحها، ولا توجد غسالات لتعقيم آلات الجراحة والآلات التى تنزل من العمليات تكون مغطاة بالدم وتطلع تانى لمريض آخر لتنقل له نفس العدوى. وفى سقف صالة الاستقبال توجد تكييفات تم وضعها بالسقف واتضح أنها من وقت قريب، وأكد العمال أنه تم شراء أجهزة تكييف جديدة بالمستشفى بقيمة 100 ألف جنيه بعد توقف التكييف المركزى للمستشفى الذى تكلف مبلغ 12 مليون جنيه، ولا ندرى سبباً لتوقفه أو عدم صيانته.