كعادتى منذ رحيله، باستثناء فترة إقامتى بالخارج، ذهبت لقراءة الفاتحة على روح الزعيم الخالد جمال عبدالناصر فى ضريحه بمنشية البكرى، والجديد هذه المرة هو عمق الإصرار فى عيون شباب ولد بعضهم بعد رحيله بسنوات، وكأنه امتداد لذلك الإصرار الذى تجلى فى ميدان التحرير خلال أيام ثورة يناير.. وإن كنت ممن آمنوا بأن رهان أمريكا بقدرتها على منع ظهور ناصر آخر رهان خاسر لا محالة، فإن إحياء ذكرى الزعيم هذه المرة يعتبر رسالة شعبية إلى من يهمه الأمر، بأن الشعب المصرى هو وحده صاحب القرار وبأنه يدعوهم إلى تصحيح القراءة والتى تقول: «إن ناصر سافر ولم يسافر».. كما قال الشاعر العربى السورى نزار قبانى «فأنت فى رائحة الأرض وفى تفتح الأزاهر.. فى صوت كل موجة وصوت كل طائر.. فى كتب الأطفال فى الحروف والدفاتر.. فى خضرة العيون وارتعاشة الأساور.. فى صدر كل مؤمن وسيف كل ثائر..!»، توهموا أن الأسلحة القذرة قادرة على اقتلاع الحلم.. فعبدالناصر لم يكن زعيماً وطنياً انحاز بالكامل لشعب مصر وللشعب العربى عموماً وأسكن الفقراء، وهم الأغلبية الساحقة، فى أعمق أعماق قلبه وعقله، لكنه كان وما زال وسيبقى المشروع الوطنى والقومى القادر على تحقيق رفعة هذه الأمة وتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية التى هى جوهر شرع الله فى جميع كتبه والتى يلفظ الشعب أى حاكم يتجاهلها، بعد رحيل ناصر فى سبتمبر عام 1970 شمرت جهات عديدة عن سواعدها، لوراثة دور مصر القيادى والريادى.. واستمات أعداء حلم نهضة مصر، مثلما جرى مع محمد على، فى إشاعة اليأس والشعور بالدونية لدينا.. كتب كثيرون عن «أخطاء؟!» عبدالناصر وفى المقدمة منها والأهم على الإطلاق أنه «تجاسر؟» ودافع عن حقوقنا الوطنية، وهذا جنون فى نظرهم.. وفى إطار حملة التشويه الشرسة تجد أننا نحن الذين ضربنا إسرائيل وبريطانيا وفرنسا عام 56، ويوغل هؤلاء فى «الأمانة والتعقل؟!» فيعطون إسرائيل صك براءة وكأننا نحن الذين قمنا بالعدوان عليها عام 1967؟! وتجاهل تام للمقاومة الشعبية الرائعة فى بورسعيد ومدن القناة، وكذلك لحرب الاستنزاف الأسطورية التى وصفتها إسرائيل بأنها أطول وأشرس وأوجع حرب خاضتها إسرائيل مع العرب، وكان ذلك فى ستينات القرن الماضى وذلك لأن واشنطن كانت تريد أن تنجح خطتها وحلفائها فى إهالة التراب على زعيم ارتكب فى نظرها جريمة الحلم بمصر قوية عظيمة رائدة تطبق شعار: من لا يملك قوت يومه، لا يملك حرية قراره، وجاءت ثورة يناير لترفع شعارات يوليو ومعها صور عبدالناصر وساد الهلع وكلمات نزار قبانى تتجسد: تضيق قبور الميتين بمن بها.. وفى كل يوم أنت فى القبر تكبر وتردد فى أذنى ما قيل فى وداعه 9 و10 «أيدناك ويوم الإسراء ودعناك!».. وإذا أحسن الجميع قراءة الشعب المصرى فسوف يدركون أن الشعب يحب من يحبه ليس قولاً بل فعلاً وإلى حد الاستشهاد!!