فى سبتمبر 1970 توفى الزعيم عبدالناصر، ولكنه قبل هذا التاريخ مات مرتين، الأولى بعد الانفصال وانهيار الوحدة المصرية - السورية، والثانية يوم 5 يونيو 1967 بعد الهزيمة من إسرائيل، إذن مات ناصر مرتين فى الستينيات ثم أعلنت وفاته فى السبعينيات، ماتت أحلامه أولاً ثم مات الجسد وخمدت الروح بعد ذلك، ولكن بعد موت حلم الوحدة ثم حلم التصنيع الثقيل والقطاع العام وحلم الاشتراكية والعدل الاجتماعى، بقى حلم واحد مات عبدالناصر وهو يظن أنه لن يموت معه وهو حلم القومية العربية، خاصة أنه قبل وفاته بحوالى عام استقبل القذافى باعتباره آخر طابور الثائرين على الاستعمار الأجنبى، وقبل رحيله بدقائق كان قد ودّع قادة العرب بعد الاطمئنان على رأب الصدع بينهم وحماية الفلسطينيين من ضربات الإخوة الأشقاء.. وأعتقد أننا، الآن، نستطيع أن نقول إن الموت الرابع لعبدالناصر قد حدث باغتيال آخر أحلامه وبصعود روح القومية العربية إلى بارئها واستقبال عزائها فى سرادق عمر مكرم. لو بعث عبدالناصر، الآن، ليرى ما فعلته جماهير الجزائر بأحفاده المصريين فى أم درمان من ضرب وبلطجة وسفالة، من المؤكد أنه سيفضل أن يعود إلى قبره مع أحلامه التى دفنت معه بدلاً من أن يشاهد مثل هذه المشاهد الموجعة، لم يكن يتخيل وهو يدرب بوتفليقة ورفاقه على حمل السلاح لخوض حرب التحرير أنهم سيوجهون طائراتهم الحربية ويسخرونها لحمل البلطجية والمسجلين خطر وخريجى السجون وأصحاب السوابق لخوض مجزرة بشرية ضد أشقائهم المصريين، لم يكن يتصور أن إعلامه الموجه، متمثلاً فى صوت العرب وأحمد سعيد الذى جنده لبيانات جبهة التحرير الجزائرية وأخبار أبطالها، ستدور الأيام بعد أن طالت قامة الشقيق الجزائرى ويصير له إعلام مستقل أن يتطاول هذا الإعلام الوطنى الذى كان شبحاً فى زمن صوت العرب على كل رموز مصر وعلى كرامة مصر وعلى تاريخ مصر!!، لم يدر بخلد الزعيم ناصر أن فرنسا التى دخلت حرب 56 ضده، بسبب موقفه الداعم للجزائر ستصبح قبلة شباب الجزائر والكعبة التى يطوفون بها والتى يعشقونها، فى نفس الوقت الذى يهينون فيه مصر، لم يكن ليتخيل أن السلام الوطنى الذى ولد جنيناً على يد ملحن مصرى، عندما سيعزف فى أم درمان سيخلع بلطجية ميليشيات الجزائر ملابسهم الداخلية ويظهرون عوراتهم على أنغامه بدلاً من الهتاف وتحية العلم على ألحانه!، ولم يتخيل أيضاً أن الفن المصرى الذى قدم «جميلة بوحريد» سيوصف بأنه فن العهر والعاهرات! عند وفاة الزعيم عبدالناصر رثاه نزار قبانى، قائلاً: «الهرم الرابع مات»، واليوم، نقول لناصر بعد إعلان وفاة القومية العربية: الموت الرابع آتٍ!