الانتهاكات الجسيمة التى تحدث فى بعض أقسام الشرطة مثل ما حدث مؤخراً فى قسم إمبابة من هتك عرض لإحدى المحتجزات، أو العبث فى جثة مواطن مصرى فى قسم آخر، تتطلب ليس فقط مواجهة هذه الانتهاكات بالإحالة للتحقيق فى النيابة العامة وتفتيش وزارة الداخلية لمحاسبة مرتكبى هذه الانتهاكات وإنزال عقاب القانون عليهم، فلا يجب أن يفلت أحد من العقاب، لا سيما إذا كان من أفراد الشرطة المعنية بالأساس بحماية المواطنين وإنفاذ القانون - وإنما العمل على بحث جذور المشكلة لكى ننجح فى الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه داخل أقسام الشرطة، ولا يجب بأى حال من الأحوال اعتبار هذا الانتقاد للانتهاكات التى تتم أنها تقلل من مجهودات الشرطة والداخلية فى مواجهة الإرهاب، بل الهدف الأساسى من هذه الانتقادات هو تطوير جهاز الشرطة لكى يكون قادراً على تحقيق المعادلة بين حماية الأمن ومكافحة الجريمة بكافة أشكالها. أقسام الشرطة بحالتها القائمة الآن غير قادرة على تحقيق الهدف الأساسى لها من تقديم خدمة للمواطن أو تحقيق الاحترام الكامل لحقوق الإنسان كما وردت فى الدستور المصرى: أولاً: من حيث المبنى، هذا المبنى لقسم الشرطة الذى يقدم خدمات الأمن والبحث الجنائى والتحريات والحراسات، وإصدار صحيفة الحالة الجنائية، وسجل رفع الدعاوى المباشرة، وتوصيل الإنذارات والإعلانات القضائية، وتنفيذ الأحكام القضائية، والأحوال المدنية، واحتجاز المواطنين المتهمين على ذمة قضايا، كل هذه الخدمات والمهام وغيرها يقوم بها القسم، فهل المبنى الحالى قادر على القيام بكل هذه المهام. ثانياً: من حيث الإمكانيات والمعدات على القسم الذى يحتاج أحياناً إلى أقلام وأوراق لتحرير المحاضر أو إثبات الحالة. ثالثاً: من حيث الطاقة والقدرة على تقديم الخدمات، فالقسم الذى كان يخدم عشرة آلاف مواطن مطلوب منه الآن أن يقدم ذات الخدمة لأكثر من مليون مواطن فى بعض الأقسام أو على الأقل مائة ألف مواطن. معظم الانتهاكات التى تتم تكون فى الحجز، وهى الغرفة المعدة فى كل قسم لاستقبال الأشخاص الذين يتم احتجازهم بقرار النيابة أو انتظاراً للعرض على النيابة، وفى بعض الأحيان المحبوسون بعقوبات لا تزيد على شهر، ففى كل قسم هذه الغرفة يصل الازدحام فيها إلى مائة شخص فى مساحة لا تتجاوز 20 متراً على الأكثر، ولا يمكن فى مثل هذه المساحة تصنيف المتهمين والفصل بين الأحداث والبالغين والنساء، فضلاً عن أن الحجز بحالته الآن هو بحد ذاته انتهاك جسيم للكرامة الإنسانية، وكل الانتهاكات التى تتم تحدث أيضاً داخل الحجز، الذى يخضع فى الحقيقة لرقابة النيابة العامة وفقاً للقانون، ويحتاج إلى زيارات دورية للتأكد من حسن معاملة المواطنين والتحقيق فى أى شكاوى عن انتهاكات. الاستراتيجية المطلوبة لتطوير الجهاز الأمنى والشرطة تبدأ بأقسام الشرطة، إجمالى أعداد الأقسام تقريباً نحو ثلاثمائة أو تزيد قليلاً، غير نقاط الشرطة، الأمر يتطلب أن نزيد عدد الأقسام لكى تتناسب الخدمات الأمنية مع عدد السكان، أيضاً تحديث الأدوات لا سيما التكنولوجيا من سيرفرات وأجهزة بحث جنائى حديثة وكاميرات للشوارع والميادين وغرف إلكترونية لمتابعة الأحوال الأمنية، بالإضافة إلى الدوريات المستمرة وتكثيف الوجود فى الشارع لفرض الأمن. التدريب لضباط الشرطة وأفراد الأمن على قيم ومبادئ الدستور المصرى وحقوق الإنسان، وإعلاء قيم الاحترام للإنسان وحقه فى أن يلقى معاملة لائقة حتى وإن كان يواجه اتهاماً، فالإنسان برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة. بقدر ما نقدم خدمة أمنية تقوم على الاحترام الكامل لكرامة وحقوق الإنسان، بقدر ما نستطيع أن نكافح الانتهاكات الجسيمة ونحقق الأمن.