عقارب الساعة تشير إلى الخامسة عصرا، حيث انتهى موعد الزيارة الثالثة فى سجن طرة، بينما ما زالت هبة بصحبة كل من والدة وأخت زوجها ينتظرن فى ساحة الزيارة، كان «مهند سمير»، لا يزال فى محبسه بقسم الدواعى الأمنية لا يقدر على الوقوف والخروج للزيارة؛ فجسده بدا عليه الوهن والنحافة، ولونه صار كقرص الشمس وقت الرحيل. ك«الخيال» يُقبل مهند جارّا رجليه فى ضعف شديد، وتستقبله الأم قائلة: «عملوا فيك إيه يا ابنى؟!»، فيأتى رده بصوت واهن: «مفيش»، تكرر هبة السؤال بصوت أعلى مرة ثانية ثم ثالثة، فيجيب: «أنا مضرب عن الطعام منذ 4 أيام لسوء المعاملة»؛ بعد أن كرر حراسه من الضباط إهاناتهم المبتذلة حينما يريدون لفت انتباهم بقولهم: «انتم يا بتوع الثورة». «الوطن» تحدثت مع والدة مهند ومحاميه، فأكدت الأم سوء حالته الصحية، خاصة أنه يحتاج إلى اختبارات سيولة للدم بصفة مستمرة ومتابعة طبية وإلا سيتم بتر قدمه اليمنى، مشيرة إلى أنه لا يتم عمل أى اختبارات له، ولا تُعرض عليهم أى تقارير طبية عن حالته، ولا يُسمح بدخول الأطعمة والأدوية كاملة إليه، وأضافت: «فى إحدى الزيارات وجدت زرقان على يديه بسبب حدوث سيولة عالية طوال الليل، ولم يتم إبلاغنا، وكذلك عندما أضرب عن الطعام، تركوه عرضة للموت»، موضحة أنها وباقى أسر المعتقلين توجهوا بشكوى ضد مأمور السجن للإهمال فى رعايتهم وعدم إخبارنا بإضرابه عن الطعام. مهند، طالب الصف الثالث الثانوى، ضمن 269 متهما بالتجمهر وقطع الطريق فى أحداث مجلس الوزراء، رغم أنه أحد من أُصيبوا فى الأحداث بطلق نارى فى قدمه أدى إلى إجراء جراحة تثبيت شريان وعصب، إلى جانب اتهامه بالاشتراك فى حرق المجمع العلمى، وهى التهم التى تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد، بحسب ما أكده تامر جمعة محاميه ل«الوطن»، لافتا إلى أن مهند تم التحقيق معه بصفته متهما فقط وليس شاهدا على الأحداث، خاصة واقعة مقتل صديقه رامى الشرقاوى، وقال: «خطورة مهند فى أنه الشاهد الوحيد على قيام قوات الجيش بإطلاق ذخيرة حية على المتظاهرين». أضاف جمعة أن المحكمة لم تستجب لطلبه بإخلاء سبيل مهند على ذمة القضية لسوء حالته الصحية، فى الجلسة الأولى التى عقدت يوم 29 يوليو الماضى، معتمدة فى ذلك على تقرير طبى من مستشفى السجن. كما أوضح أنه طلب من القاضى فى ذات الجلسة استدعاء كل من اللواء حمدى بدين، قائد الشرطة العسكرية وقت الأحداث، واللواء محمد زكى، قائد الحرس الجمهورى حاليا وقائد قوات المظلات التى شاركت فى فض اعتصام مجلس الوزراء سابقا، للسؤال. كاشفا عن وجود أدلة وشهود عيان لديه على أن إحراق المجمع العلمى تم عن طريق قوات المظلات نفسها. أدى مهند امتحان نهاية المرحلة الثانوية داخل جدران سجن طرة بقسم الدواعى الأمنية، بعد معاناة من والدته ومحاميه للحصول على تصريح بذلك، وحصل على 58%، ولكنه لم يستطع أن يستوفى أوراق دخول الجامعة، حيث تقول والدته: «هناك تعنت فى استكمال أوراق الفيش الثلاثى العسكرى وبطاقة 2 جند، حتى يلتحق بأى جامعة»، متمنية لو كان العفو الرئاسى الذى صدر بحق عدد من الثوار شمل ابنها ومَن فى سنه، حتى لا يضيع مستقبلهم. ويذكر أن مهند كان ضمن مئات المعتصمين الذين فوجئوا بهجوم من قوات الجيش والأمن المركزى من ناحية شارعى الشيخ ريحان والقصر العينى، مع أول خيط لفجر يوم 20 ديسمبر من العام الماضى، بعد إطفاء الأنوار عند مبنى الجامعة الأمريكية ومجمع التحرير، وقاموا بحرق الخيام، فى تجدد للاشتباكات، ما أدى إلى سقوط العشرات من المعتصمين بين قتيل وجريح. تضيف هبة: «مهند قال فى أول تحقيق معاه بعد الأحداث إنه رأى الضابط الذى قتل رامى الشرقاوى، وطلب عمل محضر يتهم فيه طنطاوى بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين»، موضحة أن الأمر تغير بعد ذلك وتحول مهند من شاهد فى القضية إلى متهم، حيث كان ذاهبا مع محاميه الأول، ويدعى «جون»، إلى مديرية القاهرة يوم 9 يناير لمشاهدة صور مجموعة من الضباط للتعرف على قاتل رامى الشرقاوى من بينهم، فتم احتجازه، وعُرض على قاضى تحقيق بعد يومين دون حضور محام، وأخذ 30 يوما على ذمة التحقيق. وعن آخر تطورات قضية رامى الشرقاوى، قال تامر جمعة إن «القضية لا تشهد أى تطور، خاصة بعد اقتصار تقرير الطبيب الشرعى على أن الرصاصة التى أودت بحياته جاءت من زاوية سفلى واخترقت صدره ثم استقرت بقلبه»، موضحا أن كل الضباط الذين استدعوا للتحقيق فى أحداث مجلس الوزراء تم استدعاؤهم على أساس أنهم شهود إثبات وليسوا متهمين. ويختم محامى مهند حديثه ل«الوطن» كاشفا عن أن الجلسة المقبلة ستشهد مفاجآت بطلب سماع شهادة شخصيات عامة، سيؤكدون أن حرق المجمع العلمى كان عن طريق قوات المظلات التى كانت تؤمنه.