هو كنز من الأسرار التى يصعب الكشف عنها فى حوار ربما يكون الأول من نوعه طوال 40 عاماً قضاهم فى السلك القضائى انتهى فيها إلى مساعد وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع لينتقل بعدها إلى تولى مسئولية تنفيذية فى حكومة المهندس إبراهيم محلب. «الوطن» فتحت خزائن أسرار المستشار إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية ومجلس النواب ومقرر لجنة الإصلاح التشريعى، ليتحدث لأول مرة عن ملفات التصالح مع من استباحوا نهب ثروات الوطن، قائلاً: «الفساد كان جزءاً من النظام السابق ونحتاج تشريعات جذرية للقضاء عليه؛ لذلك نحن فى طريقنا إلى إصدار تشريع لاسترداد الأموال المنهوبة من الخارج». وكشف المستشار الهنيدى، فى حواره مع «الوطن»، عن خريطة التشريعات المقبلة التى تعمل عليها لجنة الإصلاح التشريعى، ومن أبرزها مشروعات قوانين لضمان حقوق المصريين فى استثمارات قناة السويس وتشديد العقوبات فى جرائم إتلاف المنشآت العامة التى يرتكبها أنصار تنظيم الإخوان، فضلاً عن قوانين اقتصادية تتعلق بقانون الاستثمار الموحّد وتنشيط الأسواق، وقانونى السلطة القضائية ومكافحة الإرهاب، بعد أن طال انتظارهما، مضيفاً: «سنعمل على القضاء على الفساد من خلال تطوير التشريعات التى يبلغ عددها الآن نحو 100 ألف تشريع». وعن دور العدالة الانتقالية فى المرحلة المقبلة، أكد المستشار الهنيدى أن الوزارة ستعقد جلسات استماع لأصحاب المظالم من المعتقلين أو من تعرّضوا للإيذاء النفسى وإبلاغ الجهات المسئولة، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، حال ثبوت الواقعة. وعن مجلس النواب المقبل، قال «الهنيدى» إن ضعف الأحزاب والتحالفات الانتخابية سيكون سبباً رئيسياً فى عدم وصول تيار معين إلى حصد الأكثرية فى البرلمان المقبل وتشكيل الحكومة، مشدداً على ضرورة أن يكون رئيس مجلس النواب المقبل سياسياً قانونياً، وإلى نص الحوار. ■ الجميع يترقب الآن عمل لجنة الإصلاح التشريعى، نظراً للحاجة القوية إلى إجراء الخريطة التشريعية التى شابها كثير من القصور، فما الخطوات التى ستتخذها اللجنة لتحقيق منظومة تشريعية ناجحة وناجزة؟ - هذه اللجنة جرى إنشاؤها بعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة، وكان الغرض من إنشائها مراجعة جميع القوانين وإدخال التعديلات اللازمة على القوانين لتتفق مع نصوص الدستور، فضلاً عن اقتراحات مشروعات القوانين الجديدة التى تحتاجها الدولة، أيضاً هنا إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين والعمل على رفع التناقض بين القوانين الموجودة لتتفق مع السياسة العامة للدولة؛ وذلك لتحقيق التنمية التى ينتظرها الشعب المصرى. ■ وهل تفاجأت بقرار اختيارك مقرراً للجنة الإصلاح التشريعى التى يرأسها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء؟ - أرى أنه تكليف ثالث بعمل ثالث بجانب مسئوليتى عن وزارتى العدالة الانتقالية ومجلس النواب ولكننى متحمّس إلى إنتاج تشريعات تعالج الثغرات الموجودة فى النظام التشريعى فى مصر. ■ وما أهم القوانين التى من المتوقّع أن تبدأ بها اللجنة عملها التزاماً بالنصوص الدستورية؟ - هناك العديد من القوانين، منها منع التمييز والتفرقة بين أبناء الوطن، ومنظومة تشريعات تهدف إلى حصول المرأة على حقوقها الوظيفية والاجتماعية، للقضاء على أشكال التمييز، فضلاً عن قوانين أخرى كثيرة تهم المواطن المصرى وفقاً لتكليفات رئيس الجمهورية. ■ وماذا عن المفوضية العليا للانتخابات، باعتبارها من المواد المتفق عليها فى الدستور؟ - يجرى الآن إعداد مشروع قانون لإنشائها وسيُعرض هذا المشروع على البرلمان المقبل، لمناقشته وإقراره، واللجنة ارتأت أنه لا يوجد حاجة إلى إقراره الآن باعتبار أن اللجنة العليا للانتخابات ستكون هى المسئول الأول والأخير عن إجراء انتخابات مجلس النواب، وهذه جرى تشكيلها بالفعل. ■ ماذا عن ملامح مشروع المجلس الوطنى للإعلام والصحافة؟ - هذا السؤال مهم، خصوصاً فى ظل ازدياد المطالب بالتصدى لحالة الفوضى الإعلامية التى نشهدها، وتلقينا مقترح مشروع قانون المجلس الوطنى للإعلام، وسيجرى دعوة رؤساء التحرير والإعلاميين لمناقشتهم فى هذا المقترح قبل إعداد مشروع القانون، كما سيجرى طرحه فى حوار مجتمعى لسماع المتخصصين فى هذا المجال. ■ هناك أساسيات فى العمل التشريعى يجب الارتكاز عليها لتحقيق المنظومة، فما الآليات التى سترتكز عليها اللجنة؟ - نريد إصلاحاً تشريعياً حقيقياً يقضى على كل الثغرات القانونية التى أدت إلى انتشار الفساد فى الفترة السابقة، وهذا الأمر يأخذه أعضاء لجنة الإصلاح التشريعى، وعددهم 18 عضواً، على عاتقهم. ■ ما الأسباب الحقيقية لتأخر بدء أعمال اللجنة، على الرغم من صدور القرار الجمهورى لها منذ شهرين؟ - أسباب كثيرة، أهمها توفير المكان المناسب لانعقاد اللجنة وتخصيص ميزانية كاملة، فضلاً عن توفير الهيكل الإدارى للعاملين بها ومستشارين وموظفين إداريين، وهؤلاء يبلغ عددهم عشرات الأشخاص، وكان يجب إعداد رؤية واضحة لأعمال اللجنة المركزية واللجان الفرعية المنبثقة عنها وتقسيم التشريعات قبل بدء العمل. ■ وهل جرى اعتماد ميزانية خاصة للجنة؟ - فى البداية، رفض رئيس الوزراء، بحكم رئاسته للجنة، تخصيص موازنة لعمل اللجنة، ولكن مع بداية العمل على أرض الواقع كان يجب تخصيص موازنة، لأن هناك أشخاصاً ستعاون أعضاء اللجنة، لذلك اقترحنا توفير نحو 5 أو 6 ملايين جنيه، وخلال الساعات المقبلة سنتقدم بالموازنة إلى وزارة المالية لبحثها واعتمادها، وتتضمن بياناً بالرواتب والأجهزة والمعدات والأبحاث القانونية التى تحتاجها اللجنة. ■ هناك من يرى أن اللجنة خالفت القرار الجمهورى الصادر فى يونيو برقم 187 لسنة 2014، وبدأت عملها بعد انتهاء المدة المحددة لها بشهرين، ما تعليقك؟ - كلام غير دقيق، لدينا فى القانون مواعيد متعلقة بالنظام العام ومواعيد تنظيمية، القصد منها الحض على سرعة الانتهاء من القوانين، ونحن بدأنا بالفعل العمل، وسنعرض التشريعات العاجلة على رئيس الجمهورية فى أقرب فرصة. ■ وهل بدأت الوزارات إرسال مشروعات القوانين للجنة للمناقشة والمراجعة؟ - بالفعل مجلس الوزراء أرسل إلينا أول مشروع قانون يتعلق بالاستثمار، ولكننا سننتظر مشروع القانون الذى تعده وزارة الاستثمار حتى يبحثه أعضاء لجنة الإصلاح ويتولد منهما مشروع قانون موحد للاستثمار. ■ تصريحات رئيس الوزراء فى اجتماع لجنة الإصلاح التشريعى الأخير، حملت ملامح لأجندة تشريعية اقتصادية متكاملة؟ - هذا صحيح، اللجنة الاقتصادية المنبثقة عن لجنة الإصلاح التشريعى تعمل الآن على إعداد تشريعات اقتصادية تحقق حلولاً لأزمات سوق المال، فضلاً عن حزمة من التشريعات التى ستدفع عجلة الاستثمار، وتتماشى مع المشروعات العملاقة التى بدأت الدولة تنفيذها بالفعل. ■ دائرة العمل داخل لجنة الإصلاح التشريعى، من أين تبدأ وإلى أين تنتهى؟ - هناك عدة قنوات سيمر بها مشروع القانون ليخرج فى صياغة نهائية متكاملة، اللجنة إما تقترح مشروع القانون وإما تعرضه عليها وزارة من الوزارات أو جهة من الجهات، ويُعرض على الأمانة العامة للجنة الإصلاح، بعدها المكتب الفنى سيبدأ فى التنسيق مع الجهات الوزارية، والعرض على اللجنة العليا لمناقشته والتأكد من عدم مخالفته للدستور أو القوانين الدولية، وإعداد جداول للمقارنة بين القانونين، وبعدها يُعرض المشروع فى حوار مجتمعى لأخذ الرأى فيه. ■ وما المدة الزمنية التى تحتاجها اللجنة لإعداد مشروع القانون؟ - كل قانون وحسب ظروفه، وبالمناسبة لكل لجنة فرعية الحق فى استدعاء أى وزير أو مساعديه، للاستماع إلى رؤيتهم فى المشروعات. ■ ما عدد التشريعات المأمول أن تصدرها لجنة الإصلاح؟ - «المفروض نطلّع قوانين مصر كلها»، وهناك قوانين ملحة وقوانين تحتاج تعديلات، وبصراحة لدينا فى مصر غابة من التشريعات يقدّر عددها بنحو 100 ألف تشريع وغالبيتها فى حاجة إلى مراجعة، وهذا رقم قد يتفاجأ به البعض، لذلك فإن اعتمادنا على مجموعة من المستشارين لمعاونة اللجنة فى عملها أمر مهم وضرورى. ■ من وجهة نظرك القانونية، ما أهم القوانين التى تحتاج الدولة لإصدارها الفترة المقبلة؟ - بكل صراحة نحتاج إصلاحاً جذرياً فى منظومة التشريعات الاقتصادية، وفى مقدمتها قوانين الاستثمار لتتناسب مع خطة الرئيس، ولدينا اتجاه لإصدار قانون لتنظيم استثمارات المواطنين فى محور تنمية قناة السويس، على حسب ما تحتاجه البنوك والجهات المعاونة للمشروع للحفاظ على جميع الحقوق. ومشروعات قوانين لتشديد العقوبات ضد الجماعة الإرهابية التى تسعى إلى إتلاف ثروة الشعب المصرى، ومن خلال إتلاف شبكات الكهرباء وإحداث فوضى داخل المجتمع، وقد تصل العقوبات إلى السجن المؤبد، وأرى أنه من المطلوب عرض كل هذه التشريعات للحوار المجتمعى، أيضاً من ضمن مشروعات القوانين تعديلات على قانون الشرطة برؤية متكاملة ويجرى إعدادها الآن داخل لجنة الأمن القومى فى لجنة الإصلاح التشريعى. ■ وماذا عن قانون مكافحة الإرهاب؟ - هذا القانون من القوانين المهمة، ونحن فى حاجة إلى صياغة رؤية مختلفة حوله تتناسب مع تطور الجريمة الإرهابية، وأتصور أنه من الملائم الموازنة بينه وبين قانون العقوبات، ويمكن أن ترى اللجنة المختصة أننا لسنا فى حاجة إلى إصدار قانون جديد، ويُكتفى بتعديل بعض المواد والإجراءات فى قانون العقوبات. ■ هناك 6 لجان فرعية منبثقة عن اللجنة المركزية للإصلاح التشريعى، من بينها لجنة التقاضى والعدالة. ما اختصاصاتها؟ - هذه اللجنة من أبرز اللجان، ومن المنتظر أن تقدم مشروعات مهمة تخص النظام القضائى، وفى مقدمتها قانون السلطة القضائية الذى طال انتظاره لأسباب كثيرة، أهمها الاختلاف بين الجهات القضائية وتوجهاتهم، وكل جهة حاولت إعداد مشروع خاص بها. ■ وهل ستجتمع بهم عقب الانتهاء من إعداد مشروع القانون؟ - نعم، على استعداد للجلوس معهم وتقريب وجهات النظر من أجل إخراج قانون متكامل يرضى عنه العاملون بالسلطة القضائية. ■ ماذا عن لجنة التشريعات الاجتماعية؟ - يرأسها الأستاذ سامح عاشور، نقيب المحامين، وأتوقع أن يكون لهذه اللجنة عمل مختلف عن باقى اللجان، خصوصاً أنها ستكون قريبة من نبض الشارع باعتبارها المسئول عن إصدار التشريعات الاجتماعية الخاصة بمحدودى الدخل، وكذلك تنظيم قانون الجمعيات الأهلية الذى أثير حوله كثير من المشكلات فى الفترة الماضية. ■ هل ستطرح القوانين التى ستنتهى منها لجنة الإصلاح التشريعى فى حوار مجتمعى قبل إحالتها إلى رئيس الجمهورية؟ - هذا الأمر جرى الاتفاق عليه فى الاجتماعات التحضيرية الأولى لعمل اللجنة، وكنا حريصين على إيجاد وسيلة للتحاور، والتواصل مع المجتمع. وسنبدأ بطرح استمارات استبيان عبر الموقع الإلكترونى للجنة على الجماهير لاستطلاع رأيهم فى المشروعات التى سننتهى منها، وأتصور أن الشفافية فى التعامل مع هذه الأمور هى المحك الرئيسى لإنجاح عمل لجنة الإصلاح التشريعى. ■ هل تتوقع استمرار عمل لجنة الإصلاح حال تشكيل مجلس النواب المقبل؟ - نعم أتوقع استمرارها وستكون جزءاً من الهيكل التشريعى فى المرحلة المقبلة، وعمل البرلمان لن يتقاطع مع عمل لجنة الإصلاح التشريعى، فاللجنة ستكون مهمتها إعداد التشريعات وعرضها على البرلمان، باعتباره صاحب القرار النهائى. وفى رأيى أن البرلمان مهما كان جهده سيحتاج جهة معاونة تساعده فى إعداد القوانين. ■ بصراحة شديدة هل أرهقك المنصب التنفيذى؟ - نعم، ولكننى مستمتع به ومستعد لبذل أقصى ما فى وسعى للانتهاء من المهام المنوطة بى. ■ أيهما أقرب إلى قلبك: منصة القاضى، أم الوزير التنفيذى؟ - بالتأكيد يظل حبى الأول للقضاء، ولكن اختيارى فى المنصب التنفيذى تكليف وواجب وطنى. ■ فى جعبتك ملف لا يمكن تجاهله منذ أن كنت مساعداً لوزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع، والجميع يتساءل عن الأسباب الحقيقية وراء فشل إصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة منذ ثورة يناير وحتى الآن؟ - بكل صراحة، أثناء عملى فى جهاز الكسب غير المشروع وبعد اطلاعى على ملفات القضايا المتهم فيها رموز نظامى «مبارك ومرسى» تقدمت بمشروع قانون متكامل لاسترداد الأموال المنهوبة، وللأسف مرت أشهر ولم يصدر القانون، على الرغم من إصرارى على إصداره. وأتصور أن الأقدار شاءت أن تأتى بى إلى المكان المناسب لإصدار هذا القانون الذى تحتاجه مصر فى هذه المرحلة تحديداً لاستعادة أموال الشعب المنهوبة. ■ وما ملامح هذا المشروع؟ - يعطى سلطة أوسع لجهات التقاضى للتعامل مع أصحاب هذه الجرائم، كما يعطى آليات عديدة للاتصال بالجهات الأجنبية لاستعادة الأموال أو على الأقل تحديد الأماكن المختبئة فيها، كما يعطى الجهات القضائية فرصة التصالح مع المتهمين فى جرائم نهب أموال الوطن حال حصول الدولة على كامل حقوقها المالية منهم. ■ هل كنت مع فكرة التصالح مع من نهبوا ثروات مصر؟ - نعم، وأدعمها لأسباب عديدة أهمها أن مصر تحتاج الآن «كل مليم»، وطريق استعادة الأموال المهربة طويل، ولذلك فإن التصالح يقصر المسافات، وأكرر أن الشعب المصرى هو الأولى بالحصول على هذه الأموال بدلا من الاقتراض من الخارج. ■ كم عدد القضايا التى حققت فيها خلال عملك فى جهاز الكسب غير المشروع؟ - أكثر من 700 قضية تشمل رموز نظامى «مبارك ومرسى»، وهو عدد ليس قليلاً، وهناك الكثير من القضايا ما زال الجهاز يحقق فيها. ■ وما المبلغ الإجمالى الذى نجح جهاز الكسب غير المشروع حتى الآن فى استرداده من الأموال المنهوبة؟ - استطعنا رد 190 مليون جنيه و10 ملايين دولار ومليون يورو من الأموال المنهوبة داخلياً. ■ أعلم أنك درست ملف رجل الأعمال حسين سالم أثناء عملك بالجهاز، فما حقيقة التسوية التى تقدّم بها؟ - رجل الأعمال حسين سالم تقدم بالفعل إلى الجهاز للتصالح وتعاملت معه من خلال الأوراق التى أثبتت تربّحه وحصوله على المال العام دون وجه حق، ولكن فى ظل صعوبة استرداد الأموال المهربة إلى الخارج، كنت أرى أن التصالح فى هذا الملف أفضل كثيراً من ترك الأموال المصرية لأنظمة أجنبية لتستفيد بها، وبالفعل بعض المحامين من طرفه تقدموا أكثر من مرة للمطالبة بالتصالح، ولكن الأمور استغرقت بعض الوقت للتفاوض على إجمالى المبلغ المطلوب استرداده. ■ وهل رفض جهاز الكسب العروض التى تقدم بها موكلو «سالم»؟ - بعض العروض كانت غامضة وتحتاج إلى توضيح، فضلاً عن عروض أخرى لم تستوف المبلغ المطلوب استرداده وفقاً للبيانات، وأعتقد أن آخر عرض تقدم به أحد موكلى حسين سالم تجاوز 15 مليار جنيه، إلا أن الجهاز رأى أن مبلغ التصالح الذى تقدم به «سالم» لا يتناسب مع حجم الأموال التى جناها. ■ وما الأسباب الحقيقية وراء تعطيل مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة؟ - جهات قضائية كثيرة طلبت بحثه وانتهى الأمر لعدم صدوره وكنت أتمنى ألا يحدث ذلك. ■ هل المسئول عن تعطيل هذا المشروع وزير العدل السابق؟ - لا لم يكن مسئولاً عن تعطيل المشروع، ولكن مثل هذه القوانين تمر على دوائر تشريعية كثيرة، المهم أن هذا القانون سيرى النور قريباً وهذه بادرة أمل من أجل استعادة جزء من الأموال المنهوبة، وبصراحة «أنا عندى أمل إننا نرجع فلوس المصريين المسروقة رغم صعوبة الأمر». ■ خلال الفترة التى قضيتها داخل جهاز الكسب غير المشروع، هل كانت هناك استجابة من قِبل المتهمين لدفع هذه المبالغ؟ - البعض كان يستجيب والآخر كان يهرول للفرار من خلال طلب تشكيل لجنة أخرى لتقصى الحقيقة، أو التقدم بطلب لتقسيط المبلغ أو المراوغة ونفى الاتهام. ■ من واقع قراءتك لهذه الملفات، كيف كان شعورك بهؤلاء المتهمين فى قضايا نهب أموال البلد؟ - لا أريد الخوض فى ملفات تركتها بعد انتقالى إلى المنصب الوزارى، لكن هناك حالات من الفساد الشديد كشفت عنها ملفات التحقيق بالجهاز، وكنت أسال نفسى كيف استباحوا مقدرات هذا الوطن لأنفسهم، ولذلك لم أتهاون فى فتح قنوات للتفاوض مع بعض الشخصيات. ■ وهل حدثت مماطلة من بعض المطالَبين بسداد الأموال، على الرغم من أنهم لجأوا إلى التصالح؟ - نعم وكانوا يطلبون تشكيل لجان لمراجعة المبالغ المطلوب استردادها، مما تسبب فى تعطيل كثير من القضايا وتوقف مبادرات التصالح. ■ وهل تعاملت مع ملفات الكسب غير المشروع الخاصة بصفوت الشريف وأحمد نظيف وأحمد عز؟ - كثير من هذه الأسماء مرت علىّ من خلال أوراق وملفات جهاز الكسب، إلا أننى بطبيعة الحال أتعامل مع القضايا وليس الأشخاص، ولا يعنينى فلاناً أو صفته، المهم أن كل من عرض التصالح، كنا نبحث أمره طالما أنه يصب فى مصلحة الوطن، وهناك مسئولون غير معروفين تربّحوا من المال العام، ونحن نتحدث فى مئات الأوراق التى تشتم منها رائحة الفساد التى يجب القضاء عليها من خلال إصدار تشريعات جديدة. ■ ما علاقتك بنظام الرئيس المعزول محمد مرسى؟ - لم أتول أى منصب تنفيذى فى عهد محمد مرسى وتوليت مسئوليتى فى جهاز الكسب غير المشروع عقب ثورة يونيو، وبالتالى علاقتى بهذا النظام بدأت من خلال أوراق قضايا الكسب غير المشروع التى اتهموا فيها. ■ وهل استجاب الرئيس المعزول محمد مرسى للتحقيقات؟ - هذا الرجل «طلّع روحى»، وهذا الكلام أقوله لأول مرة، طبعاً الجهاز لم يتحرك إلا بناءً على البلاغات المقدّمة إليه، وعليه طلبت من «مرسى» كتابة إقرار الذمة المالية، لتوضيح حجم ثرواته والتأكد منها ومن البلاغات المقدمة ضده بشأن استيلائه على المال العام، فما كان منه إلا أن رد قائلاً: «أنا محبوس وفى السجن ومش فاضى للكلام ده»، واضطررت إلى إرسال قاضٍ لمخاطبته بإقرار الذمة المالية، فرفض إملاءه، وقال: «إزاى تتكلموا معايا كده؟ أنا رئيس الدولة». ■ وكيف كان شعورك؟ - بصراحة شديدة، تأكدت أن هذا الرجل لا يعترف بالقانون ولا يحترم سير العدالة، كما أن الوزراء ورجال الأعمال فى عهد «مرسى» كانوا يماطلون دائماً فى المثول أمام جهاز الكسب غير المشروع. ■ من أوراق القضايا التى اطلعت عليها، هل استباحت رموز نظامى «مبارك ومرسى» أموال الوطن؟ - هناك فساد، وهناك من استباح مال البلد ومقدرات الشعب المصرى، وهذا الكلام سيحسمه القضاء. إن القاضى لا يأخذ بالإحساس، وإنما يحكم بالأدلة، وهناك كثير من القضايا متهم فيها رموز النظامين ما زال جهاز الكسب غير المشروع يحقق فيها وبدقة لاستجلاء الحقيقة. ■ هل تابعت محاكمة الرئيس مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلى؟ - للأسف ظروف عملى تجعلنى لا أتابع وسائل الإعلام، ولكننى قرأت ملخصاً عما دار خلال المحاكمة. ■ بعد تركك منصة القضاء أيهما كان أشد فساداً، سواء على المستوى السياسى أو المالى، نظام «مبارك» أم نظام «مرسى»؟ - المقارنة فى هذه الظروف تكون عند توحيد الظروف وتوحيد حق المعتدى عليه، والحالة بين النظامين مختلفة، وبالتالى المقارنة ستكون صعبة. ■ هل يحتاج النظام القضائى فى مصر إلى العدالة الناجزة؟ - العدالة الناجزة مطلب من كل الأنظمة القضائية فى العالم، وهى تحتاج إلى عدالة سريعة قوية تحقق وتفصل فى القضايا المهمة، وأعتقد فى مصر أن المسألة تحتاج وقتاً طويلاً بعض الشىء، لأن هناك عيوباً كثيرة فى النظام القضائى المصرى تتعلق بكثرة عدد القضايا وقلة القضاة والنظام القضائى الذى يتيح إقامة الدعاوى فى قضايا قليلة الأهمية، كل هذه الأسباب تؤدى فى النهاية إلى عدم وصول القاضى المصرى إلى تحقيق الأمر. ■ أنت مسئول عن ملف العدالة الانتقالية بحكم منصبك، والرأى العام يرى أن مفهوم العدالة غير موجود على أرض الواقع، ما تعليقك؟ - نسعى الآن إلى إعداد مشروع قانون لإنشاء مفوضية للعدالة الانتقالية، والعدالة الانتقالية تحتوى على مفهوم واسع يتلخص فى إعداد المجتمع ونقله من الحالة التى كان عليها قبل وأثناء الثورة إلى إطار جديد مقبول من الجماهير، وهو الأمر الذى يقتضى تحقيق إصلاحات عديدة. ■ هل بدأت الوزارة خطوات فعلية لتحقيق العدالة الانتقالية داخل المجتمع؟ - نعم، فى الأيام الماضية التقيت مع رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، واتفقنا على بعض الأمور المتعلقة بالعدالة الانتقالية، ومن المقرر أن يجرى تفعيل بروتوكول التعاون بينهما من خلال بعض الملفات المهمة، وتشكيل لجان استماع لأطراف كل ملف، وسيعاوننا فى ذلك المتخصصون بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية. ■ وما أبرز هذه الملفات؟ - ملفات المعتقلين دون وجه حق أو من تعرّضوا للتعذيب أو إيذاء نفسى أو جرى التنكيل بهم لأى سبب، الخلاصة أننا سنهتم بتحقيق كرامة المواطن المصرى. ■ وهل سيجرى الإعلان عن جلسات الاستماع للمضارين من أى واقعة؟ - نعم، سنعلن من خلال وسائل الإعلام عن المدة الزمنية التى ستتلقى فيها هذه اللجان مظالم المواطنين ولن تزيد على 30 يوماً لتبدأ اللجان المختصة فى وزارة العدالة الانتقالية عملها، وأطالب كل مواطن صاحب شكوى حقيقية بالتقدم للحصول على حقه. ■ هل سينتهى دور اللجنة إلى التحقيق فى الشكاوى؟ - مرحلة الاستماع هى أولى المراحل التى ستعمل عليها اللجنة، بعدها نبدأ التحقيق من خلال الاستماع إلى جميع الأطراف، وعند ثبوت المظلمة، سنحيل الملف بالكامل إلى الجهات المختصة للتحقيق فيها ومعاقبة المتسبب فى وقوع هذا الإيذاء، ولا تهاون مع أى شخص مهما كانت مسئوليته أو موقعه بالدولة. ■ هل ترى أن مفهوم العدالة الانتقالية تحقق فى مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن؟ - فى دور التحقيق، لا ننسى الظروف التى مرت بها البلاد طوال 4 سنوات حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، مسئولية الدولة، وأتصور أن العدالة عادت لتسير على ساقيها، وفى ظل استقرار الأوضاع ستختلف الأمور كثيراً. ولمن لا يعرف فإن هناك قانوناً للعدالة الانتقالية، ولكنه بحاجة إلى بعض التعديلات ونبحثها الآن. ■ وما أبرز التعديلات التى يمكن إدخالها على هذا القانون؟ - منح سلطات أوسع للوزارة بشأن تعويض المضارين مادياً وأدبياً، وبحثنا بعض المقترحات من أهمها تسمية شوارع بأسماء أو مدارس بأسماء المضارين بعد التحقق من الواقعة. ■ بحكم عملك كوزير مختص بشئون مجلس النواب، هل تتابع خريطة التحالفات الانتخابية؟ - نعم أتابعها على قدر الإمكان. ■ من خلال متابعتك لهذه التحالفات، هل ترى أن البرلمان المقبل سيشهد وصول تحالف أو حزب ما إلى تشكيل الأكثرية، ما يتيح له تشكيل الحكومة المقبلة؟ - أعتقد أن كثرة عدد الأحزاب واختلاف أيديولوجياتها والحال نفسه بالنسبة لطبيعة التحالفات، لن تؤدى إلى تحقق الأكثرية داخل مجلس النواب المقبل. ■ وهل يؤثر ذلك على أداء البرلمان المقبل؟ - بكل تأكيد، مجلس النواب المقبل ستكون الأغلبية فيه للنظام الفردى، وهذا بموجب القانون، والتكتلات السياسية تحت القبة لن تكون بالصورة نفسها التى كانت عليها فى الماضى، وإن كنت أتمنى أن تكون الأحزاب أكثر قوة لتضفى على البرلمان شكلاً مختلفاً عما كانت عليه من قبل. ■ كلامك يعنى تحميل الأحزاب المسئولية الأساسية فى هشاشة مجلس النواب الجديد؟ - أتصور أن اختفاء الأحزاب السياسية من الشارع المصرى، أحد أسباب فشلها، ويجب على هذه الأحزاب تصحيح مسارها من خلال الاندماج مع الشعب المصرى لخلق تجربة حزبية جديدة تختلف عما سبق فى الأنظمة السابقة. ■ كثير من القوى السياسية، وتحديداً الأحزاب، وجهت انتقادات إلى قانونى مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب؟ - قانون الانتخابات البرلمانية يعكس طبيعة المزاج العام فى الشارع، والأغلبية من الشعب المصرى يتجهون إلى النظام الفردى، نظراً لعدم وجود أحزاب قوية، لذلك هم يفضلون التعامل مع المرشح بدلاً من القائمة الانتخابية. ■ ماذا عن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وأين هو الآن؟ - قانون تقسيم الدوائر جرى إعداده، إلا أنه كان يجب على اللجنة التى أعدت قانون الانتخابات الانتهاء منه وتسليمه مع قانونى مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، لكن اعترضتها عقبات كثيرة، أبرزها إعادة تقسيم المحافظات، مما سيؤدى إلى إعادة تشكيل الدوائر الانتخابية، لذلك أرجئ هذا الموضوع فضلاً عن ذلك فإن بعض الشخصيات المهمة فى اللجنة تركت عملها، أمثال المستشار المحترم محمد أمين المهدى الوزير السابق للعدالة الانتقالية، والمستشار على عوض المستشار السابق لرئيس الجمهورية، كل هذه الأمور أدت إلى تأخر إصدار القانون، وبالتالى لست مسئولاً عن تأخر إصدار القانون أو عرقلة إجراء الانتخابات. ■ وما الموقف الآن؟ - مشروع قانون تقسيم الدوائر فى مجلس الوزراء الآن، وأعتقد أنه لجأ إلى تقسيم الدوائر قبل الانتهاء من تقسيم المحافظات وهناك اتجاه إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة قانونية مختصة لمراجعته وإصداره خلال أيام. ■ البعض يرى أن هناك مماطلةً فى بدء إجراءات انتخابات مجلس النواب؟ - عملية الانتخاب بموجب الدستور بدأت بالفعل إصدار قرار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، واللجنة هى المنوطة بتحديد مواعيد الانتخابات وبمجرد صدور قانون تقسيم الدوائر الانتخابية ستكون الأمور مهيّأة لإجراء الانتخابات. ■ هل تتوقع موعداً محدداً لإنهاء انتخابات مجلس النواب؟ - لست صاحب القرار فى هذا الأمر، فاللجنة العليا للانتخابات هى المنوط بها الأمر. ■ ماذا عن التعديلات التى تحدث الآن بقاعة مجلس النواب؟ - واجهنا كثيراً من التحديات لزيادة عدد المقاعد ووزارة الآثار رفضت المساس بالطابع الأثرى للقاعة، وبالتالى بحثنا عن بدائل فخصصنا الشرفة العلوية التى كانت مخصصة للصحفيين، للسادة النواب، ويجرى الآن تطوير شبكة النظم المعلوماتية، ونتجه إلى توفير جهاز «آيباد» لكل نائب، وتعاوننا فى ذلك وزارة الاتصالات. ■ ولكن هناك صعوبة فى التواصل بين النواب الذين سيجلسون فى الشرفة العلوية وباقى الأعضاء بالقاعة؟ - هذا ما نبحثه الآن مع وزارة الاتصالات لتحقيق حلقة وصل آمنه بين الأعضاء الموجودين فى القاعة الرئيسية. ■ هل هناك مدة زمنية للانتهاء من أعمال التطوير؟ - ستكون القاعة جاهزة لاستقبال أعضاء مجلس النواب فى نوفمبر المقبل. ■ ماذا عن التكلفة المالية؟ - 10 ملايين جنيه، كانت جملة تكلفة إدخال وسائل تكنولوجية حديثة للقاعة. ■ وكيف استطعتم تدبير هذا المبلغ، خصوصاً أن الميزانية المخصصة لمجلس النواب محدودة؟ - كثير من الجهات المانحة من داخل مصر ساعدتنا، وأخذنا النصيب الأكبر من وزارة الاتصالات، فضلاً عن الأجهزة السيادية الأخرى. ■ ما رأيك فى زيادة المكافأة المخصصة للنائب البرلمانى التى حددها القانون ب5 آلاف جنيه، وقد تزيد إلى 20 ألف جنيه؟ - عمل النائب يكون فى المقام الأول لخدمة الوطن والجماهير، وزيادة المكافأة للنائب هى مساهمة من المشرّع لتوفير مناخ مناسب له للعمل بجانب توفير احتياجاته الخاصة، والآن مصر مثقلة بكثير من الديون، وبالتالى لا يمكن زيادة هذه المكافأة على مبلغ 5 آلاف جنيه بأى حال من الأحوال. ■ قانون الانتخابات وضع شروطاً محددة تمنع النائب من التربّح أو استخدام حصانته البرلمانية، هل ترى أن ذلك سيحد من خوض بعض الطامعين فى كرسى المجلس بهدف تحقيق مصالح خاصة؟ - أتصور ذلك، وأرى أن كل من ينتوى الترشح عليه بالجلوس مع نفسه والتأكد من قدرته على تقديم الواجب البرلمانى المنوط به. نحن فى مرحلة بناء الوطن، والمنتفعون لا مكان لهم. ■ ولكن البعض يبحث عن مقعد البرلمان من أجل تحقيق الثروات؟ - المشهد السياسى المقبل مختلف، والشعب المصرى لن يتستر على أى فساد، وفساد النائب يبدأ من دائرته. ■ هل أنت راضٍ عن خوض بعض نواب الحزب الوطنى الانتخابات؟ - أى مصرى طالما أن يديه لم تتلوثا بالدم أو الفساد يمكن أن يمارس دوره السياسى، والشعب المصرى هو الفيصل. ■ هناك ملف شائك جداً، والخاص بأزمة العاملين فى مجلس الشورى الملغى وقرار دمجهم فى كيان مجلس النواب؟ - تفاوت درجات الموظفين بين أعضاء المجلس أدى إلى أزمة كبيرة فى عمليات الدمج، على الرغم من أنه جرى الاستعانة ببعض المتخصصين، وحالياً الأمر معروض على مجلس الدولة، ولكن لا بديل عن تحقيق الدمج بين العاملين فى المجلسين، خصوصاً أن الدستور ألغى كيان مجلس الشورى. ■ العلاقة بين رئيس مجلس النواب ووزير الشئون البرلمانية، علاقة قريبة جداً.. السؤال، هل ترى شخصية ما ربما تكون هى الأقرب إلى رئاسة البرلمان المقبل؟ - سؤال استباقى، فالمشهد الانتخابى حتى الآن لم يوضح من الشخصيات الذين سيخوضون الانتخابات وحالة «اللخبطة» التى تمر بها التحالفات تعرقل الانتخابات، وبالتالى يصعب الإجابة الآن، علينا أن ننتظر ونرى ما ستكشف عنه الأيام. ■ هل يأتى رئيس مجلس النواب من نسبة المعينين التى كفلها الدستور لرئيس الدولة؟ - ولمَ لا؟ قانون الانتخابات لا يمنع ذلك، وربما يكون من المعينين الشخصية الأقرب إلى اعتلاء هذا المنصب المهم.